الانتخابات الاسرائيلية المبكرة نتاج أزمة وتقود الى أخرىالثلاثاء 21/3/2006 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
*حملة انتخابية باردة نوعا ما مقارنة مع انتخابات سابقة *اسرائيل متجهة الى واقع سياسي جديد، ولكن لا يوجد ما يضمن ان الحكم متجهة الى ثبات لاربع سنوات *لأول مرّة يحكم اسرائيل حزبا جديدا خليط من الاتجاهات والحسابات السياسية*
مع قرب انتهاء الحملة الدعائية الانتخابية في اسرائيل، بالامكان تقييمها على انها الحملة الأكثر برودة مقارنة مع الانتخابات التي جرت في العقود الثلاثة الماضية، ورغم ان بعض الأحزاب حاولت توتير الأجواء، إلا ان تعاطي الجمهور ووسائل الاعلام مع هذه المحاولات لم يسمح بتوسعها، وهذا نتيجة الى التغييرات في قواعد المنافسة الانتخابية، لأول مرة في اسرائيل، فاستطلاعات الرأي اشارت طوال الوقت الى تقدم "كديما" في الانتخابات، مما أظهر وكأن النتائج محسومة، ولهذا فإن الحزبين الكبيرين التقليدين، "العمل" و"الليكود"، هاجما "كديما" بتحفظ ملحوظ، حتى وإن كانت بعض الحدة احيانا لدى الليكود، مقابل انضباط اكبر لدى "العمل"، آخذين بعين الاعتبار الشراكة المستقبلية مع "كديما" في الحكومة القادمة. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة الى الصورة العامة للخارطة الحزبية والسياسية الجديدة التي ستظهر فجر التاسع والعشرين من الشهر الجاري، فلأول مرّة في تاريخ اسرائيل يبتعد، "العمل" و"الليكود" عن امكانية تولي رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وقيادة الحكم في ولاية كاملة، ليكون الحزب الجديد "كديما"، هو صاحب الفرص الأكبر لتسلم الحكم. إلا ان هذا يتطلب من الأحزاب الكبيرة جهدا اضافيا لتحقيق توقعات هذه الاستطلاعات في صناديق الاقتراع وحتى لتحسين وضعها، فالاستطلاعات تشير الى النوايا لدى ذوي حق الاقتراع، وعلى الأحزاب ان تنظم نفسها يوم الانتخابات لتحقيق هذه النسب من خلال جلب المقترعين الى الصناديق، وقد تكون هذه نقطة الضعف لدى "كديما" حديث العهد، الذي ليس لديه الأجهزة التنظيمية الكافية للعمل في يوم الانتخابات، مقارنة مع القدرات التنظيمية لدى "العمل" و"الليكود". ولكن حتى ولو حقق "كديما" عددا أقل من المقاعد المتوقعة له، في حدود 37 مقعدا، فإن قوته البرلمانية المتوقعة ستكون الأولى وبفارق شاسع عن الحزب الذي يليه، إما "العمل" أو "الليكود"، وهذا أيضا إذا لم تحدث مفاجأة خارقة حتى يوم الانتخابات بعد اسبوع.
الحملة الانتخابية
لقد شهدنا في الاسابيع الماضية ان الحملة الانتخابية تركزت لدى الأحزاب الصهيونية والدينية اليهودية في اربعة اتجاهات، وهي الاتجاه اليميني المتطرف، واتجاه اليسار الصهيوني، واتجاه المركز الاقرب لليمين، والاتجاه الديني الاصولي الذي ركّز بالاساس على القضايا الاقتصادية الاجتماعية. ففي حلبة اليمين المتطرف تنافس ثلاث احزاب اساسية، الليكود و"يسرائيل بيتينو" و"هئيحود هليئومي"، وهذا قلّص من فرص الليكود ليستعيد قوته، فهو ينافس احزابا يمينية قوية، على سياسة يمينية متطرفة، وبذلك أبعد "الليكود" عنه ما تبقى من مصوتي الوسط في اسرائيل، الذي منحوه في حدود 18 مقعدا في الانتخابات السابقة، ولهذا فإن الارتباك كان واضحا على دعاية الليكود في الاسابيع الأخيرة، فقد تقلب كثيرا في الشعارات السياسية التي كان يرفعها وسرعان ما يسحبها، وآخرها، حين ظهرت انباء في وسائل الاعلام تقول ان الليكود قرر طرح برنامج سياسي جديد يغلق بموجبه كل ابواب المفاوضات وحتى رفضه لاقامة دولة فلسطينية واجراء أي انسحاب من الضفة الغربية، وفي اليوم التالي، وعلى ضوء الانتقادات من داخل الليكود، تم سحب الخطوط السياسية الجديدة. وفي المقابل فإن حالة الارباك ظهرت ايضا على حزب "العمل" الذي لم يعرّف كيف يتميز عن حزب "كديما"، وما زاد من هذا الارباك وصول حركة حماس الى السلطة الوطنية الفلسطينية وخلق واقع جديد على الساحة الفلسطينية، يؤثر على مستقبل العملية السياسية مع الجانب الاسرائيلي، واعلن "العمل" انه يريد مواصلة المفاوضات مع مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، وفي المقابل فإنه لا يرفض امكانية الخطوات احادية الجانب كحل أخير في حال تعثر المفاوضات، كما دعم "العمل" الاجماع الصهيوني للاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الضخمة والابقاء على احتلال القدس. أما حزب "كديما" فقد سعى طوال الحملة الانتخابية للحصول على دعم خارجي، وخاصة من الولايات المتحدة لكل طرح او خطوة سياسية يقوم بها، ووصل الأمر ذروته في عملية اقتحام اريحا واختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، وعدد من رفاقه، والمسؤول المالي الفلسطيني فؤاد الشوبكي، فقد حرص اولمرت وقادة حكومته على التأكيد ان العملية الاسرائيلية حصلت على تفهم وحتى موافقة امريكية، وهذا لترسيخ الانطباع بأن حكومة برئاسة ايهود اولمرت ستكون الاقوى على الساحة الدولية. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ان الكثير من المؤشرات تؤكد ان اصابع واشنطن لم تكن بعيدة عن الحملة الانتخابية الاسرائيلية، من خلال دعمها لحزب "كديما".
انتخابات لا تنهي التناقضات
في المجمل العام فإن التركيبة البرلمانية القادمة اصبحت شبه واضحة، ومن ابرز مميزاتها ظهور تكتل غير موحد يمنع في أي مرحلة من وصول الليكود واحزاب اليمين لرئاسة الحكومة، وهذا إذا جمعنا مقاعد "كديما"، في حدود 37 مقعدا، و"العمل" في حدود 20 مقعدا، و"ميرتس" في حدود 5 مقاعد، الى جانب الكتل الثلاث الناشطة بين العرب، التي ستحقق من تسعة الى عشرة مقاعد، حسب التوقعات، بمعنى ان نحو 70 مقعدا من اصل 120 مقعدا سيشكلون جسما مانعا لرئاسة الليكود للحكومة خلال الولاية القادمة، وهذا ايضا مرتبط باستمرار تماسك حزب "كديما" وعدم انشقاقه على خلفية سياسية، نتيجة لبعض التناقضات في الخلفيات السياسية لبعض قادة "كديما" البارزين. ونظريا فإن التكتل اليميني، في حال اعتبرنا ان "كديما" تمثل المركز، ستتراجع قوته في هذه الانتخابات، وسيكون ممثلا من خلال ثلاث قوائم: "الليكود"، بحصوله على ما بين 15 الى 17 مقعدا، وقائمة يسرائيل بيتينو، التي ستحصل على ما بين 7 الى 9 مقاعد، و"هئيحود هليئومي"، الذي قد يحصل على ما بين تسعة الى 11 مقعدا. وهناك 15 مقعدا متوقعا لكتلتي المتدينين الاصوليين (الحريديم)، شاس" و"يهدوت هتوراة"، وهاتان القائمتان، على الرغم من ميولهما اليمينية، إلا انهما تتأقلمان حتى مع حكومة مركز يسار في حال حصلتا على مطالبهما التي خدم بالاساس جمهور مصوتيهما. وحسب توقعات المحللين في اسرائيل فإن "كديما" وبعد ظهور النتائج سيتوجه مباشرة الى حزب "العمل" باعتباره الشريك الاسهل سياسيا لها، ومن ثم سيتوجه الى "شاس" و"يهدوت هتوراة"، وهذه الكتل الثلاث من شأنها ان تشكل حكومة ثبات، ولكن وجهة الحكومة القادمة ستتحدد من خلال الخطوة القادمة في تشكيل الحكومة، بمعنى ان يكتفي "كديما" بهذا الائتلاف ليدعمه بخمسة مقاعد أخرى من قائمة "ميرتس"، أم انه سيقرر ضم "الليكود" الى الحكومة ليضم الائتلاف اقل بقليل من 90 مقعدا من أصل 120، ولكن ائتلافا كهذا سيكون عبئا على الحكومة، ومليء بالتناقضات والصراعات السياسية، ولن يكون "كديما" في داخله اغلبية وهذا ما سيزيد صعوبة تحرك الحكومة في جميع الاصعدة.
لا يغيب عن بالنا ان هذه الانتخابات هي انتخابات مبكرة ناجمة عن ازمة سياسية وحالة تفكك كبيرة شهدها البرلمان الاسرائيلي، الذي سجل رقما قياسيا في دورته البرلمانية السابقة بعدد الانقسامات في كلته، ووصلت ذروة هذه الانقسامات مع تأسيس حزب "كديما"، وقد عكس هذا حالة التخبط السياسي التي تشهدها الحلبة السياسية في اسرائيل منذ سنوات عديدة، بدأت حدتها مع نشوب الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية العام 1987، وهي تتصاعد من عام الى آخر. ولكن هذه الانتخابات وعلى ضوء النتائج المتوقعة لن تقود اسرائيل الى حالة ثبات سياسي، فمنذ العام 1996 وحين خسر الحزبان الكبيران من قوتهما بفعل قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة ومقايضة الاحزاب الصغيرة بالاصوات مقابل دعمها لمرشح الرئاسة، فإن أيا من الحزبين لم ينجح في الانتخابات الاربعة الاخيرة وهذه الخامسة في استرجاع القوة السابقة لهما بحصولها على 45 الى 49 مقعدا، يضمن له اغلبية كبيرة في كل ائتلاف حكومي، ويساعد أكثر على ثبات الائتلاف. منذ الآن تتضح بوادر تناقضات واختلافات في الحزب الاكبر "كديما" سنعالجها لاحقا، ولكن ما سيزيد أكثر من الخلافات الداخلية في اسرائيل التغيرات والتطورات على الصعيد العالمي، وخاصة تغيير الادارة الامريكية بعد عامين، او أي تحرك جديد على الساحة الفلسطينية يتطلب تحركا موازيا من قبل اسرائيل. تتجه اسرائيل يوم الثلاثاء القادم الى الانتخابات البرلمانية الـ 17، وهي انتخابات مبكرة، وخلال 58 عاما جرت الانتخابات خمس مرات فقط في موعدها القانوني، آخرها في العام 1988، وهذا ايضا يعكس القلاقل المتواصلة في داخل اسرائيل، وكما هي الصورة تظهر اليوم، فإن الانتخابات الـ 18 لن تكون هي الأخرى في موعدها القانوني بعد اربع سنوات.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|