إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الفقراء المنسيون في الحملة الانتخابية الاسرائيلية

الثلاثاء 7/3/2006
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*خلافا لكل لتوقعات سابقة فإن استطلاعا يؤكد أقل نسبة للأصوات العائمة في اسرائيل هي بين الفقراء الذي يصوتون بغالبيتهم لقوائم قطاعية تمثلهم *قضاياهم تحظى بعنوانين براقة سرعان ما تختفي امام العناوين السياسية *50% من المصوتين الفقراء عرب ويهود اصوليون (حريديم)*

كان الانطباع العام في اسرائيل ان الاصوات العائمة، بمعنى التي تتقلب من عام الى آخر بين الاحزاب في شكل تصويتها، حسب الاجواء السياسية، تصب في غالبيتها لدى الشرائح الفقيرة، الى ان ظهر استطلاع أخير لمعهد ديالوغ، الذي يجري الاستطلاعات لصحيفة "هآرتس" الاسرائيلي، ليقول عكس هذا الانطباع، ويؤكد ان الغالبية الساحقة من فقراء اسرائيل يصوتون بشكل ثابت لقوائم تمثل قطاعاتهم وطوائفهم الدينية.
وكانت نسبة الاصوات العائمة في اسرائيل في حدود 25% من الاصوات، ولكن هذه النسبة ارتفعت الى حوالي 30% بسبب موجات الهجرة اليهودية المتلاحقة في السنوات الخمسة عشر الماضية، ووصول مجموعات بالغة مارست مباشرة التصويت دون اي معرفة مسبقة وعميقة بالخارطة الحزبية في اسرائيل، ولهذا فقد شهدنا في الجولات الانتخابية الثلاثة الأخيرة الماضية تنقلات كبيرة وظهور احزاب وقوائم تتضخم فجأة وتختفي فجأة، فظاهرة كهذه كانت في الماضي ولكن ليس بهذه الوتيرة التي نشهدها في السنوات الأخيرة.
وتعامل الاستطلاع مع الفقراء بموجب تدريج مؤسسة الضمان الاجتماعي في اسرائيل (مؤسسة التأمين الوطني حسب تسميتها)، إذ تم سؤال المستطلع عن مدخوله وفق تدريج معد مسبق، علما ان تدريج مؤسسة الضمان لا يشمل أولئك الذين يقفزون عن خط الفقر بدولارات قليلة جدا، ولكن بالمجمل العام فإنهم فقراء في المعيشة وفي الممارسة الحياتية اليومية.
واعتمد الاستطلاع على ان في اسرائيل 1,6 مليون فقير معترف به رسميا، من بينهم 870 ألف فقير في جيل التصويت، ولكن 70 الفا منهم من الفلسطينيين المقدسيين الذين لا يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية، أي ان 800 الف فقير وفق السجلات يحق لهم التصويت، ونصف هؤلاء من العرب واليهود الاصوليون اليهود (الحريديم).
ويخرج الاستطلاع من فرضية ان 51,6% من العرب مواطني اسرائيل فقراء (من دون القدس المحتلة بفعل الضم)، وان عدد المصوتين العرب في هذه الانتخابات في حدود 620 الف مصوت، وان عدد الفقراء من بينهم 300 الف مصوت.
وفي تحليل للاستطلاع واعتمادا على نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، فإن 80% من العرب صوتوا للقوائم الناشطة بين الفلسطينيين في اسرائيل، بمعنى ان الغالبية الساحقة منهم لم تلجأ الى احزاب صهيونية ترفع شعار "العدالة الاجتماعية"، وهذا المشهد كان ايضا بين المتدينين الاصوليين، فحسب الاستطلاع فإن 12% من الفقراء اليهود صوتوا لحزب "يهدوت هتوراة" الذي يمثل الحريديم الاشكناز، رغم ان قوة الحزب البرلمانية هي 5%، كما ان حزب شاس الذي يمثل الحريديم الشرقيين السفاراديم يحصل على نسبة من الفقراء اعلى من نسبة قوته البرلمانية التي تصل الى 9%، بمعنى انه في حين ان قوة حزبي الحريديم البرلمانية 14%، فانهما يحصلان على 19% من مجمل الفقراء ذوي حق التصويت، وحين ان القوائم الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في اسرائيل قوتها البرلمانية في حدود 7%، فإن 22% من مجمل الفقراء في اسرائيل يصوتون لها (جميعهم عربا).
