إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الزلزال السياسي الفلسطيني.. خلفيات واستحقاقات

الجمعة 3/2/2006
نعيم الاشهب

يمكن القول إن الانتخابات التشريعية الفلسطينية تحوّلت الى قضية حركت المجتمع الدولي كله وترددت اصداؤها على نطاق واسع. وقد اعتبر الكثير من المراقبين نتائجها بالزلزال السياسي.

لكن هذا الزلزال وقع عبر اكثر الوسائل حضارية وارتفع فوق اية تجربة دمقراطية في العالم العربي كله وبلا استثناء رغم وجود الإحتلال. علما بأنه كانت هناك مخاوف، حتى آخر لحظة، من ان ترافقه مظاهر الفلتان الأمني الذي استشرى مؤخرا في الساحة الفلسطينية. وهذا يؤكد ان مصدر هذا الفلتان لم يكن الشعب الفلسطيني الذي برهن عن اندماجه الايجابي في العملية الدمراطية على نحوٍ أثار إعجاب العالم ، وانما مرد هذا الفلتان ، في الأساس، الى صراعات أجنحة حزب السلطة: فتح.
وبالتالي: فقد كان متوقعا أن يؤدي هذا الفلتان الذي عانى منه المواطن الأمرّين، بخاصة مع تفاقمه في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى الفساد الذي استشرى في أجهزة السلطة حتى بلغ نخاع العظم.. كان متوقعا
أن يرتد على شكل عقاب صارم من الناخب لفتح التي احتكرت السلطة منذ قيامها.
وبهذا المعنى، فما جرى من تحوّل كاسح من فتح الى حماس، ينبغي اعتباره، قبل كل شيء، كعقاب قبل ان يكون في مجمله تعبيراعن قناعة بأيديولوجية حماس وخطها السياسي.
لقد سعّرت العواطف المكبوتة التي تراكمت على مدى السنين ضد احتكار فتح للسلطة وممارساتها العشوائية واستخفافها بالمواطن ومعاناته، في دفع هذا التحّول بعيدا
في تطرفه. وبالتالي: ينبغي الاعتقاد بأن هذا الاندفاع المتطرف لصالح حماس لا بد له وأن يتوازن بعد بعض الوقت، ولو انه لن يؤثر مباشرة على تشكيل المجلس التشريعي الجديد.
حتى قادة حماس فوجئوا – كما اشيع – بالنتائج. ويبدو انهم لم يكونوا مستعدين لها ومهيئين لتسلم السلطة وتبعاتها. وعليه، فإنه بمقدار ما مثلت نتائج الانتخابات من عقاب لحركة فتح على فسادها – مع انها لم تفرط بالثوابت الوطنية – بمقدار ما وضعت هذه النتائج الطرف المنتصر "حماس" أمام مأزق لا تحسد عليه، مأخوذ في الحسبان ان هذه التغييرات لا تجري في اطار دولة مستقلة تتمتع بإكتفاء اقتصادي ومالي. ولعل تلهف حماس على التحالف مع فتح وسواها لتشكيل الحكومة القادمة، وإحجام فتح حتى الآن عن قبول العرض، تعبير عن هذه الحالة.
فممارسة حماس للسلطة سيضعها، ومنذ اللحظة الأولى، امام استحقاقات مصيرية ومباشرة لا تحتمل التأجيل. عليها اولا ، تأمين دفع رواتب موظفي ومستخدمي السلطة البالغ عددهم قرابة المئة والخمسين الفا ، في وقت تعلن مصادر التمويل الأساسية، وفي مقدمتها المجموعة الاوروبية والولايات المتحدة أنها قد تحجم عن دفع أية مبالغ لسلطة حماس قبل ان تعترف بحق اسرائيل في الوجود وتتخلى
عما تسميه "الارهاب". ومن جانبها، اعلنت اسرائيل عن تجميد مستحقاتنا من الضرائب حاليا
التي تجبيها على البضائع الداخلة لأراضينا وعدم تسليمها لسلطة تقيمها حماس او تشارك فيها، تحت نفس الذرائع. هذا اولا ، وثانيا : كيف ستتصدى لمعالجة قضية الاحتلال وإفرازاته، وقد غدت في السلطة وليس في المعارضة، هل بالتحوّل الى العمل السياسي والدبلوماسي على قاعدة قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة كأوسلو وشرم الشيخ والمشاريع الدولية ، كخارطة الطريق، والمبادرة العربية أم لديها بديل، وما هو؟ مأخوذ بالحسبان ان طريق العنف الذي مارسته حماس وغيرها، قد استنفد آفاقه في الوقت الحاضر على الأقل.
عدا ذلك، هناك جهاز السلطة الضخم الذي جرى تشكيله ليس على قاعدة الكفاءة المهنية بمقدار ما هو على قاعدة الانتماء الفئوي الفتحاوي، وكيفية التعامل معه وتدجينه، او استبداله – وهي عملية ليست بالسهلة ولا يمكن تحقيقها بضربة سيف.
اما اسرائيل، فينبغي الافتراض بأن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الفلسطينية هو ما كانت تتمناه، بل وأسهمت، بطرق غير مباشرة، في تحقيقه، بخاصة حين كانت تردد دون انقطاع التهديد بأنها لن تتعامل مع سلطة فلسطينية تسيطر عليها او تشارك فيها حماس، الى جانب حرمانها محمود عباس منذ انتخابه رئيسا تحقيق أي مكسب ذي شأن.
من جانب آخر من المعروف ان اعلان الجانب الفلسطيني منذ قرابة عام ومن طرف واحد عن ايقاف العنف وما ترتب على ذلك من مطالبة المجتمع الدولي لإسرائيل باستئناف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني للوصول الى تسوية النزاع على اساس تطبيق خارطة الطريق، قد أحرج حكام اسرائيل الذين يفضلون مواصلة مسيرة شارون في فرض تسوية من طرف واحد، بدعوى عدم وجود شريك فلسطيني. ومعلوم ان اسرائيل بادرت فور ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية بإعلان تجميدها لأية اتصالات بالطرف الفلسطيني قبل ان تغيّر حماس موقفها من حق اسرائيل في الوجود وتتخلى عن العنف. في الوقت ذاته اعطت نتائج الانتخابات هذه دفعة قوية للخطاب التحريضي الاسرائيلي المتطرف .
* إحتمالات
إذا كانت فتح، نتيجة احتكار السلطة، قد تحوّلت عمليا
الى "فتوح"، حيث تبلورت في احشائها فئات اجتماعية ذات امتيازات ومصالح خاصة تتعارض مع بعضها البعض الى حد التصادم حتى بالسلاح داخل الجسم الفتحاوي الفضفاض ، وذلك حين كانت فتح في السلطة، فكيف بها حين تغدو خارجها؟ بمعنى آخر: هل يمكن منع انقسامات ونشوء تنظيمات جديدة تخرج من داخل فتح التاريخية؟ وبالمناسبة، فمصير فتح هذا، يؤكد من جديد ان احتكار السلطة لا بد وأن يؤدي آخر المطاف الى ترهل الحزب الحاكم وتحلله، وبالتالي: سقوطه. هكذا جرى مع جبهة التحرير الجزائرية، ولو بعد عشرين عاما
من تحقيقها استقلال الجزائر، وحتى مع الحزب الشيوعي السوفييتي ولو بعد سبعين عاما
من ثورة اكتوبر التي قادها.
اما حماس، فهل يمكن استبعاد هذا الاحتمال، أي
وقوع صراعات او انقسامات داخلها، ومنذ الآن وهي في أوجه انتصارها، مأخوذ في الحسبان أنها امام مفترق طرق حاد وبالغ الصعوبة: إما أن تغيّر مواقفها،وهذا سيتم بالضرورة على أيدي العناصر البراغماتية داخلها، والتي راحت تعبّر عن نفسها في تصريحات مرنة كالاستعداد لهدنة طويلة الأمد مع اسرائيل والاعتراف بها ولو بعد سنين وهو ما يمثل خروجا
على ميثاق حماس
، والقبول بقيام دولة فلسطينية على أي قطعة من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها، "والاحترام الشديد" للاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية وغير ذلك، علاوة على المشاركة في الانتخابات هذه المرة، وهي من افرازات اتفاقات اوسلو علمًا
بأنها قاطعت انتخابات عام 1991 لنفس السبب، هو بدوره مؤشر في هذا الاتجاه... وفي ضوء تحوّل براغماتي من هذا النوع، من يضمن عدم نشوء نزاع مع التيارات الأصولية المتشددة داخل حماس ووقوع انقسامات على قاعدة هذا النزاع.
أو الاحتمال الآخر ان لا تتجاوب حماس مع ضرورات هذا التحول في مواقفها بالمدى المطلوب وبالسرعة المطلوبة، مما يفتح الطريق لأزمة عامة في الساحة الفلسطينية، ذات أبعاد سياسية، اقتصادية، مالية، أمنية، تسفر عن حالة من الفوضى العارمة لم تعرفها هذه الساحة من قبل. واذا ما نشأت مثل هذه الحالة، وبخاصة اذا ما أسفرت عن انهيار السلطة الفلسطينية فهناك من يرى من بين الاحتمالات
دخول قوات أردنية للضفة ومصرية للقطاع، وهذا سيمثل ، عمليا ، احياء ما سمي بالتقاسم الوظيفي. اما اسرائيل فلن تتدخل فهي غير معنية على الإطلاق لأن تعود وتتحمل أعباء ادارة حياة اكثر من اربعة ملايين فلسطيني. وبالطبع فأسوأ الاحتمالات هو وقوع اقتتال فلسطيني – فلسطيني، وهذا أكثر ما تتمناه اسرائيل وتسعى اليه.
وعلى كل حال، وأيًّا
كان التقييم لحصيلة هذه الانتخابات فإن أحد أبرز نتائجها التي قد تحدد المسيرة السياسية الفلسطينية اللاحقة هي انهيار الاحتكار الذي مارسته فتح على السلطة منذ نشوئها 1994، ومن قبل ذلك على منظمة التحرير الفلسطينية منذ 1968. ولكن المفارقة ان يأتي هذا الانهيار على يد حماس وليس على يد القوى الدمقراطية، وهو ما يستدعي الكثير من الحذر واتخاذ كل الاحتياطات كيلا ينتقل الاحتكار من فتح الى حماس التي تمثل أيديولوجيتها الأساس لمثل هذا الاحتكار، بخاصة اذا أفلحت في تجاوز التحديات المطروحة أمامها اليوم.
أما القوى الدمقراطية واليسارية في الساحة الفلسطينية، فإن الناخب الفلسطيني قد عاقبها، بدورها، وذلك لأنها، أولا : فشلت في توحيد صفوفها في هذه المعركة الحاسمة بحيث تتحول الى قوة حقيقية تطرح بديلا
ثالثا
للإستقطاب الثنائي: فتح – حماس، وثانيا
– لغياب دورها الفاعل في الانتفاضة الثانية، على غرار دورها في الانتفاضة الأولى على الأقل.
وفيما يتعلق بواشنطن، فما يحدد موقفها من أية قوة سياسية في المنطقة هو، وقبل كل شيء آخر، مدى الاستعداد للإندماج في مشروعها للهيمنة على المنطقة، والتي تعتبر اسرائيل
أحد ادواته الأساسية. أما ما دون ذلك فليس له أهمية خاصة. مأخوذ في الحسبان تجربة واشنطن الناجحة مع الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا. ومن المعلوم، في هذا السياق، ان الادارة الامركية قد فتحت ومنذ أمدٍ قنوات للحوار مع الأخوان المسلمين في مصر وغيرهم من الكتل الدينية في المنطقة بما في ذلك مع حماس ذاتها. بل يمكن القول ان واشنطن تحبذ التعاون مع قوى لها قاعدة شعبية معينة، شريطة عدم الوقوف في وجه مشاريعها للهيمنة على المنطقة. وبالمناسبة، فشروط واشنطن للتعامل مع حماس تؤكد من جديد أن الدمقراطية التي تدعو لها وتسعى لتعميمها في المنطقة هي دمقراطية انتقائية ومشروطة وذات مواصفات تحددها هي، أي واشنطن.
ومع ذلك، وبرغم كل ذلك، فلعل الوضع البالغ التعقيد الناشئ عن الانتخابات التشريعية يفتح الطريق للعودة الى تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت فتح تصم آذانها أمام المطالبات
الملحة لإحيائها وتركتها للتآكل والنسيان. وانغمست بدل ذلك في التكالب على المغانم في السلطة الفلسطينية. فالمنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، والتي تحقق معها وعبرها الاعتراف المتبادل مع اسرائيل، وهي المرجعية العليا للسلطة الوطنية الفلسطينية. بمعنى آخر: يمكن لهذا الإحياء أن يعيد وضع الأمور من جديد في نصابها السليم، وبهذا تعود المنظمة لتمارس الدور السياسي نيابة عن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وفق ميثاقها وقرارات مجالسها الوطنية وبخاصة الدورة التاسعة عشرة، بينما تتفرغ السلطة وتركز على العناية بحياة المواطنين في الضفة والقطاع وتصريف شؤونهم
الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وهذا أمر بالغ الأهمية اذا أخذنا في الحسبان ان تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في وطنه هو الذي سيحسم مصير المعركة مع الاحتلال الاسرائيلي آخر الأمر .
لكن احياء م.ت.ف وتفعيلها له استحقاقات في مقدمتها تجديد مؤسساتها التمثيلية، بخاصة المجلسين الوطني والمركزي ، بالانتخابات في الاراضي الفلسطينية، وحيث أمكن ذلك في مواقع الشتات الفلسطيني، على قاعدة الالتزام بميثاقها وقرارات مجالسها الوطنية. وبالطبع، دعوة حماس والجهاد الاسلامي للإشتراك في هذه العملية والانضمام ، أخيرا ،
رسميا لمنظمة التحرير بعد أن كانتا تحجمان عن ذلك.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر