إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



كبرى الاحزاب الاسرائيلية تلائم برامجها مع فوز حماس

الثلاثاء- 7/2/2006
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*"الليكود" يحاول استثمار فوز حماس لمكاسب حزبية وقد استبدل الشعارات المركزية لحملته الانتخابية، التي تعتمد التخويف والترهيب *حزب "العمل" يحاول تجاهل التطور الجديد ويركز على القضايا الداخلية ولكنه في النهاية يتبنى خطاب الحكومة و"كديما" في الموقف من حماس *اولمرت و"كديما" يلجآن للمظلة الدولية الداعمة للموقف الاسرائيلي الرسمي ليجتاز حقل الغام سياسي جديد، بنجاح حسب استطلاعات الرأي*

تزامن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مع انجاز كبرى الأحزاب الاسرائيلية، المتنافسة على تولي الحكم، في الثامن والعشرين من الشهر القادم آذار/ مارس، برامجها السياسية والاعلان عنها، مما اضطرها الى سحبها واجراء تعديلات فيها، رغم ان بعض الأحزاب تدعي انها لم تجر أي تغيير، إلا أن خطابها السياسي طغى عليه المتغير الجديد على الساحة الفلسطينية، فبدلا من الحديث مطولا عن شروط مفاوضات الحل الدائم، فإن التركيز بات أكثر على تنفيذ مخططات احادية الجانب وهي الفرضية التي كانت "الخيار الأخير" بالنسبة لحزبي "كديما" و"العمل"، ورغم ذلك فإن سلسلة من استطلاعات الرأي في الاسبوعين الماضيين في اسرائيل لم تظهر أي تحول جدي في الشارع الاسرائيلي جراء فوز حركة حماس، أو ظهور بوادر "حالة فزع"، كما كان متوقعا، رغم ان اليمين الاسرائيلي، وعلى رأسه "الليكود" يحاول اللجوء الى حالة الترهيب في محاولة لقلب الموازين.
فقد دلّ آخر استطلاع لصحيفة "يديعوت احرنوت"، وللمرّة الثانية، على أن غالبية الاسرائيليين لا يرفضون احتمال اجراء مفاوضات مع حركة حماس، فقد قال 56% من المستطلعين ان على اسرائيل ان تنتظر كيفية تصرف حركة حماس قبل اتخاذ أي قرار بشأن المفاوضات مسبقا، وينضم الى هؤلاء 23% من المستطلعين الذين دعوا الى استمرار التحاور مع السلطة الفلسطينية حتى مع حكومة تقودها حماس، بمعنى ان لحوالي 80% لا توجد معارضة فورية لاجراء مفاوضات مع حركة حماس.
وكان استطلاع سابق لنفس الصحيفة قد دلّ على نتائج مشابهة، فقد قال 67% من المستطلعين
انهم يؤيدون مفاوضة حكومة فلسطينية تشارك بها حماس، مقابل 28 يعارضون، فيما يوافق 48% من الاسرائيليين مفاوضة حكومة فلسطينية تسيطر عليها وتقودها حماس، مقابل 43% يعارضون ذلك.
كذلك فإن جميع استطلاعات الرأي المعتمدة في كبرى وسائل الاعلام الاسرائيلية دلّت على انه حتى الآن فإن توزيعة المقاعد المتوقعة للكنيست الاسرائيلي، في الانتخابات القادمة التي ستجري بعد 49 يوما، لم تتغير في اعقاب فوز حركة حماس، ولا يزال حزب "كديما" يحتل الصدارة بحصوله على حوالي 42 مقعدا، مقابل حوالي 21 مقعدا لحزب "العمل"، وحتى 15 مقعدا لحزب "الليكود"، من اصل 120 مقعدا، كما ان توزيعة المقاعد لدى الأحزاب الصغيرة لم تتغير هي الأخرى، مع الاشارة الى اختفاء حزب شينوي، مع مقاعده الخمسة عشر عن الخارطة الحزبية، ولكن لا يزال بالامكان القول ان هذه ليست الكلمة الأخيرة للنتائج المتوقعة، وان جميع الاحتمالات لا تزال مفتوحة، على ضوء التطورات المستقبلية، وخاصة الأمنية منها.
ونستعرض في ما يلي تعامل كبرى الأحزاب مع فوز حماس.

الليكود وسياسة الترهيب

نبدأ بحزب "الليكود" رغم انه الحزب الثالث من ناحية الحجم المتوقع له، ولكنه "الصارخ" الأكبر على الحلبة السياسية في اعقاب فوز حماس، اعتقادا منه ان هذا الفوز سيخلق حالة من الرهبة في الشارع الاسرائيلي تصب في نهاية الأمر لصالحه، لذلك فقد اتبع طريق الترهيب، وقام باستبدال شعاراته المركزية في الحملة الانتخابية لتتأقلم مع الوضع الناشئ.
فحتى قبل اسبوعين اعتمد الليكود شعارا مركزية يقول: "كديما نحو حدود 1967"، والترجمة الحرفية، الى الأمام نحو حدود 1967، بمعنى ان حزب "كديما" سيقود في النهاية الى الانسحاب لحدود 1967، وقد سحب الليكود هذا الشعار، الذي حسب مصادر الحزب لم يأت بثمار في الشارع الاسرائيلي، وينوي الليكود اتباع سلسلة من الشعارات ومنها: "الليكود أقوى أمام حماس" و"حقيقة: حماس هنا.. ايران هنا"، و"حماس دخلت الى القدس" و"سياسة الانسحابات المجانية انهارت" و"الليكود ونتنياهو- هما أمنك".
وحسب مصادر اعلامية متخصصة، فإن الطاقمين الاستراتيجي والاعلامي يتوخيان من فوز حماس "اعادة الروح" لليكود، كما قيل، وأن هذا سيعيد الخطاب الانتخابي الى القضية السياسية الأمنية، ويقول رئيس طاقم "الردود" في حزب الليكود، النائب غلعاد أردان: "الآن بات بامكاننا العودة الى الموضوع المركزي الذي خططنا منذ البداية التركيز عليه في حملتنا الانتخابية وهو الموضوع السياسي الامني".
ويعتمد الليكود بذلك على ان خطاب الترهيب والتخويف يدفع الناس الى رمز القوة، وفي هذه المرحلة فإن رمز القوة بالنسبة للشارع الاسرائيلي هو لدى اليميني والجنرالات، ولكن الليكود يخرج الآن في قائمة تخلو منها اسماء الجنرالات البارزين، الذين يرى بهم المواطن الاسرائيلي قدرة على اتخاذ القرارات العسكرية، كما هو الحال لاسماء مثل اريئيل شارون وشاؤول موفاز، حتى الانتخابات السابقة، ولهذا فإن ما بقي لدى الليكود هو طرح المواقف المتشددة دون اقناع الجمهور بأنه قادر على اتخذا القرار العسكري السياسي، وعلى ما يبدو ان هذا هو أحد اسباب عدم استفادة الليكود من فوز حماس استطلاعيا، على الرغم من استطلاع أخير للرأي دلّ على ان 32% من الجمهور في اسرائيل اعتبر ان الملف الأمني السياسي هو الأمر الحاسم في اختياره للحزب الذي سيصوت له، في حين ان 27% قالوا إن الموضوع الأهم بالنسبة اليهم هو الجانب الاقتصادي الاجتماعي.
إن التركيز على سياسة التخويف والترهيب التي اتبعها الليكود كانت محط انتقاد وحتى سخرية لدى المحللين والبرامج التلفزيونية الساخرة، ومن بينها، ابرز برنامج تلفزيوني سياسي ساخر "بلاد رائعة"، الذي تبثه القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي مساء كل جمعة، ووصل الأمر الى حد ان الممثل الكوميدي الذي يقلد بنيامين نتنياهو زعيم الليكود، بدأ صدر اصوات الذئاب، والاستوديو معتم، لكي يزيد من ترهيب الناس، وهذه مواقف بسيطة للغاية، ولكن لها بالغ التأثير في بلورة النقاش في الشارع الاسرائيلي.

"العمل" محاولة تجاهل

كان رئيس حزب "العمل" عمير بيرتس، من أول السياسيين في اسرائيل الذين اطلقوا تعقيبا مباشرا على فوز حركة حماس، وكان رده الأول صباح يوم صدور نتائج الانتخابات الفلسطينية، هو رفضه لأي حوار مع حركة حماس والتفاوض معها، ولكنه في ساعات مساء نفس اليوم اتبع لهجة مخففة أكثر.
إلا ان حزب "العمل" وقادته يعلمون انهم الخاسرون في اجواء الهيجان السياسي والأمني، وامام الحملة التي شنها "الليكود"، فقد اختار حزب "العمل" تجاهل الوضع القائم والاستمرار في البرنامج الانتخابي المحدد سلفا، فقد عقد بعد ثلاثة ايام من صدور النتائج مؤتمرا صحفيا خصصه لرؤية الحزب في قضايا التربية والتعليم، وأعلن ان مرشحة الحزب لمنصب وزيرة التعليم هي النائبة يولي تمير.
إلا ان هذا التجاهل لم يكن مقنعا بالدرجة الكافية، حسب ما دلّت عليه استطلاعات الرأي، التي اعادت الحزب الى حالة الركود والاحتفاظ بمقاعده الواحد والعشرين كأفضل حال، وحتى خسارة مقعدين وثلاثة، وحينما اراد قادة الحزب التطرق لقضية فوز حماس فإنهم عمليا تبنوا الموقف الحكومي الرسمي الذي يقوده حزب "كديما" المنافس على السلطة.
ويقول حزب "العمل" أنه يجب الانتظار لرؤية كيف ستتصرف حماس مستقبلا، واعلن قادته انه لا حاجة لتغيير البرنامج السياسي، لأن البرنامج أصلا نص على انه في حال تعثر المفاوضات فإن اسرائيل ستبادر الى اجراءات انفرادية، وتفرض حدودها مع الضفة الغربية من جانب واحد.

كديما والمظلة الدولية

مع بدء ظهور النتائج للانتخابات الفلسطينية اختار رئيس الحكومة الاسرائيلية بالوكالة ايهود اولمرت التزام جانب الصمت، وفقد في الساعات الأخيرة من مساء يوم صدور النتائج اصدرت الحكومة بيانا وضعت فيه شروطا لأي تعامل مستقبلي مع حركة حماس، وهي الاعتراف باسرائيل وشطب البند في ميثاق الحركة الداعي لابادة اسرائيل ونزع سلاح الحركة، ولكن التأخر في اصدار بيان كهذا واجه حملة انتقادات بين السياسيين ولكن أيضا من وسائل الاعلام، وجاء في التحليلات انه للمرّة الاولى يتأخر ديوان رئاسة الحكومة في التعقيب على تطور سياسي بهذا المستوى بهذا القدر من الساعات.
ولكن لاحقا تم تسجيل هذا التأخر في اصدار الموقف كنقطة ايجابية لاولمرت بادعاء انه يجنب التسرع في اصدار موقف قد يضطر للتراجع عنه لاحقا، من جهة، ومن جهة أخرى فإن اولمرت حرص على انشاء مظلة دولية للموقف الدولي، وتسارع ردود الفعل في الأوساط الدولية المقررة، المؤيدة نوعا ما للموقف الاسرائيلي فقد ساعد اولمرت مرّة أخرى في الظهور بالموقف "المسؤول" من وجهة نظر الشارع الاسرائيلي.
لقد ظهر سعي الحكومة الاسرائيلية برئاسة اولمرت الى انشاء مظلة دولية في أول بيان صدر عن الحكومة، الذي جاء فيه "ان اسرائيل ستواصل التنسيق مع الاسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة في بلورة الموقف من فوز حركة حماس"، وهذا التنسيق نجم عنه التهديد في اعاقة تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، وهو أيضا موقف مساند لموقف الحكومة الاسرائيلية.
وتشير استطلاعات الرأي الى ان غالبية الجمهور تدعم الموقف الحكومي، وهذا أيضا لأن وسائل الاعلام الاسرائيلية ومحلليها دعموا الموقف الرسمي، بشبه اجماع، وقد ندر مثل هذا الاجماع في وسائل الاعلام الاساسية حول الموقف من سياسة الحكومة والحزب الذي يقودها.
وعمليا فإن موقف حزب "كديما" من فوز حركة حماس انعكس في المواقف الر سمية الصادرة عن الحكومة، ولم تكن أي حاجة لانفعال زائد على الحلبة الحزبية، وهو أيضا ما ساعد اولمرت على تخطي حقل الغام آخر، في الحملة الانتخابية الجارية، وهو ما يسجل له نقاطا اضافية في هذه المعركة، وقد يثبت وضعيته الحالية في استطلاعات الرأي حتى يوم الانتخابات القادمة. وهذا ما حالة التلعثم التي نشهدها في حزبي "الليكود" و"العمل" والانفعال الزائد امام كل تطور سياسي، ومحاولة ترجمته لمكاسب حزبية في الحملة الجارية.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر