لم تكن نتيجة الانتخابات النيابية في فلسطين مفاجأة وإن كانت تعني تحولات كبيرة في السياسة العامة الإقليمية طالما كان الحديث عنها مغامرة تحليلية واستنتاجية مفادها أن الولايات المتحدة والحركة الإسلامية تستعدان معا لمرحلة سياسية جديدة في العالم العربي والإسلامي، وسيكون حديثا عفا عليه الزمن مناقشة مواقف الحركة الإسلامية المتوقعة من قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية وتطبيق الشريعة الإسلامية، فهي مسائل لن تحسم الموقف من الحركة الإسلامية كما يبدو في وسائل الإعلام. فالحركة الإسلامية أولا وأخيرا هي جماعات سياسية واجتماعية تعبر عن تفاعلات سياسية واجتماعية وستتحرك وتتصرف كما الأحزاب والجماعات وفق ما يعيد انتخابها ويحافظ على بقائها في موقع التأثير في المجتمع والدولة.
وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فإن التحالف مع حكومات منتخبة هو أفضل لها من المغامرة بمصالحها ووجودها في المنطقة من أجل مواصلة الدعم لأنظمة سياسية أصبحت من دون شعبية أو فرصة كبيرة للحصول على غطاء انتخابي، وبخاصة أن الحركة الإسلامية وشعوب المنطقة ليس لديها مشكلة وجودية مع الولايات المتحدة بذاتها، ولكن مشكلتها الحقيقية متعلقة بالحرية والخبز، وأن عداءها للولايات المتحدة يعود إلى هاتين المسألتين. أما الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية والتفسير الأيدولوجي لمواقف الحركة الإسلامية ورؤاها أو فهم العلاقة بين الولايات المتحدة وبين الإسلام والعالم الإسلامي على أساس أيدولوجي فهو لا يصلح أكثر من تغطية السياسات والمصالح القائمة، فالأيدولوجيا على مدى التاريخ والجغرافيا تتبع السياسة والمصالح وليس العكس.
حركة حماس تخوض حوارا مع الغرب منذ قيامها، بل إن كثيرا من قادتها كانوا يقيمون في الغرب، وربما تكون هذه العلاقة قد تغيرت مع سلوك حماس في مسار العمل العسكري، ولكن التسريبات الإعلامية ظلت مستمرة حول الحوار والتفاوض مباشرة أو من خلال وسطاء مع إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة، ولم تكن الاجتماعات شبه المتواصلة
وعلى مدى سنوات في القاهرة حوارا بين الفصائل الفلسطينية فقط، بل إن قيادة السطلة الوطنية الفلسطينية أعلنت عام 1996 عن مخاوفها وقلقها من مفاوضات تجري بين حماس وإسرائيل. ولا يعقل بالطبع أن يكون وقف العمليات العسكرية وإجراء الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية من دون مفاوضات وتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا ومصر والأردن، فالدول والجماعات لا يمكنها، حتى في العالم الافتراضي والإنترنت، إجراء تراتيب سياسية وأمنية وإدارية بمعزل عن تنسيق اتصالاتها ومصالحها.
وفي الوقت الذي لا تعود فيه الاتصالات والحوارات العربية الإسرائيلية سببا في فقدان التأييد السياسي والشعبي فسنعرف الكثير مما كان يجري على أرض الواقع ويرفض في وسائل الإعلام، فهي قضية متعلقة بالمجتمعات والرأي العام أكثر مما هي متعلقة بالأيدولوجيا والأفكار وحقيقة ما يجري بالفعل.
القبول الأميركي والإسرائيلي بنتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية لا يعني فقط تشكيل حكومة فلسطينية بقيادة حماس، ولكنه يعني أن حماس تفتح المجال للحركة الإسلامية وبخاصة في مصر وسورية للدخول في شراكة سياسية جديدة، ويعني أيضا أن حماس كانت تشارك نيابة عن الحركة الإسلامية في الإعداد لترتيبات فلسطينية وإقليمية.
ربما لم تكن حماس جسرا بين الحركات الإسلامية والولايات المتحدة، لكنها عمليا فتحت لها المجال وأسقطت المحرمات السياسية والأيدولوجية السابقة، وكما وضعت حماس الحركات والمجتمعات العربية في زاوية الانتفاضة والكفاح وإسقاط كل برنامج إصلاحي ووطني
غير "القضية المركزية للأمة الإسلامية" فستقودها إلى التخلى عن مقولات الهيمنة والاحتلال والصراع الاستراتيجي لأجل الانتخابات، طالما أن المجتمعات ستكسب الديمقراطية وإن خسرت الحرب مع الصليبيبة والصهيونية.
ولكن هل ستعوض حماس والحركات الإسلامية تخليها عن الحرب الكبرى مع الاحتلال وأعداء الإسلام لتخوض حربا على السفور والاختلاط والصور والخمور والبدع والمنكرات؟ وبخاصة أنها حرب يمكن أن يغض الغرب الطرف عنها أو يدعها تستفحل ليستخدمها متى شاء.
تفعل حماس والحركات الإسلامية خيرا إن لم تستدرج إلى ذلك وراهنت على المكاسب والانتصارات الصغيرة في الإصلاح والتنمية والحريات وعلى تراكمها وتطويرها، وتحتاج أن تقول بوضوح وبساطة أنها ليست المهدي المنتظر ولا صلاح الدين ولا تملك القوة الكافية لتحقيق أحلام المسملين وتطلعاتهم وأن ما تقدر عليه هو القبول بالاحتكام إلى الانتخابات، وأنها (الانتخابات) أفضل وسيلة ممكنة لاختيار من يعبر عن رغبات وتطلعات المجتمعات والناخبين وأن الفجوة بين هذه التطلعات وبين الممكن ستبقى تحديا لمن يثبت قدرته على ردمها أو تقليلها وإقناع الناخبين بذلك.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo