فلسطينيو 48 وتحديات الهوية والوجودالاثنين 27/3/2006 لميس اندوني- "الغد" الاردنية
في خطابها امام مؤتمر هرتسيليا في اوائل الشهر، لخصت وزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني موقف حزب كاديما من فلسطينيي الـ 48 بالكلمات التالية: "ارغب ان تكون اسرائيل بمثابة بيت لهم، ولكن لا يمكنها ان تشكل بيتا قوميا لهم". تصريح السيدة ليفني هو بمثابة تجميل للسياسات التي يتبناها حزب كاديما تجاه الفلسطينيين داخل الخط الاخضر، فالحزب، كالاحزاب الاسرائيلية الاخرى، يتبنى او حتى يقود سياسة تكثيف وتسريع تهويد الجليل والنقب، بما يعني ذلك من ترحيل قسري او تضييق على السكان الفلسطينيين في سبيل الهدف المشترك للحفاظ على يهودية الدولة. لكن اهمية كلمات ليفني تنبع من رؤيتها الايديولوجية والعملية؛ ففي احسن الاحوال فإن الفلسطينيين داخل الخط الاخضر هم مهاجرون ضيوف، لكن لا يمكن ان يعترف بهم كسكان الارض الاصليين، بالتالي فإن بقاءهم مشروط وغير مضمون. ان هذه الصيغة لتعريف الفلسطينيين داخل الخط الاخضر هي الاقل قباحة وخطرا مما تعكسه السياسات على الارض التي تتبناها الاحزاب السياسية الثلاثة لتتنافس في الانتخابات القادمة في مسابقة لمن يستطيع الحفاظ ليس على امن اسرائيل فقط بل على يهوديتها. الحفاظ على الدولة اليهودية ليس جديدا في الفكر الصهيوني وممارسات الاحزاب الصهيونية، لكن التعبير عنه وظهور انماط جديدة بالتعامل ان كان لغويا او عمليا يعكس شعور اسرائيل بخطر النمو الديمغرافي العربي والسكاني العربي وتأثيره ليس فقط على يهودية الدولة، بل ومستقبل القضية الفلسطينية. لذا فإن الانتخابات الاسرائيلية التي تبلور في حملاتها شعارات الفصل العنصري تعكس اجماعا اسرائيليا – في ما عدا ناشطي اليسار– على ضرورة الحفاظ على اغلبية يهودية بكل الطرق، حتى لو ادى ذلك الى التهجير القسري للفلسطينيين. هذا الاجماع اكدته نتائج استطلاع رأي جديد عشية الانتخابات التي وجدت بأن العنصرية ضد العرب متفشية بين الاسرائيليين اليهود. فالاحصائية التي اشرف عليها مركز مكافحة العنصرية استنتجت ان العنصرية اصبحت جزءا من التيار السائد والقيمة الاجتماعية المسيطرة. مثلا قال 63% من الاسرائيليين اليهود في العينة ان العرب داخل اسرائيل هم بمثابة خطر ديمغرافي وامني على دولة اسرائيل، في حين ان ثلثي العينة اعترفت انها لن ترضى بالسكن في عمارة يسكنها عرب. عدا ان 40% من العينة قالت انها تريد من الحكومة ان تشجع من خلال سياساتها على تهجير العرب؛ أي بمعنى آخر تأييد فكرة الترانسفير التي تطرحها الاحزاب اليمينية المتشددة. الاخطر من ذلك بأن دراسة اجرتها جامعة حيفات في ايلول الماضي وجدت ان 30% من عينة الاستطلاع تؤيد التهجير القسري أي "الترانسفير" للعرب. لا يعني ذلك أننا سنرى اقتلاعا وتهجيرا جماعيا للفلسطينيين كما حصل عام 1948، لكن تبني الاحزاب بطريقة او باخرى سياسات عنصرية، لا يمكن ان يكون هدفها الا تضييق الخناق لإجبار الفلسطينيين على ترك مدنهم وقراهم. جميع الاحزاب تتبنى خطتي تهويد الجليل والنقب، ففي مؤتمر هرتسيليا المعروف بعرضه اهم السياسات الاستراتيجية لاسرائيل تبنى الخبراء والمسؤولون بقوة فكرة اعطاء الاولوية لخطة تفكيك قرى عربية في النقب التي يعيش فيها نحو 40 الف بدوي بواسطة فكرة مشابهة لفك الارتباط من غزة، ان كان الذين يتم اخلاؤهم ليسوا مستوطنين، بل سكان الارض الاصليين. فقد وعد حزب كاديما بالاسراع بهذه الخطة بعد الانتخابات التي ستؤدي الى النقل القسري لما يسمى بمناطق التطوير الحضري لـ 23 الف مواطن بدوي. لكن الخطر الداهم لفلسطينيي الـ 48 لا يكون فقط من خلال خطط التهويد، لكن من استمرار السياسات العنصرية في مجالات التعليم والصحة في المدن العربية. وليس مستغربا ان تضع الاحزاب العربية المطالب المعيشية للسكان في قمة اولوياتها، فبالنسبة لفلسطينيي الـ 48 المطالب المعيشية غير منفصلة عن اولويات الصراع القومي لأنها اصبحت جزءا من صراع البقاء، فقد وجدت دراسة اصدرتها وزارة الصحة الاسرائيلية ان نسبة ارتفاع السرطان والامراض الخطيرة قد زادت بين السكان الفلسطينيين العرب بدرجات حادة وغير طبيعية، بالمقارنة مع الاسرائيليين اليهود. فقد ارتفعت نسبة تفشي السرطان بين الرجال العرب بـ 95% منذ عام 1980 مقارنة بـ 24.9% بين الرجال اليهود، وهذا ينطبق على امراض القلب والجلطات الدماغية. الدراسة اثارت ضجة بخاصة انها خلت من مسح شامل لمعرفة اسباب هذا الارتفاع وطرق معالجة الوضع الصحي، فيما شملت الدراسة مسحا واسعا لبقية المناطق اليهودية ودراسة معمقة للاسباب والحلول. ظواهر العنصرية بما فيها نتائج الاستطلاعات والدراسات لم تثر اهتمام الاحزاب الرئيسية، بل حاولت هذه الاحزاب تغذية هذه العنصرية وارضاءها حتى ان حزب كاديما عدل عن تعيين مرشح عربي رئيسي له حتى لا يخسر الاصوات. كل هذه الظواهر العنصرية تعكس شعورا اسرائيليا متزايدا بان ما يسمى بعرب الـ 48 هم جزء من الشعب الفلسطيني، وان محاولة الغاء الوعي الجمعي القومي الفلسطيني لعرب الـ48، عن طريق القوانين وفرض مصطلحات تاريخية وسياسية، لم تنجح. فازدياد الحديث عن الترانسفير في المؤتمرات والتهويد في الحملة الانتخابية يدل ان معظم الاحزاب الصهيونية لا تفرق بين حقوق المواطنة لفلسطينيي الـ 48، الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية اصلا وبين الحقوق القومية للشعب الفلسطيني بشكل عام. فمن قراءة للاجواء الاسرائيلية خلال الانتخابات؛ نستطيع القول ان هناك اجماعا يتشكل بين اغلب الاسرائيليين بأن الاعتراف بحقوق المواطنة الكاملة لفلسطينيي الـ 48 لا ينفصل كثيرا عن الاعتراف مثلا بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. في الكلمة نفسها في مؤتمر هرتسيليا اضافت ليفني ان الاولوية ايضا تذهب الى منع حق العودة للفلسطينيين، لان ذلك يشكل خطرا على دولة اسرائيل، وبالتالي فإن الحل وفقا لها يكون بانشاء وطن قومي للفلسطينيين في الاراضي التي ستنسحب منها اسرائيل. اذا، وفقا لمنطق ليفني، لا يمكن لاسرائيل ان تعترف بأن عرب الـ 48 مواطنون كاملو المواطنة لان ذلك بمثابة اعتراف بشرعية وجودهم في وطنهم، وذلك ينطبق ايضا على حق العودة، اذ انه يعني ايضا الاعتراف ان فلسطين التاريخية هي وطن فلسطين القومي. ان منطق ليفني هو نفس منطق الفصل بين السكان العرب واليهود الذي يتحدث الساسة عنه من خلال اقتراحات بتبادل السكان بين ما سيسمى بدولة فلسطينية واسرائيل. فما قاله هنري كيسنجر في مقاله الشهير عن ضرورة مثل هذا "التبادل السكاني" يعكس الاجواء السائدة في اجواء الاحزاب الصهيونية ومؤيديها في انجلترا. الاحزاب العربية متنبهة لهذا الخطر، وان كانت لا تعتقد بامكانية حدوثه وبهذه السهولة، لكن جميع مرشحيها دعوا ـ بقوة ـ العرب الى المشاركة في التصويت للحفاظ على هويتهم وحقوقهم في ظل الحملة القائمة للعنصرية المتنامية. حزب كاديما دخل الحملة تحت شعار مواجهة حماس، لكن معنى هذا الشعار عمليا في ظل الذهنية العنصرية في مواجهة الفلسطينيين بشكل عام بمن فيهم فلسطينيو الـ 48. اما حزب العمل الذي كان سباقا ورائدا في عمليات التهويد فسيدعم هذه السياسات بقوة بغض النظر عن موقعه داخل او خارج الحكومة. اما الليكود، خاصة انه سيعتمد على دعم الاحزاب اليمينية المتطرفة، سيؤيد عمليات سياسات التهجير، لكن الليكود ليس وحده على استعداد لتبني سياسة متطرفة، فحزب كاديما، الذي يتوقع له الفوز، قد يجد نفسه مضطرا لائتلافات مع الاحزاب الصغيرة التي تؤيد التهجير القسري. في هذه الانتخابات سيكون لحزب صغير نسبيا مثل "اسرائيل بيتنا" المؤلف من اغلبية المهاجرين الروس قوة تفاوضية بعد الانتخابات داخل الكنيست وخلال تشكيل الحكومة بخاصة أن هذا الحزب العنصري الذي يدعو الى اعادة ترسيم الحدود لطرد 500.000 فلسطيني من الـ 48 الى الضفة الغربية. أي ان المقولة التي اقترحها ناشط عنصري اسرائيلي بأن "العربي الجيد ليس بالضرورة العربي الميت لانه يستطيع الرحيل"، لم تعد بعيدة من صلب التوجه السياسي العام خلال انتخابات تتنافس فيها الاحزاب على من سيربح معركة الحفاظ على الهوية اليهودية؟
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|