احترقت باريس فاهتزت أركان"الليبرالية الجديدة"الاثنين 17/4/2006 لميس اندوني- "الغد" الاردنية
واحترقت باريس بغضب الشباب والطلبة، فاهتزت اركان الليبرالية الجديدة في واشنطن وجميع العواصم الغربية. هنا في مدريد، يشعر كثير من الطلبة "بالغيرة" من اقرانهم الفرنسيين، فيسألون لماذا صمت الاسبان عندما قام رئيس الوزراء السابق بفرض قوانين عمل شبيهة، بل أسوأ من التي حاول شيراك فرضها؟ تراجع الحكومة الفرنسية أعطى أملا جديدا للطلبة هنا بأنّ قوانين الليبرالية الجديدة التي تفرض على حساب العدالة الاجتماعية ليست من المسلمات. فهل سيتبع التحرك الطلابي الفرنسي تحركات مماثلة هنا وفي عواصم اوروبية اخرى. هذا ما يثير مخاوف منظري سقوط نموذج الضمان الاجتماعي وتقليص دور الحكومات في الرعاية الاجتماعية وتوفير الخدمات والتعليم وفرص وظروف عمل متكافئة. كانت باريس محطة، وقد تكون فاصلة، لدك اركان النموذج الرأسمالي المطعم بالاشتراكية. لذا فإنّ تراجع أو بالأحرى هزيمة الحكومة الفرنسية ايقظت منظري العولمة الرأسمالية من نشوة الانتصار الذي لا عودة عنه، بعد النجاحات الساحقة منذ أن تخلت بريطانيا بقيادة مارغريت تاتشر عن نموذج حكومة الرفاه والضمان الاجتماعي، وتبعتها حكومات وإن بخطى اكثر تباطؤا وترددا وقسوة، بالمقارنة مع امرأة بريطانيا الفولاذية. سقوط النموذج الشيوعي السوفيتي وقيادة بل كلينتون ومن ثم توني بلير ؛اميركا واوروبا إلى أحضان الليبرالية الجديدة، أي قيادة الليبرالية إلى اليمين، أطلق عنان عاصفة أسقطت حركات العدالة الاجتماعية وبدت وكأنها تؤكد إعلان فوكوياما الأيدولوجي بانتصار مطلق للرأسمالية. الانتصارات المتلاحقة للنموذج الرأسمالي لم تحل التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالمصالح الاقتصادية للفئات النخبوية في المجتمعات المختلفة لم تؤد إلى وقف النزاعات والحروب، كما روج لذلك توماس فريدمان الذي أعلن نفسه ناطقا رسميا لليبرالية الجديدة. التحدي الكبير جاء من اميركا اللاتينية بانتصار متوال لليسار في الانتخابات الرئاسية؛ من فنزويلا إلى البرازيل، ومن تشيلي إلى البيرو، فلم تعد كوبا الجزيرة المحاصرة ايدلوجيا وسياسيا في باحة الولايات المتحدة الخلفية. لكن ثورة باريس وطوفان تحدي المهاجرين اللاتينيين في كاليفورنيا يبعث الحياة جديدا في الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية، اذا انضمت فئات جديدة وكبيرة متضررة إلى الأصوات التي هتفت في سياتل في أواخر التسعينيات ضد سيطرة المصالح الهائلة للشركات الكبيرة. انتصار ثورة باريس، لا يعني في الوقت نفسه، عودة اليسار الشيوعي؛ فعهد المسلمات والحتميات الايدولوجية انتهى، وإن كانت الايدلوجيات السياسية الدينية لا تزال تتمسك بمسلماتها المطلقة. تطلق باريس صرخة استغاثة وانذار بأنّ العالم لا يمكن أن يمضي ساحقا أجساد وأرواح الفقراء ومعظم سكان هذا العالم لإثراء القلة المتربعة في عرش هذا الكوكب. لكن وللأسف فإنّ مسؤولي وصانعي السياسات الاقتصادية في منطقتنا، وبالعالم العربي، لا زالوا يرددون اناشيد"الليبرالية الجديدة" ويروجون لها كمسلمات حضارية لا نقاش فيها؛ فتمضي الحكومات تحت الضغط الدولي برفع الدعم عن المواد الأساسية، وخصخصة التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية، فيما تصرخ باريس بأن على العالم أن يعيد النظر في هذه السياسات. وفي عالمنا العربي يتغنى المثقفون بالنقد الذاتي للحالة الاجتماعية السياسية الاقتصادية الذي تضمنته تقارير التنمية الانسانية، ولكن لا يحركون ساكنا وبعضهم يشارك او شارك في فرض سياسات تضرب التنمية الانسانية والانسان معا! فما الفائدة من هذه التقارير إذا لم نتحد، او حتى نناقش، السياسات المفروضة التي تسحق فرص الناس في حياة افضل؟
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|