من معارك البقاء والصمود على الارض"قرى غير معترف بها" مصطلح عنصري فريد في قاموس اسرائيلالخميس 30/3/2006 برهوم جرايسي- الغد الاردنية
*اسرائيل لا تزال ترفض الاعتراف بحوالي 55 قرية فلسطينية يعيش فيها مئة الف فلسطيني من فلسطينيي 48، موجودة منذ مئات السنين وتحرمها من مقومات الحياة *الاهالي يسجلون ملحمة صمود من اجل البقاء في الوطن وعلى ارض الآباء والأجداد*
رغم مرور 58 عاما على وجود اسرائيل، إلا ان معركة البقاء والصمود على الأرض التي يخوضها فلسطينيو 48 لم تتوقف للحظة واحدة، لا بل اليوم بدأت تأخذ طابعا آخر على ضوء المخططات الحكومية الاسرائيلية المختلفة، وانتشار الافكار العنصرية الداعية لطرد العرب من وطنهم، وفقط في الاسبوع الماضي ظهر بحث جديد عن عمق العنصرية في المجتمع الاسرائيلي، اكد ان 40% من اليهود في اسرائيل يرون ان على الحكومة الاسرائيلية "تشجيع" العرب على الهجرة، وكما جرت العادة فإن البوح بحقيقة الافكار في مثل هذه الاستطلاعات لا يكون كاملا، فهناك من "يخجل" او من يتخوف من حقيقة ما يجول في داخله من افكار عنصرية. في هذا العام الذي يصادف الذكرى الـ 30 ليوم الارض الخالد يخصص فلسطينيو 48 الذكرى من اجل تصعيد المعركة التضامنية مع ابناء صحراء النقب وعشائر الجنوب، حيث يواجهون مخططات اقتلاع خطيرة، وايضا يخصص هذا العام للتضامن مع الاهالي الفلسطينيين في المدن الفلسطينية التاريخية التي اصبحت ذات اغلبية يهودية، مثل عكا وحيفا ويافا، ولكن تركيز هذا العام بشكل خاص على اللد والرملة حيث تواجه مئات العائلات خطر هدم بيوتها بحجج "البناء غير المرخص"، رغم ان البناء قائم على اراضيها وترفض السلطات ترخيص هذه البيوت، بهدف دفع الناس على مغادرة مدنهم.
عنصرية "نموذجية"
غالبا ما يبحث البعض عن اوصاف لينعتوا بها النظام الاسرائيلي الذي يمارس أبشع اصناف العنصرية والتنكيل بشعب بأكمله، ولكن يغيب عن بال الكثيرين ان في اسرائيل اساليب عنصرية فريدة لم تجد لها مثيلا في العالم، لتكون اسرائيل هي بحد ذاتها نموذجا عالميا في العنصرية. ونخص بالذكر اليوم عشرات القرى الفلسطينية القائمة في وطنها وعلى ارضها منذ عشرات ومئات السنين، وموجودة على الخارطة قبل ان تظهر اسرائيل على الملأ بعقود وقرون، إلا ان نظام الحكم في اسرائيل يرفض الاعتراف بها، وهكذا بقرار حكومي تجد انه لأكثر من مئة ألف فلسطيني في وطنه ليس لديه عنوان وقريته محرومة من جميع مقومات الحياة. يجري الحديث عن قرابة 55 قرية يتراوح عدد سكان كل واحدة منها ببضع مئات الى حوالي ثلاثة آلاف وحتى أكثر، وتأوي مجتمعة أكثر من مئة ألف نسمة، 45 قرية منها موجودة في صحراء النقب في الجنوب، ويقطنها ابناء العشائر المختلفة، ويعيش فيها 80 ألف نسمة، وفق معطيات "المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها"، وهو اطار وطني اقامته هذه القرى لتوحيد نضالها امام السلطة، ومن اجل أن تسعى بشكل ذاتي الى تحسين ظروف معيشتها، في ظل شبه انعدام الموارد. وقبل الولوج في ظروف حياة الاهالي وكيف يناضلون من اجل البقاء على أرضهم، من الضروري معرفة الأسباب والأهداف التي تجعل السلطة الاسرائيلية على مدى عشرات السنوات ترفض الاعتراف بهذه القرى. إن المخطط الصهيوني الذي بدأ منذ عشرات السنوات ولا يزال يمارس اليوم، يسري تحت شعار، "أقل ما يمكن من فلسطينيين، على أقل ما يمكن من الأرض، ورفع هذا الشعار بعد ان عجزت العصابات الصهيونية ومن ثم السلطة الاسرائيلية حتى العام 1948 واوائل الخمسينيات من القرن الماضي التخلص ممن تبقى من الشعب الفلسطيني على ارضه وفي وطنه (فلسطينيي 48)، فقد بقي في حينه قرابة 170 ألفا، وهو اكثر بقليل من مليون نسمة. ومن اجل تطبيق هذا المخطط درجت السلطة على تضييق الخناق على الفلسطينيين ومحاصرتهم في قرى ومدن صغيرة، وفرضت عليهم اكتظاظا سكانيا خانقا، يشتد يوما بعد يوم، وحتى الآن، وهذا بعد اقتلعت قرابة 530 قرية من جذورها وحولتها لاطلال، وحتى ان الغالبية الساحقة من هذه الاطلال زالت عن الوجود. وحاولت اسرائيل بعد ذلك استكمال مخططها من خلال ابقاء اكثر من مئة قرية عربية خارج الخارطة السكانية، تمهيدا لازالتها، ولكن مع كبر هذه القرى وصمود اهلها، اضطرت اسرائيل للاعتراف بعدد من هذه القرى تدريجيا، حتى بقي اكثر من 70 قرية أصرت على رفض الاعتراف بها، ولكن في السنوات الأخيرة، وتحت الضغط الشعبي تم الاعتراف بتسع قرى في الشمال ومن خمس الى ست قرى في الجنوب، ولكن هذا الاعتراف لم ينعكس في تحسين الظروف المعيشية، وربط هذه القرى بالبنى التحتية والشوارع، وبقي الاعتراف حبرا على ورق. إن المخطط الأخطر للسلطة الاسرائيلية يتركز في منطقة صحراء النقب في الجنوب، حيث تسعى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من عشائر الجنوب من اراضيهم، وتجميعهم في سبع قرى اقامتها اسرائيل على مر السنين، وهي ايضا لا تحظى بالميزانيات ومشاريع التطوير كما هو الحال في جميع القرى والمدن العربية، وهي تعلن انها تنوي اقامة خمس أو ست قرى اخرى. ولكن الهدف الاساسي من اقامة هذه القرى وتجميع المواطنين فيها، هو اقتلاع القرى التاريخية، وتهجير اكثر من 80 الف مواطن من بيوتهم، والأخطر من كل هذا مصادرة حوالي 800 ألف دونم منهم وتحويلها الى "ملكية الدولة"، وهذا في اطار مخطط تهويد منطقة النقب، بمعنى تشجيع اليهود على الانتقال اليها، مقابل محفزات خيالية، ومنها تخصيص مئات الدونمات لكل عائلة ترغب في اقامة مزرعة خاصة بها، تقريبا من دون مقابل، وهناك مخطط لاقامة عشرات المزارع الخاصة لليهود فقط. ويقود مخطط تهويد منطقة الجليل (شمالا) والنقب (جنوبا)، رئيس الحكومة الاسبق شمعون بيرس، الحاصل على جائز نوبل للسلام، ويقود واحد من أخطر المشاريع العنصرية في اسرائيل، لا بل فإن مطلبه الوحيد من الحكومة الجديدة التي ستتشكل في الاسابيع القليلة القادمة هو ايداع هذا الملف العنصري من جديد بين يديه، وقد خصصت الحكومة المنتهية ولايتها قرابة اربعة مليارات دولار للسنوات الخمس القادمة لانجاز هذا المشروع. ويؤكد المخطط الاستراتيجي، الدكتور عامر الهزيل، في بحث له حول المخطط الاسرائيلي في النقب، على ان اسرائيل تخطط لاقامة قرى جديدة على مساحة تقل بكثير من المساحة التي تتواجد عليها اليوم القرى غير المعترف بها، وهذا على الرغم من ان عدد سكان هذه القرى اليوم حوالي 80 ألفا، وفي العام 2020 سيصل عددهم الى 200 ألف نسمة، وفي المقابل فإن المخطط الذي يرسمه رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، نفسه، هو توسيع مستوطنات يهودية قائمة على حساب اراضي القرى غير المعترف بها. ويقول الدكتور الهزيل، انه لأول مرة يتم وضع خطة عملية لتنفيذ مخطط شارون، وخُصص لهذه الخطة ميزانية بقرابة 1,5 مليار شيكل، أي حوالي 340 مليون دولار، ويتابع مؤكدا ان هناك خطرا داهما على وجود القرى غير المعترف بها. كما تتذرع اسرائيل بالحجج الأمنية، وتصادر عشرات آلاف الدونمات بحجة استخدامها لاغراض عسكرية، وعلى مر السنين قتل الكثير من الفلسطينيين، وبشكل خاص الاطفال في انفجار متفجرات والغام مهملة في اراضيهم. ولكي تطبق اسرائيل مشروعها التهجيري العنصري، فإنها تلاحق اهالي هذه القرى، وهناك اكثر من عشرة آلاف بيت في النقب مهدد بالهدم في أي لحظة، بالاضافة الى تهديد بهدم مرافق أخرى، وحتى ان الأمر وصل الى حد التهديد بهدم المساجد، ولا يمر اسبوع إلا وتنفذ فيه اوامر هدم وحشية، تترك عائلات بأكملها في العراء. كما ان السلطات الاسرائيلية تلاحق المزارعين واصحاب المراعي، وترش المزروعات بالمبيدات لقتلها، وهي تقوم بذلك في كل موسم زراعي حيث تدمر آلاف الدونمات الزراعية، والذريعة هي ان "هذه اراضي دولة"، ولكن في الحقيقة مصادرة من اهاليها. ولكن التضييق الأكبر يتم من خلال حرمان هذه القرى من جميع مقومات الحياة، ومن بينها البنى التحتية وشبكاتها، وعلى رأسها المياه والكهرباء وشبكات الطرق، ناهيك عن المدارس والمرافق الطبية والصحية وغيرها من المؤسسات الحيوية والضرورية. والى جانب كل هذا فإن السلطات الاسرائيلية تحرم الأهالي من تسجيل عناوينهم في بطاقات الهوية، وتفرض عليهم عناوين اخرى في قرى "تعترف" بها.
يناضلون وصامدون
مجرد معرفة ان عدد الاهالي في القرى غير المعترف بها اليوم اكثر 100 الف نسمة، وغالبيتهم الساحقة 80 الفا في الجنوب، فإن هذا يعتبر اسطورة في الصمود، في ظل الظروف التي يعيشونها، ولنكن صريحين في التوضيح، فلربما نجد ان ظروف حياة هؤلاء شبيهة بظروف حياة ملايين البشر في اكثر دول العالم فقرا، ولكن حين تعرف ان هؤلاء يعيشون هذه الظروف ومن حولهم عالم آخر عصري ومتطور في غاية التطور، فهنا تكون المقارنة شبه مستحيلة، والمأساة اكبر، ولشديد السخرية، فإن من هؤلاء من وجد له عملا، ويتقاضى راتبا منظما، وتخصم من راتبه ضرائب لتمول حياة ورفاهية غيره. بداية فإن كافة التقارير الاسرائيلية حول الأوضاع الاقتصادية لا تضع هذه القرى ضمن قوائمها، ولكن حين نعلم ان جميع قرى النقب، المعترف بها، موجودة على رأس قوائم الفقر فإن الأوضاع في القرى غير المعترف بها اكثر بؤسا، ففي تقرير اخير اصدره مركز "أدفا" في نهاية الشهر الماضي، تموز (يوليو)، يتضح ان معدل الرواتب عند مجمل العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) هو في حدود 1150 دولار، بينما عند اليهود فإن معدل الرواتب يصل الى 1800 دولار، وبطبيعة الحال فإن المعدل هو الرقم الوسطي في جميع القطاعات، إذ يحتل العرب المراتب الـ 57 الدنيا، باستثناء بلدة يهودية واحدة تقع في المرتبة 37، وهناك 24 بلدة ومدينة عربية تتوزع حتى المرتبة 111، من اصل 202 بلدة بمعنى ان افضل بلدة عربية بالكاد تصل الى نصف الجدول، ولكن قرى النقب السبع المعترف بها هي في قاع القائمة، وتنتشر من المرتبة العاشرة وحتى الثلاثين، وكما ذكر فإن القرى غير المعترف بها هي أكثر فقرا وهي خارج القائمة بسبب عدم الاعتراف بها. ويعمل قسم جدي من الأهالي في الزراعة والرعي "تحت رحمة"، ما تسميها اسرائيل بـ "الدوريات الخضراء"، التي تلاحق المزارعين وتمنعهم من الرعي والزراعة، ومنهم من يعمل في اعمال غير ثابتة. ويعيش الاهالي في بيوت من الزنك، وقسم منها من الطوب، ولكن كثرة الهدم يضطر الاهالي للسكن في بيوت الزنك وبيوت الشعر، وطبعا هذه البيوت محرومة من شبكات المياه، ومن المفارقات الخطيرة ان هناك قرى تمر من داخلها انابيب مياه ضخمة لتصل الى القرى والبلدات اليهودية، بينما هم محرومون من الاستفادة منها، اما عن الطاقة والكهرباء، فإن الاهالي يعتمدون على التوليد الذاتي للكهرباء. ويضطر الاطفال والفتيان للسير يوميا كيلومترات من اجل الوصول الى مدارسهم في القرى المعترف بها، ولهذا فإن ادنى مستويات التحصيل العلمي في اسرائيل موجودة في هذه القرى، فالاطفال لا يستطيعون المثول في المدرسة في جميع احوال الطقس، وهم محرومون من السفر المنظم. ومن اجل توحيد نضالهم في وجه السلطة فقد اقام اهالي القرى مجلسا اقليميا من خلال انتخابات منظمة، تتجاهلها السلطة، ولكنها في الآونة الأخيرة باتت تضطر لاجراء اتصالات بهذا المجلس، ويحاول هذا المجلس تنظيم حياة المواطنين وتشجيعهم على التغلب على مصاعب الحياة، وتقف الى جانب هذا المجلس الاحزاب الوطنية الفاعلة بين فلسطينيي 48، وعدد من الجمعيات الحقوقية والناشطة بين فلسطينيي 48، ومنها المجلس الاقليمي ذاته، ولجنة الاربعين ومركز مساواة وجمعية عدالة وجمعية حقوق الانسان، ونجحت الجمعيات في عدة حالات في استصدار قرارات محاكم، إما من اجل فتح عيادة، أو من اجل توصيل انبوب مياه لاحدى القرى وليس بين البيوت، وغيرها الأمور. اهالي القرى غير المعترف بها، يسطرون بعنادهم ملحمة صمود على وطن الآباء والأجداد.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|