سيناريوهات تركيبة الحكومة الاسرائيلية القادمةالثلاثاء 18/4/2006 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
يطمح المكلف بتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، ايهود اولمرت، الى انهاء تشكيل الحكومة قبل الثامن من شهر ايار/ مايو القادم، اليوم الاول لبدء اعمال الكنيست الـ 17 والدورة الصيفية له، بعد ان حدد الشركاء المحتملين لحكومته، وبعد ان استثنى حزب الليكود، وكتلة اليمين المتطرف "هئيحود هليئومي"، في حين ابقى الباب مفتوحا امام كتلة اليمين المتطرف الثانية، "يسرائيل بيتينو"، كما استثنى كتلة ميرتس، وبطبيعة الحال فإن استثناء الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في اسرائيل كان استثناء متبادل. لقد سمحت نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية، التي جرت في نهاية الشهر الماضي آذار/ مارس، لاولمرت ان يشكل ائتلافا سهلا، من دون أية عوائق بالنسبة له، متجانسا بمعظمه، ولن يعارضه في برنامجه السياسي، الذي في صلبه فرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، ليضم الى جانب "كديما"، 29 نائبا، ايضا "العمل" 19 نائبا، والمتقاعدين 7 نواب، وكتلتي المتدينين الاصوليين (الحريديم) "شاس" 12 نائبا، و"يهدوت هتوراة" 6 نواب، وهذا لوحده يشكل ائتلافا من 73 نائبا، وكان بالامكان استقبال كتلة ميرتس التي عرضت نفسها للشراكة أكثر من عرض "كديما" عليها. إلا ان اولمرت، وحزبه "كديما، اقدما على "مفاجأة" باصرارهما على ضم "يسرائيل بيتينو"، وحين نقول مفاجأة فإن هذا ليس مرّده العامل السياسي بالاساس، وانما العامل الشخصي، فاولمرت زامل ليبرمان في حكومة اريئيل شارون، ويعرف اولمرت كيف أن ليبرمان كان رأس حربة في القلاقل داخل تلك الحكومة، وخاصة حول خطة ما يسمى بـ "فك الارتباط"، كما ان اولمرت نفسه يعلم ان ليبرمان، وحتى لو قبل بالخطوط العريضة التي سيفرضها، فإن التجربة معه تؤكد انه لن يكون وزيرا "مطيعا" في حكومته، على العكس، وانما اولمرت وفي حال ضم ليبرمان، فإنه يزرع بنفسه الالغام في طريق عمل حكومته القادمة. ونستعرض في ما يلي سيناريوهات تركيبة وشكل عمل الحكومة القادمة، التي قد تظهر للملأ حتى النصف الاول من الشهر القادم.
التركيبة الأسهل من ناحية اولمرت
وكما ذكر بداية فإن التركيبة الأسهل والاسرع لاولمرت، هي ان يرضى بأغلبية 73 نائبا ثابتة، من: كديما"، 29 نائبا، ايضا "العمل" 19 نائبا، والمتقاعدين 7 نواب، وكتلتي المتدينين الاصوليين (الحريديم) "شاس" 12 نائبا، و"يهدوت هتوراة" 6 نواب، مع احتياط من كتلة "ميرتس" بنوابها الخمسة، التي في حال عدم ضم "يسرائيل بيتينو" فإنها ترغب بالانضمام للحكومة، إلا أن هذه "الرغبة" ليست متبادلة، لأن اولمرت يعتقد انه بضم ميرتس، فإنها ستنضم من حيث المواقف الى حزب "العمل"، وستكون "كديما"، امام كتلة شبه موازية لها من حيث العدد في القضايا السياسية. وقد تكون هذه تركيبة (من دون ميرتس) سهلة امام اولمرت في القضايا السياسية، ولكنها ليست مريحة له من الناحية الاقتصادية، فجميع الكتل البرلمانية توافق على الخطوط العريضة السياسية التي في مركزها فرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، وقد يتلكأ حزب "العمل" في الانخراط كليا في هذا المخطط، ولكنه أعد لنفسه مسبقا "مخرج الهرب"، حين اعلن ضمن برنامجه السياسي ان الخطط احادية الجانب ستكون المفر الأخير في حال اثبت عدم وجود شريك فلسطيني، وفي حال قيادة حركة حماس للحكومة الفلسطينية، من وجهة نظر اسرائيلية، فإن صيغة "عدم وجود شريك فلسطيني"، اصبحت "حقيقة" اسرائيليا، بتجاهل تام للرئاسة الفلسطينية ولدور منظمة التحرير الفلسطينية. بمعنى ان حتى حزب "العمل" لن يتمرد على هذا المخطط ولن يرفضه، خاصة وان استطلاعات الرأي في اسرائيل، المتأثرة مباشرة من الاعلام وحدة الخطاب السياسي، تشير الى وجود اغلبية في الشارع الاسرائيلي لمخططات احادية الجانب. أما في القضايا الاقتصادية، فإن اولمرت سيواجه مشكلة جدية في الابقاء على السياسة الاقتصادية التي ثبتها وزير المالية السابق في حكومة الليكود، بنيامين نتنياهو، التي تعتمد بالاساس على القضاء تدريجيا على مخصصات الضمان الاجتماعي المختلفة، خاصة تلك المتعلقة بالبطالة المزمنة، ومخصصات الأولاد (تدفع عن كل ولد دون سن الـ 18 لكل عائلة)، الى جانب خصخصة القطاع العام برمته، وتقديم محفزات ضريبية وغيرها للمستثمرين، تحت غطاء فتح المزيد من اماكن العمل في اسرائيل. رغم ان هذه السياسة المنتهجة عمليا منذ خمس سنوات لم تحل مشكلة الفقر الذي استفحل بنسبة حوالي 33% خلال السنوات الخمس الأخيرة، والبطالة انخفضت رقميا، ولكن بسبب الاعمال الجزئية التي اضطر العاطلون عن العمل القبول بها، رغم انها لا تؤمن لهم الحد الأدنى من الأجر. ولكن هنا تجدر الاشارة الى ان اولمرت لا يقف اليوم امام كتل برلمانية في التركيبة المفترضة هنا، تدعو الى ثورة اجتماعية في القضايا الاقتصادية، فكل طرف من هذه الأطراف جاء ليمثل قطاعا معينا، وستكفيه اتفاقيات جانبية معه لكسر الاجماع المفترض بين الكتل الشريكة لكديما في هذه الحكومة. فمثلا كتلتا شاس و"يهدوت هتوراة"، اللتين تمثلان جمهور المتدينين الاصوليين (الحريديم) ستهتمان بالاساس في دعم المعاهد الدينية والمدرسية الواقعة تحت سيطرتهما، فدفق الميزانيات على هذه المؤسسات سنعكس بالتالي على اوضاع الحريديم، وحتى في قضية مخصصات الأولاد، التي يستفيد منها الحريديم، لكونهم اكبر قطاع للعائلات كثيرة الاولاد، فسيقبلون في مرحلة ما تعويضا التفافيا عن خصم هذه المخصصات، باعتبار ان رفع المخصصات ستستفيد منه العائلات العربية، وهذا لن يُعلن جهارة، ولكنه تحصيل حاصل للسياسة الاقتصادية، ومحاولة كهذه لمسناها بقوة في الكنيست السابق. اما كتلة المتقاعدين، التي تضم سبعة نواب، فإن اجندتها واضحة، وهي تحسين وضعية المتقاعدين وكبار السن في اسرائيل، من خلال رفع مخصصات الشيخوخة، لمن ليس لديهم راتب تقاعدي، وتقديم تسهيلات أكثر في الخدمات الصحية، وشراء الادوية المدعومة اصلا، وهذه الكتلة على استعداد للقبول بكل سياسة اقتصادية، تضمن على الاقل تنفيذ مطالبهم. ولربما ان حزب "العمل" يظهر للوهلة الأولى وكأنه ليس حزبا قطاعيا، ولكنه حزب شارك في السياسة الاقتصادية الحالية من خلال مشاركته في حكومة اريئيل شارون، ولن يختلف الأمر كثيرا بعد تغيير رئيس "العمل"، فرئيس اتحاد النقابات السابق عمير بيرتس، سيكون "مطالبا" بالأخذ بعين الاعتبار المصالح "الوطنية العليا لاسرائيل"، وان لا يتسبب بمطالبه الاقتصادية بهروب كبار المستثمرين من البلاد. ونذكر في هذا السياق فإن اتحاد النقابات، "الهستدروت"، تركز في السنوات الأخيرة بقيادة بيرتس، في الدفاع عن النقابات الكبرى، ولم يخض الهستدروت أي معركة نضالية جدية لصالح الشرائح الفقيرة والمتوسطة، فقد تبنى بيرتس نهجا اعتمد على ان "رضى النقابات الكبيرة" يعتبر انجازا له، وهو لم يبحث عن أكثر من ذلك. إن المطلب الأكبر الذي يطرحه حزب "العمل" هو رفع الحد الأدنى من الأجر من 740 دولارا اليوم، الى 1000 دولار، بشكل تدريجي وخلال ثلاث سنوات، وهذا ما يعارضه المشغلين وقادة الاقتصاد في اسرائيل في القطاعين العام والخاص، بزعم ان هذه الخطوة ستؤدي الى فصل جماعي من اماكن العمل و"انهيار" قطاعات خدماتية واسعة تعتمد على الحد الأدنى من الأجر، وهروب مستثمرين سيبحثون عن ايدي عمل رخيصة، وقد يقبل بيرتس بهذه المسوغات، ليقبل بالتالي بتعويض أقل بقليل، يسجل له كانجاز، ويضمن نفسه البقاء بهدوء في حكومة "كديما". وحتى الآن فإن كل التوقعات تشير الى أن بيرتس سيتولى حقيبة الأمن (الدفاع)، في اعقاب رفض اولمرت اسناد حقيبة المالية له، بادعاء ان تولي بيرتس لحقيبة المالية سيؤدي الى هجرة المستثمرين الذين "سيتخوفون من سياسته"، وقد يقبل في نهاية الأمر بيرتس هذه الحقيبة، لأن في حساباته الشخصية يريد أن يصل في المستقبل الى رئاسة الحكومة، التي تتطلب، حسب المفاهيم الاسرائيلية المعسكرة، "خبرة أمنية" لقيادة البلاد. بمعنى آخر فإن الأجندة الاقتصادية الاجتماعية، وعلى الرغم من التركيز عليها في هذه الأيام، لا تشير الى أي انقلاب في السياسة الاقتصادية الاسرائيلية، على الرغم من المعطيات الاقتصادية "الخطيرة"، بالنسبة للشارع الاسرائيلي، الذي حتى الآن لم يستفد من النمو الاقتصادي الحاصل في السنوات الثلاث الأخيرة، من 3% الى 4,5%، فحسب تقارير بنك اسرائيل فإن هذا النمو يقتصر على اصحاب العمل ورؤوس المال، بينما معطيات الفقر تتواصل في الارتفاع، رغم الانخفاض الرقمي لاعداد العاطلين عن العمل.
الربح والخسارة في ضم ليبرمان
والمقصود هنا الربح والخسارة بالنسبة لاولمرت، وسير اعمال الحكومة في الفترة القادمة، في اعقاب ضم حزب "يسرائيل بيتينو"، فاولمرت، وحسب ما يصدر عن المقربين منه، ينظر الى هذا الحزب على انه حزب المهاجرين الجدد، وقد حصل على حصة الأسد من اصواتهم، رغم ان هذا الحزب هو الحزب الثاني بين قوى اليمين المتطرف، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية، كذلك فإن ليبرمان نفسه يتبع سياسة يمينية متطرفة، في غاية العنصرية في كل ما يتعلق بالعرب في اسرائيل. ورغم المتاعب المؤكدة التي ستواجه اولمرت في ضمه لليبرمان الى الحكومة، إلا انه يرى في هذا الضم، ايضا، سندا له في الاستمرار في السياسة الاقتصادية في داخل الحكومة، امام وزن حزب "العمل" و"شاس" والمتقاعدين، وعلى ما يبدو فإن اولمرت الذي اعلن ان البدء بتنفيذ الخطط احادية الجانب لن يكون قبل العام 2008، يبني على اعتقاد بأن بامكانه في فترة لاحقة بناء ائتلاف آخر. ولكن التجربة علّمت ان وجود ليبرمان في الحكومة سيعزز المعارضة اليمينية في داخل الائتلاف الحكومي، وقد يواجه اولمرت في نهاية المطاف ما واجهه اريئيل شارون عند البدء بتنفيذ ما يسمى بـ "خطة فك الارتباط". كذلك فإن ضم ليبرمان الى الحكومة سيؤزم شبه العلاقة بين الحكومة وبين العرب الفلسطينيين في اسرائيل، خاصة وان نوايا ليبرمان، كان اعلنها سابقا، فهو يريد حقيبة الأمن الداخلي (الشرطة) "لمعالجة العرب"، وتسريع عمليات هدم البيوت بحجة البناء غير المرخص، وغيرها من النوايا العنصرية، ويعلن اولمرت ان ليس لديه مشكلة في اسناد حقيبة الشرطة لليبرمان، رغم انه كان متورطا في السابق في تحقيق جنائي بوليسي، بعد ان ضرب طفلا يهوديا في مستوطنته. ومن جهة أخرى فهناك من يراهن على ان اولمرت في نهاية المطاف لن يضم ليبرمان الى حكومته، وان كل هذه المفاوضات ستصطدم في نهاية المطاف في عقبة ما، وضعها اولمرت مسبقا، ليسجل امام الشارع الاسرائيلي ان اولمرت لم يُصد اليمين المتطرف في الطريق الى حكومته، وانما اليمين نفسه هو الذي رفض الانضمام.
تبعات ابقاء الليكود خارج الحكومة
منذ اللقاء التفاوضي الاول كان واضحا ان حزب "الليكود" المتهاوي لن يدخل الى الحكومة، وهذا ما اعلن رسميا بعد الجولة الاولى من المفاوضات، وللوهلة الاولى يظهر وكأن الليكود يريد ان يكون كتلة المعارضة الأولى في الكنيست وان يكون رئيسة بنيامين نتنياهو "زعيم المعارضة" الذي يمنحه القانون امتيازات وزير، ويفرض على رئيس الحكومة تقديم تقارير شهرية سرية له. ولكن الحقيقة تنبع في امرين، الأول ان الليكود على قناعة بأن دخوله الى الحكومة لن يضمن له أي من الحقائب الهامة جدا، فهو الكتلة الرابعة في الكنيست بعد "كديما" و"العمل" و"شاس"، وحتى انه يبعد عن الكتلة الخامسة(يسرائيل بيتينو) بـ 116 صوتا فقط، ضمنت له مقعدا اضافيا. أما الأمر الثاني فإن الموقف في الليكود يشهد اجماعا، ولكن ليس من منطلق الوحدة، وانما من منطلق التفرغ لتصفية حساب قاسية مع رئيس الحزب بنيامين نتنياهو، رئاسته للحزب وجهت ضربة قاصمة للمرّة الثانية للحزب خلال سبع سنوات، وكانت الأولى في العام 1999، حينما انهار الليكود الى 19 مقعدا، وبينما قيادة اريئيل شارون منحت الليكود في العام 2003 ثمانية وثلاثين مقعدا، والآن يعود نتنياهو لرئاسة الحزب ليعيد قوة الحزب الى ما كانت عليه في مطلع سنوات الخمسين من القرن الماضي مع 12 مقعدا. والأشهر القليلة القادمة ستكون مصيرية لهذا الحزب، احد الحزبين التقليدين الاكبرين السابقين في السياسة الاسرائيلية، وقد بدأ عدد من قادة الحزب يعدون العدة لاقصاء نتنياهو عن رئاسة الحزب، ونتيجة هذه المحاولة ستكون ظاهرة حتى الخريف القادم.
المرحلة المقبلة
رغم ان الكنيست بدأ في السابع عشر من نيسان/ ابريل دورته الجديدة رسميا، إلا انه سيبدأ مزاولة اعماله في النصف الاول من الشهر القادم ايار/ مايو، لفترة قصيرة تدوم شهرين ونصف الشهر ليخرج الى عطلة صيفية لنفس الفترة ثم يعود الى الدورة الشتوية. وما من شك ان التشكيلة النهائية للحكومة ستحدد اجندتها ومعرفة مصيرها، بناء على ما ستحتويه من تناقضات حزبية وسياسية، ولكن في المجمل العام فإننا مقبلون على فترة جمود سياسي تنشغل فيها الحكومة في ترتيب اوراقها والتاقلم مع الواقع الجديد، وكذا الامر بالنسبة للأحزاب، رغم ان الحكومة الجديدة ستكون مطالبة منذ يومها الأول اقرار ميزانية اسرائيل للعام الحالي التي كان من المفروض ان تكون مقررة منذ مطلع العام، وما أن تقر هذه الميزانية، لتبدأ فورا في اعداد ميزانية العام 2007، أي ان الشغل الشاغل للحكومة حتى نهاية العام الجاري سيتركز في اقرار ميزانيتين، وهي حالة غير مسبوقة في السياسة الاسرائيلية، وستنعكس بشكل مباشر على تحركات الحكومة على الصعيد السياسي.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|