وكما ذكر سابقا فإن الاستطلاع يؤكد ان الفقراء تقليديون في تصويتهم فهم يصوتون للقوائم التي تمثلهم مباشرة، مثل العرب للعرب، والحريديم للحريديم، وإذا كانت هناك قوائم ذات طابع شرقي فإنها الفقراء الشرقيين ايضا يصوتون لها.
أما الأحزاب الكبرى فإن نسبة اصوات الفقراء لديها قليلة مقارنة مع قوتها البرلمانية، فمثلا يحصل حزب كديما على 19% من اصوات الفقراء رغم ان قوته البرلمانية المتوقعة اكثر من 30%، والمشكلة واضحة جدا لدى حزب العمل الذي لم يكسب سوى على ثقة 8,5% من مجمل الفقراء في اسرائيل، في حين قوته البرلمانية المتوقعة 15%، رغم انه لا يكف عن طرح شعارات "العدالة الاجتماعية، كما ان الليكود يحظى بتأييد 7,5% من الفقراء رغم ان قوته البرلمانية 11%.
ولكن العامل الجديد في هذه المعطيات هو الفقراء من بين المهاجرين الجدد، فهذه شريحة لم تظهر بشكل واضح على خارطة الفقراء في اسرائيل إلا في السنوات القليلة الماضية وحتى اليوم، ولكن الأمر الأكثر غرابة هو ان غالبية الفقراء من المهاجرين الجدد تتجه الى قائمة لا تعدهم بأي شيء من حيث السياسة الاقتصادية، وهم يتجهون بالاساس الى قائمة "يسرائيل بيتينو" التي يتزعمها المتطرف افيغدور ليبرمان، وهو من الداعمين سابقا لسياسة بنيامين نتنياهو الاقتصادية، إلا ان اللجوء لهذه القائمة لكونها تمثل المهاجرين الجدد، وليس من باب الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي يعانون منها.

البرامج الانتخابية والفقراء

في معالجات سابقة في "المشهد الاسرائيلي" تم التوقف عند أجندة الانتخابات الاسرائيلية، فقد أكدت سلسلة من استطلاعات الرأي ان أكبر عامل حاسم لدى الناخب الاسرائيلي هو الملف الأمني السياسي الذي يحصل على 32%، مقابل 28% للعامل الاقتصادي الاجتماعي، وفي الفجوة بين هاتين النسبتين تتسع اكثر عند ظهور نتائج الانتخابات التي تعطي للقوائم ذات الطابع العسكري اكثر من غيرها.
فعلى الرغم من ان اسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة منذ عشرات السنين، إلا ان القضية الاقتصادية لم تكن حاسمة في أي من معارك اسرائيل الانتخابية البرلمانية الستة عشر الماضية، ولا في الحملة الجارية كما يبدو واضحا، رغم ان استطلاعات الرأي، التي تسأل المواطن عن الموضوع الأهم بالنسبة له، تفيد ان الملف الاقتصادي الاجتماعي هو الأكثر سخونة، ولكن حين يُسأل نفس لمن سيصوّت فإنه يمنح صوته لمن يضع الملف "الأمني"، بمعنى الحرب والاحتلال، على رأس اولويات اجندته الانتخابية.
ويشار هنا الى ان المعطيات السابقة ظهرت بشكل آخر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر مع انتخاب رئيس اتحاد النقابات الاسرائيلية عمير بيرتس، زعيما لحزب العمل، فقد اشار استطلاع لجمعية "لتيت"، التي تختص بالمساعدات الاجتماعية في اسرائيل، في تلك الفترة
الى ان 29% من الجمهور في اسرائيل يرى ان الموضوع الأهم بالنسبة له هو الجانب الاقتصادي الاجتماعي، يليه ملف التربية والتعليم بنسبة 21%، ثم في الدرجة الثالثة الملف الأمني، بحصوله على نسبة 15%، فعلى مستوى الفرد في اسرائيل فإن هذا الاستطلاع أقرب للحقيقة، ولكن على ارض الواقع كفة الأمن والسياسة هي المرجحة.
ورغم ذلك فقد ظهرت الاحزاب الثلاثة الكبرى "كديما" و"العمل" و"الليكود"، ببرامج انتخابية تدعو جميعها لمواجهة ظاهرة الفقر، الى درجة محاربتها كما اعلن زعيم "الليكود" بنيامين نتنياهو الذي كان وزيرا للكمالية في حكومة اريئيل شارون، وتنسب له السياسة الاقتصادية التي ادت الى استفحال الفقر.
ولكن جميع هذه البرامج والمؤتمرات الصحفية والجولات في اسواق واحياء الفقر للمرشحين الاوائل في قوائم الاحزاب الكبرى لم تُحدث أي تحول في تصويت الفقراء، الذين بقوا ملتزمين بغالبيتهم بقرارهم المسبق.
لقد حاول حزب "العمل" وزعيمه عمير بيرتس، منذ اربعة اسابيع تجاهل التطورات السياسية الحاصلة بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وأعلن انه سيركز على الجانب الاقتصادي الاجتماعي، وآخر شعار يرفعه الآن هذا الحزب "سنحارب الارهاب وسننتصر على الفقر"، ولكن هذا الشعار ايضا لم يجلب مصوتين جدد له، وينصح المحلل في صحيفة "هآرتس" شاحر ايلان، حزب "العمل" بأن يتريث في سعيه لجذب المصوتين من خلال البرنامج الاقتصادي الاجتماعي.
وعلى ما يبدو ان لهذه الدعوة اساس واضح، فحزب العمل هبط في استطلاعات الراي منذ عدة اسابيع الى 20 مقعدا وما دون، وهناك استطلاعات تمنحه 19 وحتى 17 مقعدا، بينما لديه الآن 21 مقعدا، وإذا ما تحققت استطلاعات الرأي فإن هذا سيعتبر هزيمة جديدة لحزب "العمل" وتثبيت مكانته حزب ليس فقط في المرتبط الثانية وانما ايضا حزبا متوسطا، في الخارطة السياسية، تبعده مقاعد قليلة جدا عن القوائم التي تليه مثل الليكود، وحتى قائمة اليمين المتطرف التي بدأت تتنبأ لها استطلاعات الرأي بحصولها 11 مقعدا.
عمليا فإن الفقراء في الحملة الانتخابية يبقون بعيدا عن مركز الحملة الانتخابية ويتم استيعابهم لكاميرات الدعاية الانتخابية لا أكثر، وكما انه في كل عام يتم التركيز على مسألة الفقر فقط عند ظهور التقرير الرسمي السنوي، فإن الفقراء "يحظون" في هذا العام باهتمام عابر مرحلي اضافي، لغرض الدعاية الانتخابية لا أكثر.
والفقراء ليسوا غائبين
فقط، عن البرامج والسياسة في اسرائيل، بل ايضا عن لوائح الأحزاب، باستثناء حزب "شاس" الديني الاصولي الذي يستوعب احيانا بعض النواب من احياء الفقر، اما في باقي الاحزاب الكبرى والمتوسطة فإن الشخص يحتاج بالمعدل الى اكثر من مئتي الف دولار، ومنهم من يصرف اضعاف ذلك من اجل الانخراط في قوائم الاحزاب التي لديها فرصة في الوصول الى البرلمان الاسرائيلي، الكنيست.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر