إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الحكاية ومقتطفات من الكتاب الاسود

يوم الأرض نقطة تحول في مسيرة الفلسطينيين


الخميس 30/3/2006
برهوم جرايسي- الغد الاردنية

يشكل يوم الأرض الذي وقع في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاما استكمال لمرحلة من التحولات في المسيرة النضالية لفلسطينيي 48، وشكل رافعة الى مرحلة جديدة في مقارعة السلطة، فبعد النكبة لم يبق في فلسطين سوى 170 ألف نسمة بغالبيتهم الساحقة من الفئات الضعيفة والفقيرة، وواجهوا منذ اللحظات الأولى لقيام اسرائيل سلسلة من المؤامرات الصهيونية لاقتلاعهم، وطردهم من وطنهم، وليس صدفة ان عددا من المفكرين والسياسيين الصهاينة يعتبرون ان "السماح" لـ 170 الف فلسطيني بالبقاء في وطنهم كان خطأ استراتيجيا للحركة الصهيونية.
واستمرت اسرائيل في اقتلاع القرى الفلسطينية حتى العام 1951، لتستكمل بذلك اقتلاع 530 قرية فلسطينية وطرد اهاليها لتتحول الى مستوطنات، ويعيش اليوم أكثر من 300 ألف فلسطيني لاجئين في وطنهم.
لم يتوقف نضال فلسطينيو 48، بعد النكبة، ومجرد بقاءهم في وطنهم، وتثبيت حقوقهم المدنية كانت عملية نضال طويلة ومريرة، وهي لم تتوقف، ولكن آثار النكبة وما خلفته من حالة احباط وخوف وذعر كانت تنعكس على قطاعات واسعة، خاصة وان السلطات كانت تلاحق المناضلين في الأطر والقوى السياسية الوطنية.
ولكن في اوائل السبعينيات من القرن الماضي ومع ظهور جيل جديد، لم يعايش النكبة، بدأت ظواهر تحولات جديدة، انعكست مثلا في شكل تصويت العرب في الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية وبدء تراجع حصة الاحزاب الصهيونية من العرب، التي كانت تحصل على اصواتها من خلال الترهيب، واعطت نتائج حرب اكتوبر دفعة أقوى للقوى الوطنية، وكانت المحطة الأكبر، في نهاية العام 1975، بانتصار جبهة الناصرة الديمقراطية في الانتخابات لبلدية الناصرة، برئاسة الشاعر الفلسطيني الكبير توفيق زياد، وهذا ما اعطى دفعة أقوى، خاصة وانه للمرّة الاولى تتم الاطاحة بممثلي السلطة الاسرائيلية في اكبر مدينة عربية، لتتبعها في انتخابات العام 1978 موجة جديدة من الانقلابات المشابهة في المجالس البلدية والقروية.
طوال هذه السنين عملت السلطات الاسرائيلية على مصادرة مئات آلاف الدونمات الزراعية وللبناء من اصحابها العرب، عدا عن ملايين الدونمات العائدة للاجئين الفلسطينيين في الشتات، التي اعتبرتها "املاك غائبين"، وفي النصف الثاني من العام 1975 قررت مصادر منطقة زراعية خصبة جدا لمنطقة البطوف في الجليل حيث مدينة (قرية في حينها) سخنين وعرابة وديرحنا، وهي الخطوة التي بدأت تقود نحو الانفجار.
وتشكلت لجنة الدفاع عن الأراضي بمبادرة الحزب الشيوعي، وضمت شخصيات وطنية وهي بالاساس من الشيوعيين ونشيطين في حركة ابناء البلد وشخصيات وطنية مستقلة، وقررت في شهر آذار (مارس) من العام 1976، اعلان الاضراب العام للفلسطينيين في اسرائيل في الثلاثين من ذلك الشهر، فجنّ جنون السلطة الحاكمة التي حاولت استخدام كافة اساليب القمع والترهيب لمنع الاضراب.
وكانت آخر محاولة للسلطات لها حين جمعت اللجنة القطرية لرؤساء المجالس البلدية والقروية في الخامس والعشرين من نفس الشهر ليتخذوا قرارا ضد الاضراب وكانت غالبية الرؤساء العرب من التابعين للسلطة، ما عدا ستة رؤساء من بينهم رئيس بلدية الناصرة، توفيق زياد، وجرت عملية تصويت صورية، كانت نتيجتها معروفة منذ البداية، فاعترض الرؤساء الستة وقال لهم زياد يومها، إن قرار الاضراب هو قرار شعب، وفي نفس الوقت كان المبنى الذي عقد فيه الاجتماع في مدنية شفاعمرو محاصرا بالآلاف من الشبان والشابات والجماهير، فهرب الرؤساء المعارضون للاضراب تحت حماية الشرطة من الابواب الخلفية.
وشنّت عناصر الأمن عدوانا رهيبا على المواطنين واطلقت عليهم القنابل المسيلة للدموع، وتم اعتقال العشرات واصابة الكثيرين.
وثم انطلقت كافة الأجهزة السلطوية تهدد العاملين والموظفين بالفصل من العمل في حال نفذوا الاضراب، وانضمت الى أجهزة السلطة النقابات العامة، التي ابلغت العاملين انها لن تدافع عنهم في حال اضربوا، ولكن كل هذه الممارسات لم تمنع الاضراب، وكان الاضراب الأول بهذا القدر، وهذا الزخم، لتتسطر فيه اسطورة نضالية جديدة ويستفيق فلسطينيو 48 على واقع جديد بعد ان قدموا على مذبح العنصرية والقمع ستة شهداء من ابنائهم، ومئات لا تحصى من الجرحى ومثلهم من المعتقلين.
لقد كان يوم الأرض المطرقة الاضخم التي حطمت ما تبقى من حاجز الخوف، وانتشر العمل الوطني بزخم اكبر في جميع المواقع والميادين، ومن ابرزها الجامعات الاسرائيلية، وكما ذكر فقد بدأت حينها مرحلة انقلابات في الغالبية الساحقة من المجالس البلدية والقروية.

سياسة احتلال الأرض

بعد ستة أشهر من يوم الأرض اصدرت لجنة الدفاع عن الأراضي الكتاب الأسود، وهو وثيقة هامة جدا شرحت الواقع الذي دفع بيوم الارض، وحيثيات ذلك اليوم، وننشر في ما يلي مقتطفات هامة من الكتاب الذي جمع ايضا شهادات من الجرحى وعائلات الشهداء.
"إن الاضراب الشامل الذي اعلنه العرب الفلسطينيون في اسرائيل في 30 آذار (مارس) من العام 1976، احتجاجا على سياسة التهويد والمصادرة كان تأكيدا على عزم الجماهير العربية على النضال من دون هوادة والدفاع عن حقوقها القومية واليومية، ومنها حقها بالاحتفاظ بأرضها، أرض آبائها واجدادها".
"لقد استعملت السلطة شتى الوسائل لمنع الاضراب واحباطه، واستخدمت التهديد والوعيد، وقامت بعملية عرض عضلات، وادخال قوات مسلحة الى قرانا العربية، وخصوصا الى مدينة الناصرة، ونظمّت أشد الضغوط على رؤساء المجالس البلدية والقروية العربية... لانتزاع قرار مزور منهم ضد الاضراب.... لم تجد تهديدات السلطة واساليبها الارهابية نافعة لها، فكانت نتائج الاضراب مذهلة على الرغم من سقوط الشهداء الستة برصاص الجنود، وايضا على الرغم من وسائل القمع الهمجية، لقد هزّ الاضراب الرأي العام الاسرائيلي والعالمي، وحطّم اسطورة الفردوس الذي يعيش فيه العرب في اسرائيل، لقد عبّر الاضراب عن وحدة الجماهير العربية وتصميمها على مقاومة سياسة المصادرة والتمييز القومي التي تمارسها السلطات منذ قيام اسرائيل، وكان الاضراب ايضا تعبيرا عن المطالبة باحترام الكيان القومي للعرب في اسرائيل والاعتراف بحقوقهم القومية واليومية وعلى رأسها وقف سياسة مصادرة الأراضي".
"من ملايين الدونمات التي صادرتها السلطات منذ قيام اسرائيل باعتبارها املاكا متروكة للغائبين، صادرت ايضا حوالي 40 ألف دونم من الاراضي التي يملكها العرب في اسرائيل، فالاملاك المتروكة (حسب التعبير الاسرائيلي وهي املاك اللاجئين) كانت من أهم العوامل لجعل اسرائيل دولة ذات مقومات، إن مسطح هذه الأملاك، ومعظمها مناطق حدودية، هو ذو قيمة استراتيجية بارزة، ومن مجموع 370 مستوطنة يهودية، اقيمت بين العام 1948 والعام 1953، هناك 350 مستوطنة اقيمت على اراضي الغائبين (المهجرين اللاجئين)، وفي سنة 1954 كان أكثر من ثلث السكان اليهود في اسرائيل وثلث المهاجرين الى اسرائيل ايضا يعيشون على اراضي الغائبين العرب".
"ولم تقتصر عملية الاستيلاء على الأراضي بوضع اليد على املاك الغائبين، وليس على "املاك" حكومة الانتداب التي ورثتها عن الحكم العثماني، التي تقدر ما بين مليونين الى ثلاثة ملايين دونم، وكانت تدعى اراضي "الجفتلك"، بل امتدت الى اراضي وقرى العرب الذي بقوا في وطنهم".
لم يكن "التطوير" هو غاية الحكومة من الاستيلاء على الأرض بل تقويض اركان القطاع العربي، و"انقاذ" الأرض، أي "انقاذها" من اصحابها العرب، إن المؤسسات الصهيونية التي كانت تشتري الارض، اشترتها لتكون "ملكا للشعب اليهودي"، وهذه الاراضي يجوز بيعها لليهود فقط، ولا يجوز بيعها "لغير اليهود"، وكان على هذه المؤسسات ان تنتهج سياسة بالنسبة للأرض، تعبر عن جانب من السياسة الصهيونية، وكان على الكيرن كييمت (كيرت كييمت مؤسسة صهيونية عملت على شراء الاراضي مباشرة او عن طريق الغش والخداع) ان تجند الأموال لهذا الغرض".
"يبدو ان أية محاولة، مهما كانت صغيرة، للتصرف بصورة معاكسة للعملية المركزية التي تمسكت بها الصهيونية بأقصى شدة، كالتخلي عما جرى تحقيقه كمكسب صهيوني، مثل ارجاع ارض لايدي غير يهودية او الغاء نقطة استيطانية وغير ذلك، إن مثل هذا التخلي يعتبر هزيمة أكبر بكثير من بطء وتأخر عمليات الاستيلاء على الأرض...".

مشروع تهويد الجليل

يتوقف الكتاب الأسود مطولا عن مشروع تهويد الجليل، ويستحضر بروتوكولات الحركة الصهيونية في سنوات الثلاثين من القرن الماضي، وكيف انه جرى تركيز واضح على منطقة الجليل، التي حتى لم تكن ضمن "اسرائيل" في قرار التقسيم الذي سنته الأمم المتحدة في العام 1947، وسعت الحركة الصهيونية لشراء الأراضي بمساعدة عدد كبير من العملاء الذين كانوا يخدعون في غالب الأحيان الناس ويدعون انهم يشترون الأراضي لأنفسهم ثم يبيعونها للعصابات الصهيونية، وقبل ثلاث سنوات صدر كتاب في اسرائيل باسم "جيش الظلال"، ويتحدث اسميا عن هؤلاء العملاء الذين خدموا العصابات الصهيونية منذ العام 1919 وحتى العام 1948.
لهذا الموضوع أهمية خاصة اليوم، وبعد 30 عاما من يوم الارض، فالحكومة الاسرائيلية الحالية اقرت منذ اكثر من عام اعادة تنشيط مشروع تهويد منطقتي الجليل (شمالا) والنقب (جنوبا)، وليس صدفة ان قائد هذا المشروع هو اقدم السياسيين الصهاينة، شمعون بيرس، الذي يصر على حمل الملف حتى في الحكومة القادمة، فمن يظهر "كرجل سلام" مزعوم امام العالم، يقود في اسرائيل واحدا من أخطر المشاريع الصهيونية عنصرية، ويسعى الى اقتلاع عشرات آلاف العرب من اراضيهم في منطقة النقب، وتدمير 45 قرية قائمة منذ مئات السنين.
وجاء في الكتاب الاسود: "وجد العرب انفسهم، بعد قيام اسرائيل، في ظل حكم عسكري شديد الوطأة، وكان هذا الحكم العسكري استهدف أمرين اولهما اقامة حواجز بين العرب وبين اراضيهم وقراهم، وثانيهما تسهيل مهمة الشركات اليهودية و (ما يسمى بـ ) دائرة اراضي اسرائيل الاستيلاء على اراضي العرب وتنفيذ مشاريع الاستيطان والقرى العربية وعلى الأراضي التي يُجلى اصحابها عنها، وقد وجه الحكم العسكري جزءا كبيرا من اهتمامه لابعاد العرب عن اراضيهم وبالتالي ابعادهم الى خلف خطوط وقف اطلاق النار حيث أمكن، بفرض تنظيف مناطق الحدود من العرب.
"وليس مشروع تهويد الجليل، الذي ينهمك حكام اسرائيل في تنفيذه الآن بأمر جديد، بل أنه هدف من اهداف الاستيطان الصهيوني، قبل قيام دولة اسرائيل، وقد لخّص اوشيسكين هذا الهدف في خطاب ألقاه امام اللجنة التنفيذية الصهيونية عام 1937 على الوجه التالي: علينا ان نبذل جهدا للاستيلاء على مواقع بعيدة عن مراكز الاستيطان لضمان أوسع حدود لبلادنا"
وجاء ايضا في الكتاب الاسود: "كان معروفا قبل صدور قرار التقسيم سنة 1947، ان الجليل سيكون خارج حدود الدولة اليهودية، ولكن الحركة الصهيونية كانت تعد العدة للاستيلاء على الجليل، قبل قيام اسرائيل، وكان هذا الهدف موضع نقاش في الحركة الصهيونية... ويقول دافيد بن غريون (زعيم صهيوني واول رئيس حكومة اسرائيلية): "الاستيطان نفسه هو الذي يقرر إذا كان علينا ان ندافع عن الجليل امن لا، هذا يتعلق بالناس الذين يشعرون بالواجب ويريدون الدفاع عنه... مئات الناس يستطيعون الدفاع عن مواقعنا في الجليل، طبعا إذا يؤمن لهم الغذاء وما الى ذلك، وما إذا تلقوا العون السياسي..".

بين معطيات الأمس واليوم

يستعرض الكتاب الاسود بعض المعطيات الهامة، ومنها انه في العام 1957 كان فلسطينيو 48 يمكلون 1,25 مليون دونم، واليوم بالكاد يحتفظون بنصف هذا العدد.
في العام 1973 كانت نسبة العرب في منطقة الجليل (شمال فلسطين) 70%، أي حوالي 148 الف نسمة، مقابل 40 الف يهودي، واليوم تبلغ نسبة العرب في الجليل 51%، أي قرابة 550 الف نسمة، ولكن حسب احصائيات دائرة الاحصاء الاسرائيلية المركزية، ورغم مشروع التهويد، فإن نسبة اليهود في الجليل تتراجع سنويا بمقدار نصف الى واحد بالمئة، بفعل ان الولادة لدى العرب أكثر، ثم ان الكثير من اليهود يعودون للسكن في مركز البلاد، خاصة في منطقة تل ابيب.
لقد دلّ بحث أخير في جامعة حيفا على ان حوالي 30% من اليهود في اسرائيل يتفهمون الدعوات لطرد العرب من وطنهم (الترانسفير)، وقال استطلاع أخير ظهر في الاسبوع الماضي ان 40% من اليهود (30% في داخلهم) يؤيدون ان تشجع الحكومة الاسرائيلية العرب على الرحيل، ومسألة التشجيع والتحفيز، تشمل عمليا الطرد القسري والترهيب، او الاغراءات المالية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر