إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



خارطة حزبية جديدة ترتكز على تماسك كديما

الاثنين 27/3/2006
برهوم جرايسي- الغد الاردنية

تصحو اسرائيل فجر يوم الاربعاء القريب على واقع حزبي جديد في الخارطة الحزبية، فلأول مرّة يتم اقصاء الحزبين الاكبرين التقليديين، "العمل" و"الليكود"، عن مهمة تشكيل ورئاسة الحكومة، ولكن في نفس الوقت فإنه ليس مضمونا اننا امام انقلاب حقيقي، فالحزب الأكبر الذي من المتوقع ان يفوز بأكبر عدد من المقاعد، "كديما"، مؤلف بمعظمه من شخصيات قيادية من حزب الليكود اليميني، انضمت اليها مجموعة صغيرة من شخصيات حزب "العمل"، وبعض الشخصيات الأمنية والعسكرية التي خلعت للتوْ بزاتها العسكرية وانخرطت في السياسة، بمعنى ان هذا التحول الحزبي لن يقود بالضرورة الى تحول سياسي جوهري في اسرائيل.
على ما يبدو فإن سلسلة الاستطلاعات، التي جاءت نتائجها متشابهة في الايام الأخيرة، من الصعب ان تخطئ، خاصة وان الفجوة بين "كديما" وحزبي "العمل" والليكود" كبيرة، واية مفاجأة في نتائج التصويت لن تغير من موازين القوى الناشئة، فمنذ الآن اصبح واضحا ان حزب "كديما" هو الذي سيشكل الحكومة القادمة، وحتى ان النتائج المتوقعة ستؤدي الى ظهور تكتل غير موحد وغير متجانس، يمنع وصول اليمين، بزعامة الليكود، للحكم طيلة الولاية البرلمانية القادمة، وهذا التكتل مكون من "كديما" الذي من المتوقع ان يحصل على 35 الى 37 مقعدا، وحزب "العمل" في حدود 21 مقعدا، وحزب ميرتس اليساري الصهيوني، بمقاعده الخمسة، وهذه الكتل الثلاث لوحدها ستتخطى حاجز نصف مقاعد البرلمان المكون من 120 مقعدا، لتنضم الى هذا التكتل من دون أي اتفاق وانسجام، وكتحصيل حاصل الكتل الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48 التي ستحصل مجتمعة من 9 الى 10 مقاعد.
ولكن التوزيعة النهائية للمقاعد ستحكمها بالاساس نسبة التصويت في يوم الانتخابات بعد غد الثلاثاء، فبعد ان كانت التوقعات تشير قبل اربعة أشهر الى ان نسبة التصويت ستكون في حدود 80%، فإن الحديث اليوم يجري عن 65% الى 69% كأقصى حد، وستخدم نسبة التصويت المنخفضة الأحزاب الصغيرة حسب ما يتوقعه المحللون.
ومن مؤشرات نسب التصويت المنخفضة هو ان الحملة الانتخابية كانت باردة قياسا بمعارك انتخابية سابقة، تميزت بالعنف والحدة في المواجهات بين الاحزاب الكبرى، ومسألة نسبة التصويت ستكون واحدة من المحطات الهامة التي ستتم معالجتها في اطار نتائج الانتخابات النهائية.
عمليا فإن القراءة الأوضح لهذه الانتخابات ستكون فور ظهور النتائج، التي من شأنها ان تقدم الاجابة على سلسلة اسئلة مستقبلية، إن كان على الصعيد الداخلي او الخارجي، ولكن ما هو واضح منذ الآن، هو اننا مقبلون على برلمان بتركيبة معقدة، مستقبله مرهون باستمرار وحدة حزب كديما، الذي ظهر فجأة، بقرار شخصي من رئيس الحكومة اريئيل شارون، من دون ارضية جماهيرية وتنظيمية واضحة، وفي تركيبته الكثير من التناقضات، فهو يجمع شخصيات ذات خلفيات يمينية، وغيرها ذات خلفيات يسارية صهيونية، وما من شك ان هذا الأمر سيؤدي في مرحلة ما الى صدام داخلي، ستغذيه عدة عوامل، ومن بينها الصراع على الحقائب الوزارية والمناصب البرلمانية، لينعكس الصدام مباشرة على النهج السياسي للحزب.
فعند تشكيل الحزب كان اريئيل شارون هو المهيمن وصاحب القارار الوحيد، وكل شخصية سياسية، مهما كان شأنها من أمثال شمعون بيرس وشاؤول موفاز، رهنت مستقبلها بقرار منه، ومع غياب شارون اليوم وهو راقد في غيبوبة منذ قرابة ثلاثة اشهر، فإن شخصيات الصف الاول في الحزب ترى نفسها متساوية، هذا إن لم يكن من بينها من يرى في نفسه افضلية على الآخر، ولهذا فإن الانسجام في الحزب لن يدوم طويلا، وهذا ما علمته التجربة في مثل هذه الأحزاب التي تظهر فجأة ومن دون قواعد ثابتة.
ومما سيزيد التعقيد في البرلمان الاسرائيلي هو حالة التفكك وكثرة الاحزاب المتوسطة
والصغيرة من حيث عدد المقاعد، فهناك ثلاث كتل برلمانية من المتوقع ان تحصل كل واحدة منها في حدود 10 مقاعد، مقابل خمس كتل ستسيطر كل واحدة منها على ما بين ثلاثة الى خمسة مقاعد، وإن هبطت نسبة التصويت كثيرا فإنها قد تؤدي الى دخول حزب او حزبين صغيرين آخرين، على حساب الأحزاب الكبيرة.
أما على الصعيد السياسي، فإن الفوارق التي ذابت بين كبرى الأحزاب منذ سنوات، قد ذابت أكثر خلال المعركة الانتخابية المنتهية، فهناك وحدة حال حول مستقبل التعامل مع القضية الفلسطينية، ولكن مع تغيير معين في صياغة المواقف، ففي حين يؤكد حزب "كديما"، ومنذ الآن، انه لا يوجد في الطرف الفلسطيني شريك، خاصة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها الحكومة، فإن حزب "العمل" من جهة اليسار الصهيوني، يعتبر ان المخططات احادية الجانب هي حل أخير في حال عدم وجود شريك فلسطيني، ولن تكون مشكلة لدى هذا الحزب في ان يعلن بعد 48 ساعة من دخوله الائتلاف الحكومي انه لم يجد "الشريك المنتظر"، لينخرط هو الآخر في برنامج "كديما"، الذي هو في الأصل مخطط المؤسسة العسكرية والامنية الاسرائيلية، وما يؤكد هذا هو ان الليكود الذي يدعي انه يرفض الانسحاب احادي الجانب، وحتى أي انسحاب في هذه المرحلة الراهنة، يحاول في الأيام الأخيرة البحث عن صيغ تخرجه من هذا الالتزام، ولكن هذه ايضا ليست مشكلة بالنسبة لزعيم الليكود الحالي ورئيس الحكومة الاسبق بنيامين نتنياهو المعروف في الحلبة السياسية بسرعة تقلبه في المواقف.
عمليا نحن امام شبه اجماع صهيوني في سدة الحكم، حول ضرورة تغييب الشريك الفلسطيني في المرحلة المقبلة، وهذا ما سيقود الى حالة من الجمود السياسي التي قد تنتهي مرّة اخرى بانفجار جديد.
ولكن القضية السياسية لن تكون الأزمة الوحيدة التي على اسرائيل ان تواجهها في السنوات المقبلة، رغم انها القضية الاساس، التي تنعكس على باقي القضايا، فهناك الوضع الاقتصادي الاجتماعي الداخلي، على ضوء استمرار التقارير الرسمية في اشارتها الى ازدياد رقعة الفقر، وان التراجع المعلن في نسب البطالة هو أمر مصطنع، وتلاعب في الارقام، "فالفائض" المالي من ميزانية اسرائيل بعد الصرف على الحرب والاحتلال والاستيطان (ثلث الميزانية) وتسديد الديون الخارجية والداخلية التي صرفت على نفس السياسة (ثلث آخر)، لا يسد احتياجات اسرائيل لتأمين الخدمات الحيوية والصرف على مشاريع البنى التحتية وخلق فرص عمل ومكافحة ظاهرة الفقر والبطالة.
في المجمل العام فإن اسرائيل مقبلة على مرحلة ضبابية، في مختلف النواحي، ضبابها كثيف اكثر من أي وقت مضى، ونتائج الانتخابات التي ستظهر في يوم كسوف الشمس، الاربعاء القادم، قد تزيد من هذه الضبابية، فالحالة الناشئة، في ظل كثرة الابواب المغلقة وتجاوب دول القرار الكبرى مع النهج الاسرائيلي، والحالة المعقدة ايضا في الساحة السياسية الفلسطينية، لن تساعد على انقشاع هذا الضباب.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر