إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



وقود التضليل الأميركي

13/4/2006
منار الرشواني- "الغد" الاردنية

العملية الأميركية "الأنجح حتى الآن" - بحسب تعبير الجنرال مارك كيميت- على صعيد الحملات الإعلامية "التضليلية" التي كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست"، والقائمة على المبالغة والتضخيم لدور أبو مصعب الزرقاوي وتنظيمه "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" في العراق، ولا سيما فيما يتعلق بالعمليات الدموية اللاإنسانية التي يشهدها هذا البلد، هذه العملية لا يمكن الاكتفاء بإدراجها ضمن ملف الفضائح التي لا تعد ولا تحصى للإدارة الأميركية منذ بداية تحضيرها لغزو العراق؛ ذلك أن تفاصيل العملية وأدواتها ومنطلقاتها يمكن أن تفسر الكثير من خسائر ومآس مضت، وأخرى كثيرة قادمة، ممتدة إلى خارج العراق، ولا سيما إلى بيئته العربية!
حتما إن أول ضحايا الحملة "التضليلية" الأميركية لم يكن سوى العراقيين أنفسهم، سنة وشيعة على السواء، وذلك من خلال نتيجتها الأولى والطبيعية المتمثلة في ترسيخ فكرة الحرب الطائفية في أذهان العراقيين جميعا على الأقل، إن لم نقل وضع أسس هذه الحرب، وذلك بالمبالغة في دور الزرقاوي، الذي يقود تنظيما سنيا ذا شعارات إسلامية، رغم إقرار ديريك هارفي، أحد كبار ضباط استخبارات الجيش الأميركي في العراق، في اجتماع عسكري الصيف الماضي بأن عمليات الزرقاوي "تشكل جزءا صغيرا جدا من العدد الفعلي" للتفجيرات في العراق، وأن التهديد الحقيقي هناك لا يتأتى "من الزرقاوي والمتدينين المتشددين، وإنما من أنصار النظام السابق وأصدقائهم"، والذي هو نظام علماني يجمع في عضويته بين السنة والشيعة!
فوق ذلك يتجسد واحد من أخطر ملامح الحرب التضليلية الأميركية في منطلقها المتمثل، بحسب الوثائق العسكرية الأميركية، في استغلال "كره العراقيين للأجانب"، ليكون السؤال هنا: هل أن العراقيين يعانون فعلا من عقدة "فوبيا الأجانب"؟ وإذا كان ذلك صحيحا، فمن هم الأجانب؟ هل هم المحتلون الأميركيون والبريطانيون وحلفاؤهم؟ أم هم الإيرانيون؟ أم أن الأجانب ليسوا سوى العرب وحدهم الذين ينتمي إليهم الزرقاوي؟
الواضح، والأدلة أكثر من أن تحصى، أن "خلق" العداء العراقي للأجانب، أو "استغلاله" بحسب الزعم الأميركي، كان يعني العرب فقط، فيما كانت الولايات المتحدة وإيران بشكل أكبر تستفيدان من هذا العمل بما يعزز صورتهما وحضورهما في العراق، ولتكون النتيجة الحتمية التي تتعمق يوما بعد يوم هي خسارة العراق العربي، حتى على صعيد القدرة على مساعدته للخروج من المحنة التي يعيشها! فقد أصبح الزرقاوي، وكما تؤكد ذات الوثائق الأميركية أيضا، رمزا لـ"الإرهاب في العراق/ المقاتلون الأجانب في العراق/ معاناة الشعب العراقي (الهجمات على البنية التحتية)/ حرمان العراقيين من طموحاتهم"، وغدا في المقابل اي حوار ممكن لإنقاذ العراق هو حوار أميركي-إيراني، فيما يقاطع العراقيون اجتماع دول الجوار العربية لمناقشة قضيتهم!
لكن إذا كانت الفضيحة الأميركية الأخيرة مشجبا مناسبا ليعلق عليه أكثرية العرب تخاذلهم تجاه العراق، وخذلانهم أهله، إلا أنه مشجب غير كاف، وطالما أن العرب يكادون يكونون المتضرر الأول والأوحد دون سواهم من حملة التضليل هذه، فإن ثمة سؤالا يعنيهم أيضا من دون سواهم، وهو: كيف أمكن أن تستمر حملة التضليل الأميركية منذ العام 2004 وحتى الآن، وأن تحقق كل هذا النجاح الملفت؟!
طبعا الزرقاوي، باعلانه المتكرر تكفير الطائفة الشيعية بغير وجه حق، ناهيك عن عمليات دموية ولاإنسانية هو مسؤول عنها بالتأكيد، كان العون الأول للأميركيين، هذا إن لم يكن مصدر إلهامهم. أما تداعيات العملية وآثارها عربيا، والتي يمكن اختزالها في حالة التجافي العربي-العراقي بكل مضامينها، بما في ذلك اضطهاد الفلسطينيين وغيرهم من العرب في العراق، فسببها هو تخلي العرب تماما عن العراق تحت ضغط العامة، والانقياد بالتالي للشعارات والعواطف على حساب السياسة المنتجة، وليكون اي وجود عربي رسمي في العراق "عمالة" و"تعاملا مع الاحتلال"، وهي بالتأكيد جرائم لا تغتفر!
بشديد اختصار، كان العرب ومواقفهم وسياساتهم وقود آلة التضليل الأميركية التي أدت إلى إخلاء العراق إلا من محتليه، والطامعين فيه، وبالتأكيد الإرهابيين الذي يدمرون الإنسان والأرض.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر