يعلن الرئيس الاسرائيلي، موشيه كتساف، اليوم الخميس رسميا قراره بشأن تكليف رئيس حزب "كاديما"، ورئيس الحكومة بالوكالة، ايهود اولمرت، بتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وهي مهمة، على ما يبدو ستكون اسهل مما كان متوقعا، وقد ينهي اولمرت مهمته، على غير عادة في تشكيل الحكومات، خلال الفترة القانونية الأولى، وهي 28 يوما.
وامام اولمرت سلسلة من الحسابات والقضايا التي ستواجهه لدى تشكيله حكومته الأولى، وهذا ما سيحدد شكل وطبيعة الحكومة القادمة.
وخلافا لما يظهر فإن الحسابات الشخصية لاولمرت نفسه ستقف على رأس اولوياته لدى تشكيله حكومته، فحتى الآن لم يكن اولمرت من شخصيات الصف الأول في السياسة الاسرائيلية، بل كان يُعتبر أكثر شخصية ظِل، وهذا الانطباع تثبّت أكثر خلال فترة حكومة اريئيل شارون، حين التصق اولمرت كثيرا بشارون، ويعي اولمرت ان عامل الصدفة هو الذي قاده الى كرسي رئاسة الحكومة، وبشكل مفاجئ، في اعقاب غرق شارون في غيبوبة، على ما يظهر انها دائمة.
وأمام هذا الوضع فإن اولمرت بحاجة ماسة الى تغيير الانطباع السائد عنه، كشخصية ظل، وسيسعى الى فرض"هيبته" كرئيس حكومة صاحب القرار الاول، من دون وزراء متمردين، لم تستطع كل"هيبة" شارون في الشارع الاسرائيلي التغلب عليهم، وما من شك انه سيكون اولمرت اضعف امامهم.
وهذه الشخصيات المتمردة عادت الى الكنيست في ثلاث كتل برلمانية يمينية، وهي"الليكود"، بزعامة بنيامين نتنياهو، و"يسرائيل بيتينو"، بزعامة المتطرف افيغدور ليبرمان، و"هئيحود هليئومي- المفدال"، بزعامة المتطرف بيني ايلون، فهذه الكتل، وخاصة بعض الشخصيات فيها، لن تقبل حتى بما يطرحه اولمرت من مخططات احتلالية وفرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، رغم انها معادية للشعب الفلسطيني، وتتعارض مع آفاق الحل الذي قبل به الفلسطينيون منذ سنوات.
بمعنى أن اولمرت سيسعى الى استبعاد الكتل اليمينية كلها او غالبيتها، ليس من وجهة نظر سياسية، كما سيعلن البعض، وانما لأسباب شخصية اكثر، تتعلق بموازين القوى الحزبية في الساحة الاسرائيلية، فجوهر برنامج اولمرت و"كاديما" السياسي، ليس اقل يمينية مما يطرحه اليمين الاسرائيلي، لا بل انه أكثر خطورة، لأن اولمرت يسعى للحصول على تغطية دولية لهذا المخطط الخطير.
وفي سياق السيطرة و"الهيبة"، فإن اولمرت سيواجه صعوبة، ايضا، في التعامل مع بعض قادة"كاديما" الذين يشعرون انفسهم قادة لا اقل منه، إن لم يكن اكثر، وعلى رأسهم شمعون بيرس، ووزير الحربية شاؤول موفاز، ورئيس جهاز المخابرات العامة السابق آفي ديختر، وغيرهم، وستحتد المعركة بينه وبينهم حين يبدأ اولمرت بتوزيع الحقائب الوزارية على وزراء حزبه.
ما يحتاجه اولمرت الآن هو ائتلاف واسع في الكنيست يضمن له استقرارا سياسيا لفترة طويلة، ولكن الاعتقاد بأن انسجاما كهذا قد يستمر طيلة الولاية الممتدة على مدى اربع سنوات، فهو نوع من الوهم الهش، كما علّمت ذلك التجربة السياسية في اسرائيل، وكل المعطيات الواردة، وبعد الأخذ بعين الاعتبار ما سبق، فإن اولمرت امام خيار تشكيل ائتلاف حكومي من 78 نائبا، ومن دون أي احتياط في المعارضة، ليضم هذا الائتلاف"كاديما" مع 29 مقعدا، وحزب "العمل" 19 مقعدا، وحزب شاس الديني الاصولي اليهودي الشرقي 12 مقعدا، والكتلة الدينية المثيلة لليهود الغربيين 6 مقاعد، وكتلة المتقاعدين 7 مقاعد، وقد "يتجرأ" اولمرت على ضم كتلة اليسار الصهيوني ميرتس، التي لها خمسة مقاعد، لتكون اول حكومة لا يقودها "العمل" تشارك فيها هذه الكتلة.
وهذا الائتلاف يعطي اولمرت حرية الحركة في خطته السياسية من دون معارضة تذكر داخل الحكومة، وهذا بخلاف كما كان عليه الحال في فترة حكومة شارون، خلال خطة ما يسمى بـ"فك الارتباط"، فما نسمعه من حزب"العمل" المحسوب على "اليسار الصهيوني"، حول تحفظه من خطوات احادية الجانب، لن يصمد طويلا في العمل السياسي من خلال حكومة اولمرت.
وهذا لا يعني ان اولمرت سيباشر فورا بعد اعلان حكومته لتنفيذ خطته السياسية، فهو لا يشعر بأي ضرورة للاستعجال للتخلي عن بعض مناطق الضفة الغربية، ومرحلة اللاموقف واللاتحرك فالظروف القائمة تعتبر مريحة له وللحكومة الاسرائيلية عامة.
المحور المركزي الذي ستنشغل به حكومة اولمرت، حتى قبل اقامتها هو السياسة الاقتصادية، فإذا تعاملنا عن التشكيلة الحزبية للائتلاف الحكومي التي عرضت هنا، وحتى مع بعض التغييرات، فإن جميع الشركاء في الائتلاف، باستثناء "كاديما"، ينادون بتغيير كبير في السياسة الاقتصادية واعادة بعض المخصصات والمعونات والتسهيلات الضريبية، للشرائح الفقيرة والضعيفة والمتوسطة، وهذه الأحزاب، من المفروض ان تبدأ ممارسة ضغوطها في المفاوضات الائتلافية، لأن المهمة الأولى التي ستكون امام الحكومة الجديدة هو اقرار ميزانية الدولة للعام الحالي، لتبدأ بعد ذلك ببضعة اشهر، وتحديدا ابتداء من شهر آب (اغسطس) بإعداد موازنة الدولة للعام القادم 2007.
وقد شدد اولمرت، حتى الآن، على الاحتفاظ بوزارة المالية، الى درجة انه فرّط بوزارة الحربية مقابل الاحتفاظ بالمالية، بزعم أن تغيير السياسة الاقتصادية التي تمنح تسهيلات جمّة لكبار رؤوس الأموال، سيؤدي الى هروب كبار المتمولين، خاصة الاجانب منهم، وهذا ما سيوجه ضربة قوية للاقتصاد الاسرائيلي، الذي يشهد نموا في السنوات الثلاث الأخيرة، ولكن هذا النمو، وحسب التقارير الرسمية، لم يصل بعد الى الشارع الاسرائيلي وتقتصر على ملاكي الاقتصاد في اسرائيل.
وفي هذه الحلبة سيحاول اولمرت الامساك بطرفي الحبل، فمن جهة سيواصل نفس السياسة الاقتصادية، ومن جهة أخرى فإنه سيقبل ببعض التعديلات الطفيفة، التي بإمكان احزاب الائتلاف الادعاء بأنها انجازات، وبنفس الوقت فإن اولمرت سيرهن أي تحرك على الصعيد الاقتصادي بالتحركات السياسية وإلزام الشركاء في الحكومة على تأييدها.
في المجمل العام فإن كل المعطيات السياسية وموزاين القوى الناشئة، وايضا على ضوء التطورات الأخيرة الحاصلة على الساحة الفلسطينية، والوضع القائم في دول القرار في الحلبة الدولية، تؤكد اننا مقبلين أكثر على فترة فراغ سياسي، فالناخب الاسرائيلي لم يجد خيار الانفراج السياسي ليصوت له، وفترات كهذه تخدم مصالح ماكنة الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية، التي لم تتوقف عن العمل منذ 39 عاما.