إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إعلان الخرطوم: احتضار النظام العربي!

الخميس 30/3/2006
محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية

تواضع مخرجات قمة الخرطوم يتناسب تماما مع انخفاض سقف التوقعات التي كانت معقودة عليها، إذ يبدو جليا أن الهامش الذي يتحرك فيه النظام العربي الحالي في صراعه مع الوقت، ومع عوامل الانهيار، يضيق يوما بعد يوم، بل إن هذا النظام قد استغرق تماما الوقت الضائع فضلا عن الأصلي. هذه القراءة لا تتضمن مبالغة أو تهويلا من "مأزق" النظام العربي، والذي لا يحتمل إلاّ نتيجة واحدة: نهايته.
بالعودة إلى السنوات القليلة الماضية، بالتحديد بعد أحداث أيلول2001، نجد أنّ أزمة النظام العربي انتقلت إلى مرحلة متقدمة وخطيرة، تمثّلت أبرز معالمها بتشكّل مشروع غربي (أميركي- أوروبي) يدفع باتجاه الإصلاح السياسي العربي وفقاً لقناعة تجذّرت وترسخت مع أحداث أيلول بأن النظام العربي القائم أصبح مستنقعا خطيرا للأزمات والمشكلات، وأنه بات - في ذاته- مصدر تهديد للنظام العالمي والمصالح الغربية.

ومثّلت الضغوط الأميركية إشارة واضحة أن النظام العربي، الذي تأسس على مفاهيم وتوازنات الحرب الباردة، لم يعد مؤهلا للمراحل القادمة. وإذا كانت "النظم الثورية" العربية خسرت حليفها السوفيتي بعد الحرب الباردة، فقد خسرت "النظم المحافظة" حليفها الأميركي- الغربي بعد أحداث أيلول، وفقد بذلك النظام العربي شرعيته الواقعية الخارجية التي اكتسبها من تحالفاته الدولية في فترة الحرب الباردة.
في الوقت نفسه، انكشف النظام العربي أمام كل الأزمات والمشكلات الداخلية؛ فالطموحات القومية وذرائع التحرر الوطني والقضية الفلسطينية والتنمية العامة والرخاء الاقتصادي ظهر جليا أنها كانت عناوين خادعة، الهدف منها خدمة مصالح النخب الحاكمة. ولم يبخل تقريرا التنمية الإنسانية العربية بتقديم كشف حساب مرعب ومخجل لما حققه النظام العربي منذ الاستقلال إلى اليوم، وهو الإنجاز الذي وضع الشعوب العربية في ذيل قائمة الديمقراطية في العالم سياسيا، وفي مهب تجارب اقتصادية فاشلة على الرغم من الثروات الطبيعية والخبرة التاريخية والاستعدادات الاجتماعية.
تلك "اللحظة التاريخية" عبّرت عن نفسها بوضوح في "ليلة سقوط بغداد"، ولم تعد الأزمة البنيوية العربية تحتمل التأويل أو تسمح بالهروب إلى أمام. فالجيوش، التي أخذت مليارات الدولارات من لقمة خبز الشعوب العربية، بحجة الدفاع عن الدولة والأمة، انهارت في ساعات معدودة، بينما وقف، ولا يزال، النظام العربي بأسره عاجزا مربوط اليدين أمام الاستفراد الصهيوني بالشعب الفلسطيني، دون أن يقدم قادة إسرائيل أي احترام أو اهتمام بالمبادرة العربية للسلام الصادرة عن مؤتمر بيروت 2002.
لم تكن تلك اللحظة غائبة عن إدراك القوى السياسية العربية المعارضة، فحاولت استثمار الظرف التاريخي الداخلي (الإحباط والسخط..) والخارجي (الضغوط الغربية باتجاه "الإصلاح") فشهدنا صعودا لقوى ومطالب الإصلاح، بعد احتلال بغداد مباشرة، ولم تفلح محاولات النظم العربية بالتحايل على المتغيرات الجديدة بالقيام بإصلاحات محدودة، أو بالاعتماد على سياسة "شراء الوقت" لعل أمرا ما ينقذها ويسعفها على الخروج من محنتها.
ومن السهولة رصد حالة التفاؤل بربيع الديمقراطية والإصلاح العربي في عام 2004 والشهور الأولى من 2005، سواء من خلال ما حدث في لبنان أو صعود حركة كفاية في مصر أو ربيع دمشق في سورية أو ارتفاع صوت الإصلاحيين في العديد من الدول العربية. وللأمانة نقول: إنّها المرة الأولى - منذ عقود- يصبح "الإصلاح السياسي" موضوع نضال وإجماع داخلي عربي، وتصبح الديمقراطية المطلب الرئيسي للنخب المعارضة بعد أن كانت الخلافات الأيدلوجية، سابقا، تصبغ الحالة الداخلية، وتجترح صراعات وتنشئ تحالفات بعيدا عن المطالب الصريحة والواضحة بالديمقراطية والإصلاح السياسي.
صحيح أن ما سمي بالربيع العربي شهد "انتكاسة" كبيرة، بعد ذلك، مع تدهور الأوضاع في العراق وتراجع الضغوط الغربية، فعاد الجدل الداخلي والخارجي إلى أسئلة تقيّم مدى استعداد الشعوب العربية للإصلاح والديمقراطية، وبدا وكأن النظم العربية تلتقط أنفاسها من جديد، وتعيد المحاولة لتجديد أدواتها وقواعد تحالفاتها، إلاّ أنّ هذا لا يعني أن النظام العربي لا يزال قويا ومتماسكا، لكنه يعني، في المقابل، أن الشروط التاريخية والسياسية لم تأذن، بعد، بلحظة السقوط الأخيرة.
في الحقيقة لم يعد يحمل النظام العربي اليوم سوى عصا الأمن وجدار الخوف الذي يمنع الشعوب والمجتمعات من التحرك باتجاه حقوقها وحريتها، إلاّ أن العامل الأهم - الذي يحمي هذا النظام- هو غياب الإجماع الوطني على البديل السياسي القادم. فهناك خوف جديد، يسيطر على المشهد الشعبي العربي، ليس الخوف من السلطة، بل من حالة الفوضى والتشتت التي ستنشأ إذا ما انهارت هذه السلطة! فهذا الخوف، الذي زرعه المشهد العراقي، هو "صمام الأمان" الذي لا يزال يتمسك به النظام العربي لتدارك الانهيار.
أحد النتائج الرئيسة التي يمكن الخروج بها من قمة الخرطوم تتمثل بتأكيد النظام العربي، من خلال عجزه عن مناقشة القضايا الحيوية، أنه لم يعد قادرا على مواجهة التحديات لا عمليا ولا ادعاءً. وكأن قمة الخرطوم هي إعلان من نوع آخر عنوانه "احتضار النظام العربي"، ومن لا يزال يشكّ في هذه الحقيقة فلينظر إلى ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين: أليست كلها علامات على تغيرات كبيرة داخل النظام العربي ستنتشر إلى بقية أجزائه؟
لعل المؤرخ د. رضوان السيد كان محقا - في كتابه "مقالة في الإصلاح السياسي العربي"- بعدم المجازفة باستشراف المستقبل. ونكتفي في "تقدير الموقف" الحالي بالقول: قد لا يكون عصر الديمقراطية والإصلاح السياسي هو البديل عن النظام العربي الراهن، لكن بالتأكيد لن يكون النظام الحالي هو الأفق المستقبلي، فهناك احتمالات مفتوحة..

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر