إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الأزمات الحزبية الداخلية ما لبثت ان تنهض بعيد الانتخابات

تململ الجنرالات في "العمل" و"كديما"

الثلاثاء 2/5/2006
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*توزيعة الحقائب في الحزبين الكبيرين ابقت كبار الجنرالات بعيدا عن الحقائب الكبرى *في "العمل" كان نتيجة موازين القوى الداخلية وفي "كديما" نتيجة حطة الحزب بالحقائب *في المحصلة الجنرالات لن يهدأوا طوال اربع سنوات قادمة*

يظهر من توزيعة الحقائب الوزارية شبه النهائية في حزبي "كديما" و"العمل"، ان كبار جنرالات الاحتياط في الجيش والمخابرات، بقوا بعيدين عن الحقائب الوزارية الكبرى والحساسة، خاصة في مجال الأمن والعسكرة، وهو مشهد حكومي الأول من نوعه منذ 58 عاما، إذ كان يسعى كل رئيس حكومة، خاصة إن لم يكن جنرالا، ان يكون من حوله جنرالا واحدا على ألاقل، وأحيانا أكثر.
وبعد النظر في ملابسات تعيين الوزراء في الحزبين الكبيرين، يتضح انه من المستبعد ان تكون الحصيلة النهائية للجنرالات مقصودة مسبقا، او نابعة من توجه مدني جديد في المؤسسة السياسية، التي تعطي وزنا كبيرا لدى اتخاذ قراراتها للمؤسسة العسكرية، وهذا ما اتضح مثلا في تعديل الخطوط العريضة لحكومة اولمرت، في القسم السياسي، فالعنوان العريض لخطة اولمرت احادية الجانب اصبح "تقليص السيطرة على المناطق"، بدلا من "خطة التجميع"، ورغم ان العنوانين يصبان في نفس الهدف، إلا ان "خطة التجميع" فيه توضيح عيني لاخلاء مستوطنات صغيرة ونائية، وقد ظهر مصطلح "تقليص السيطرة"، لأول مرة، في التقرير الاستراتيجي الذي اعده طاقم امني رفيع، عمل على مدى عام ونصف العام ليضع الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى لاسرائيل، وهو التقرير الثاني من نوعه في تاريخ اسرائيل، ولكن الأول كان قبل خمسين عاما، ووضعه رئيس الحكومة الأول دافيد بن غريون.
ولكن مهما تكن الملابسات، فمن حيث الجنرالات فإنه من الصعب السكوت على الأمر طوال اربع سنوات، وفي كلا الحزبين قد يصبح الجنرالات قبلة "الخائبين"، وهذا ما لفت النظر اليه المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" بن كسبيت، الذي انتبه الى المجموعة المركزية من الوزراء الاساسيين الذين سيشكلون نواة الطاقم الامني في الحكومة كلهم من المدنيين، فينص قانون اساس الحكومة على ان يضم الطاقم الأمني بالاساس، رئيس الحكومة (ايهود اولمرت) ووزير الأمن (عمير بيرتس)، ووزير الخارجية (تسيبي ليفني) ووزير المالية (متوقع أبراهام هيرشزون) ووزير القضاء (متوقع حاييم رامون)، وجميع هؤلاء من المدنيين، وليست لديهم خبرة أمنية قيادية واستراتيجية، وبطبيعة الحال فإن الطاقم سيضم وزراء آخرين يعينهم رئيس الحكومة، وحسب ما نقرأ فسيكون من بينهم وزير الأمن الداخلي (متوقع الجنرال آفي ديختر)، والوزير المتوقع الجنرال شاؤول موفاز، ايا كانت حقيبته، ولكن النواة الاساسية، تبقى في يد المدنيين.
ويتوقع الكثير من المحللين والمراقبين في اسرائيل ان أزمة توزيع الحقائب في الحزبين "العمل" و"كديما" ستكون نواة الأزمات القادمة في كلا الحزبين، وستتأجج الأزمات مع تقدم عمل الحكومة في الفترة المقبلة.

"كديما"

بعد أن اصر رئيس الحكومة ورئيس "كديما" على ان حقيبة المالية في نظره أهم من حقيبة الأمن، فقد "منح" الأمن لحزب "العمل" رغم ان لديه جنرالان كبيران، رئيس اركان الجيش الاسبق شاؤول موفاز، ورئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" السابق، آفي ديختر، تنافسا بقوة، وحتى خلال الحملة الانتخابية على هذه الحقيبة، فقد رأى اولمرت ان تأثير زعيم حزب "العمل"، عمير بيرتس، في وزارة الأمن الخاضعة بالاساس للمؤسسة العسكرية وقادتها، سيكون أقل بكثير من تأثيره في وزارة المالية، التي من الممكن ان يغير سياستها الاقتصادية.
وهذا الاعتبار واجهه رغبة لدى بيرتس نفسه، بأن يلصق لنفسه طابعا أمنيا، الى جانب الطابع الاجتماعي ليكون مهيئا مستقبلا لتولي رئاسة الحكومة.
وعمليا فإن هذا أدى الى ابعاد موفاز وديختر معا عن هذه الحقيبة الرفيعة والمقررة، وقد يحصل ديختر حقيبة "الامن الداخلي" (الشرطة)، والقريبة جدا من عمله السابق، ولكنها اقل وزنا بكثير مما كان يطمح اليه، أما موفاز، فإنه سيحصل على حقيبة مدنية، مع وعد بأن يكون ضمن الطاقم الأمني، من باب "الترضية".
ولكن ليس وحدهما فهناك ايضا "الجنرال" غدون عيزرا، نائب اسبق لرئيس "الشاباك" وكان يتولى حقيبة "الأمن الداخلي"، وهو الآن مطالبا بالتخلي عنها لصالح ديختر، وهو ما سيؤدي الى ابعاده عن الطاقم الوزاري المقلص.
وتوقع مراقبون ان يشكل الثلاثة نواة معارضة هادئة بداية لكل خطوة يتخذها اولمرت مستقبلا في ما يتعلق بفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية، وقد يكونوا نواة لمجموعة ليست بقليلة من "الخائب املهم" في كديما، الذي حصل على 29 مقعدا، وهذا ما قد يمنحه 11 حقيبة وزارية، اضافة الى اربع مناصب برلمانية مثل رئاسة الكنيست ونيابتها ورئاسة لجنتين برلمانيتين، وهذا يعني ابقاء حوالي نصف الكتلة خارج الوظائف الهامة، خاصة بعد الغاء منصب نواب الوزراء في هذه الحكومة بقرار من اولمرت وبيرتس سوية.
ويشار هنا الى ان توزيعة الحقائب دفعت بعضو الكنيست عن "كديما" البروفيسور اوريئيل رايخمان للاستقالة من عضويته في الكنيست بعد اسبوع واحد من تأديته القسم القانون كعضو كنيست، احتجاجا على عدم توليه حقيبة التعليم، التي نقلت الى حزب "العمل" لتتولاها حسب التوقعات النائبة يولي تمير.
ويؤكد رايخمان، رئيس مركز الدراسات متعدد المجالات في هرتسليا، ان رئيس الحكومة السابق، اريئيل شارون، كان اقنعه بالانضمام الى "كديما" والترشح ضمن قائمتها، مقابل حصوله على حقيبة التعليم، وحين اتضح ان هذا لن يكون، اعتبر الأمر بمثابة نقض اتفاق، وقرر التخلي عن السياسة بكل هذه السرعة والعودة الى منصبه الرفيع في الاكاديمية الاسرائيلية، ولاقى في المقابل تأييدا واسعا في الاعلام الاسرائيلي لخطوته، بادعاء انه اثبت مصداقية قلّ وجودها في السياسة الاسرائيلية.

"العمل"

كما يظهر فإن الأزمة في حزب "العمل" أكثر سخونة وعاصفة جدا، من الصعب تخيلها تهدأ بسرعة، فقد ابقى بيرتس خارج التوزيعة اربعة جنرالات بارزين، وهم رئيس "الشاباك" الأسبق عامي ايلون، ورئيس الموساد الأسبق داني يتوم، والجنرال متان فلنائي، والجنرال افرايم سنيه، الذي كان موعودا بمنصب نائب فعلي جدا لوزير الأمن، الى ان الغي منصب نواب الوزارء في هذه الحكومة، وتمت ترضيته برئاسة الكتلة البرلمانية، ولكن الأزمة لن تقتصر عليهم بل سيواجه بيرتس معارضة ايضا من نواب "مدنيين" سينضمون للجنرالات، الذين قد يدعمهم من الخارج الجنرال ورئيس الحكومة الاسبق ايهود براك.
ولكن المؤشرات تقول ان اختيار بيرتس للوزراء في حكومة اولمرت لم يتعمد استبعاد الجنرالات، وانما اراد ضمان سكوت اصحاب مراكز القوى في حزب "العمل"، ومن بينهم يوجد جنرال واحد، وحتى انه من الصف الثاني للجنرالات، بنيامين بن اليعيزر.
فكما هو معروف انتخب بيرتس رئيسا للحزب، في الخريف الماضي، وتركيبة اللجنة المركزية للحزب لم تتغير، بل بقيت على تركيبتها الماضية وهي مكونة من 1500 عضو، وصاحب النفوذ الأبرز هو بن اليعيزر، كما هناك نفوذ للنائبين "الشابين" الصاعدين يتسحاق هيرتسوغ واوفير بينيس، اضافة الى ممثل القرى التعاونية شالوم سمحون، ولهذا فقد اراد بيرتس بداية ضمان هؤلاء ليضمن لنفسه قاعدة واسعة في اللجنة المركزية، يضاف اليهم بيرتس نفسه، والوزيرة المقربة منه، والمقبولة على صفوف الحزب يولي تمير، وسكرتير عام الحزب ايتان كابل، وهو ايضا صاحب شعبية واسعة في صفوف الحزب.
ولكن بيرتس لم يفرط بالجنرالات فحسب بل حتى بأقرب المقربين منه، رئيس جامعة بئر السبع السابق افيشاي بارفرمان، الذي ضمّه بيرتس للحزب في الاشهر القليلة الماضية، وجعل منه نجما ساطعا في الحملة الانتخابية، ووعده بأن يحصل على وزارة المالية في حال شكّل الحكومة، وكان ينتظر تعويضا من بيرتس بحقيبة أخرى في التركيبة النهائية، ولكنه لم يحصل عليها، بل حصل على وعد غريب، وهو ان بارفرمان سيحصل على حقيبة وزارية مستقبلا، ولكن لم يفسر بيرتس كيف من الممكن ان يتم هذا.
وايا تكن الاسباب فإن الجنرالات يعتبرون انفسهم مستبعدين عن دائرة القرار، وسيرون كباقي جنرالات "كديما" ان الأمور العسكرية والأمنية الحساسة تدار من قبل مدنيين، كانوا "جنودا صغار"، وسيكونوا عمليا تحت أمرة كبار قادة الجيش والمخابرات من دون أي وجهة نظر عملية وشخصية للوزراء، وحتى لرئيس الحكومة.
وقد وقع الصدام الأول بين بيرتس ومجموعة الجنرالات في اجتماع اللجنة المركزية للحزب في مطلع الاسبوع، فجاء بيرتس، "ليصفي حساباته" معهم، بعد ان هاجموه في وسائل الاعلام، وتكلم بسخرية بالغة بأن الجنرالات اصبحوا يتحدثون عن القضايا الاجتماعية، الأمر الذي اثار غضب يتوم وفلنائي وايالون، فسارع بيرتس للاعتذار، وادعى ان هذا كان من باب "المزاح".
وفي نفس الاجتماع نجح بيرتس في فرض ارادته باغلبية ضئيلة جدا، اعتبرها الجنرالات انجاز لهم، كما وصف هذا عامي ايالون، إذ قال للتلفزة الاسرائيلية، انه على الرغم من ان اقتراحه هو وزملاءه سقط باغلبية ضئيلة، إلا ان حجم التاييد الذي حصلوا عليه يجب ان يضيء ضوءا احمر لبيرتس مستقبلا.
ولكن ما نشهده في حزب "العمل" لن يصل الى درجة الاختلافات الجوهرية، إلا ان هذه الأزمة ستؤجج المعركة القادمة في حزب "العمل" حتى الانتخابات القادمة لرئاسة الحزب، وقد ينافس بيرتس في هذه المرّة أحد الجنرالات البارزين، وقد يكون ايالون نفسه، اضافة الى اعضاء كنيست آخرين.

ابعد من التمرد

رغم ما تنشره وسائل الاعلام الاسرائيلية من محاولات تمرّد في كلا الحزبين، إلا ان المؤشرات تؤكد ان هذه ليست اكثر من فقاعات اعلامية مرحلية، فنحن لسنا امام حالة تمرّد كتلك التي كانت في حزب الليكود وأدت الى تدميره وجعله حزبا في رابع منزلة في الكنيست مع 12 مقعدا، فجميع السياسيين، وخاصة المتمردين الجدد، يعلمون ان الكنيست افرزت حالة برلمانية لم تكن في السابق، ولهذا من الصعب التنبؤ بمستقبل التقلبات السياسية والحزبية، وهم سيختارون الانتظار الى حين اتضاح الصورة، ولكن إن حدثت في المستقبل حالات تمرد، فإن خارطة الاسماء البارزة ستكون تلك الواردة هنا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر