الرهانات الخاسرة!16/4/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
تمر "القضية الفلسطينية" بأسرها اليوم في مرحلة خطيرة وسيئة للغاية، تمثل محصلة لمتوالية من الانتكاسات السياسية والاستراتيجية على الصعيد العربي والفلسطيني على السواء. ومن الخطأ الفادح الربط بين حكومة حماس والمأزق الحالي، فالذين ينتقدون حماس وخطابها وممارساتها لا يقدمون بدورهم آفاقا سياسية أفضل، بل يدعوننا إلى العودة لخيارات جرّبت وأثبتت عقمها. لسنا هنا بصدد تقديم كشف حساب عن المراحل السابقة، وليس هذا وقته، وإن كان ثمة ضرورة حيوية لتقييم التجربة السياسية الفلسطينية في سنواتها الأخيرة بالتحديد منذ اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية على أسس معاهدات السلام مع إسرائيل، وما لحق ذلك من مراحل صعود وهبوط في "العملية السلمية" ومسار الانتفاضة المسلّحة والوضع الداخلي الفلسطيني. فما نحتاج إليه هو طرح أسئلة استراتيجية بعيدة المدى لبناء سيناريوهات واقعية تقدم لنا المسارات المحتملة والبدائل التي يمكن أن نتعامل معها. من خلال قراءة خطاب حركة حماس وسلوكها منذ انتصارها في الانتخابات إلى الآن، يبدو واضحا أنها لا تقدم أية رؤية استراتيجية تحمل أبعادا "واقعية" وليس مجرد وعود وخطابات. وما نخشاه، بل ما نلمسه أن كثيرا من رهانات الحركة فاشلة، وأنها فقدت البوصلة؛ فلا استمرت بالمقاومة ولا أعطت رسالة واضحة في قبولها بالتفاوض والمسار السلمي الحالي على عواهنه، أما منطق "الغموض الاستراتيجي" والرسائل المتضاربة التي تصدر عن قياداتها فلا تخدمها ولا الشعب الفلسطيني الذي بدأ يدفع استحقاقات خطيرة، لكن من دون بناء مسار واضح لجدوى هذه الضريبة وثمنها السياسي. أحد الرهانات الخاسرة التي لا يزال يصرعليها قادة الحركة يتمثل بالنظام العربي الحالي، والقدرة على توفير دعم مالي عربي لتعويض المساعدات التي حرمت الدول الأوروبية منها الشعب الفلسطيني، وقد ظهر بوضوح أن هذا الدعم شحيح، كما أن هناك شكّا في جديته. لن يقدم النظام العربي أي دعم سياسي لحكومة حماس سوى الخطابات الإعلامية واللغة الخجولة بمطالبة المجتمع الدولي باحترام الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، في حين أن النظام العربي هو أول من يحارب الخيار الديمقراطي داخل بنيته. وقد بدأت الحكومات العربية في استثمار فوز حماس لمواجهة "الدعوى" الأميركية والغربية للإصلاح السياسي في العالم العربي، بالتلويح مرة أخرى بفزّاعة "البديل الإسلامي" القادم والمعادي للمصالح الغربية إذا ما جرت انتخابات حرة نزيهة. وتخسر حماس في رهانها أيضا على مخاطبة المجتمع الدولي بمنطق "المفارقة الأخلاقية" في دعم الغرب لإسرائيل المعتدية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ولن يجدي الخطاب الوعظي - الذي يكثر منه قادة الحركة في مقالاتهم وخطبهم وتصريحاتهم- أمام الضغوط الدولية والحصار الذي بدأ يضيق على الشعب الفلسطيني يوما بيوم، والرابح الأول والأخير من ذلك هو إسرائيل التي تكسب الوقت في بناء الجدار وفي ترسيم الحدود النهائية ووضع الشعب الفلسطيني أمام واقع جديد، تصبح خارطة الطريق أمامه مطلبا فلسطينيا مثاليا! ما يجب أن تتعامل معه حماس اليوم هو إكراهات الواقع وموازين القوى السياسية والعسكرية وطبيعة النظام الإقليمي والدولي، وكلها تقدم لنا اليوم مؤشرات سلبية، وأخطر ما في الأمر أننا أمام أفق سياسي وأمني مغلق، يستدعي من حماس بناء معادلات وتوازنات دقيقة وحساسة تربصا لأي اختراق ممكن في المراحل المتقدمة. في هذا السياق يتمثل الموقف السياسي المعلن لحماس بأنّها لن تقدم تنازلات مجانية بلا مقابل: فما فائدة إعلان قبولها بالاتفاقيات الموقعة واعترافها بإسرائيل إذا كانت إسرائيل لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا تحترم هذه الاتفاقيات على ما فيها من تنازلات، وما الذي يضمن لحماس أنّ هذه التنازلات لن تكون عملية استدراج لتنازلات ومطالب أخرى من دون مقابل في ظل تواطؤ دولي وتهافت في النظام العربي؟ المشكلة هنا أن حماس أيضا لا تقدم لنا جوابا واقعيا عن مواجهة الحل الأحادي والضغوط الدولية والحصار الخانق على السلطة. فالخشية أن حماس تقع في السيناريو "الأسوأ" تجنبا للسيناريو السيئ! وربما المصلحة الآنية الفلسطينية من إعلان حكومة حماس في قبولها الاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة هي فقط في "شراء الوقت" وتخفيف الضغوط على الشعب الفلسطيني واختراق الحصار الدولي وشحذ النظام العربي والتقاط الأنفاس لمرحلة لاحقة يكون الوقت فيها لصالح حماس لا عليها كما هو الحال اليوم. أمّا الحديث عن خيار العودة إلى الانتفاضة المسلّحة فهو خيار مكلف جدا على المجتمع الفلسطيني مع الشروط الأمنية الحالية في ظل وجود الجدار العازل والانسحاب الإسرائيلي من غزة الذي مهّد الطريق لتغيير قواعد اللعبة العسكرية، وهي الرسالة التي يمكن أن نقرأها في اغتيال قادة حماس وفي العمليات الإسرائيلية الوحشية المستمرة ضد الفلسطينيين.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|