إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تركيبة برلمانية اسرائيلية تولد حكومة أزمات


الثلاثاء 2/5/2006
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*ثلاثة محاور رئيسية لأزمات حكومة اولمرت تهدد كيانها مستقبلا: في المفل السياسي، والملف الاقتصادي الاجتماعي وملف علاقة الدين بالدولة *حكومة تجمع بين الكثير من التناقضات التي قد تنفجر في كل لحظة*

من المفترض ان يعرض رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت، حكومته الجديدة على الكنيست الاسرائيلي، يوم الخميس القريب من الاسبوع الجاري، وفي حال حصل أي طارئ فإنه قد يعرضها في مطلع الاسبوع القادم، ويتضح من ملامح هذه الحكومة انها ليست بأفضل حال من البرلمان (الكنيست) الذي انتخب في نهاية آذار/ مارس الماضي، فأمام برلمان مشرذم، شكل اولمرت حكومة تجميع بين تناقضات كثيرة، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية الاجتماعية، حتى في القضايا المدنية، وعلى رأسها قضية علاقة الدين بالدولة، وقوانين الاكراه الديني.
وعمليا فنحن امام حكومة أزمات من نوع جديد، تضع سلسلة من علامات السؤال على مستقبلها وثباتها، وهذا يعكس حالة التخبط الكبيرة التي يشهدها الشارع الاسرائيلي منذ مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي وحتى اليوم، ولعل أفضل وصف لهذا الامر قرأناه في تعليق الرئيس الاسبق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، عامي ايالون، العضو البارز في حزب "العمل" حين قال بعد يوم من توقيع حزبه مع حزب "كديما" اتفاق الشراكة بينهما، "إن الحكومة القادمة منسلخة عن الجمهور حتى قبل اقامتها، ففي مرحلة معينة من المفاوضات الائتلافية نسي ايهود اولمرت وعمير بيرتس ان عليهما ادارة دولة...".
فقد تركز زعيما الحزبين الأكبرين في ايجاد صياغات لغوية لا تغير من جوهر المخطط احادي الجانب الذي طرحه اولمرت، لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية، ولم ينتبها كفاية الى باقي الالغام المزروعة مسبقا امام حكومتهما المقبلة.
ويضم الائتلاف الحكومي ثلاث كتل من حيث المواقف، الكتلة الأولى ستضم حزب "كديما" الحاكم مع 29 مقعدا، وينضم اليه حزب المتقاعدين الذي حاز على سبعة مقاعد، وليس على اجندته سوى مصالح المتقاعدين الاجتماعية، وسلّم امره، باتفاق موقع، لحزب "كديما" في باقي القضايا، اما التتل الثاني سيضم حزب "العمل" بمفرده، إلا أذ قرر اولمرت في نهاية المطاف ضم كتلة ميرتس اليسارية الصهيونية، والتكتل الثالث سيضم كتلتي المتدينين الاصوليين الحريديم، "شاس" (لليهود الشرقيين) مع 12 مقعدا، و"يهدوت هتوارة" (لليهود الغربيين) مع 6 مقاعد.
وفي المقابل فقد ترك اولمرت من ورائه معارضة يمينية متشددة شرسة تضم ثلاث كتل، الليكود و"يسرائيل بيتينو" و"هئيحود هليئومي" ولها مجتمعة 33 مقعدا، ستبذل جل جهودها لتأليب جمهور المستوطنين واليمين الاسرائيلي المتطرف ضد الحكومة القادمة خاصة إذا ما قررت الشروع بتنفيذ مخططاتها احادية الجانب.

ثلاث محاور للازمات في حكومة اولمرت

ستصطدم حكومة ايهود اولمرت بثلاث محاور مركزية، ستكون مولدة لازمات برلمانية قد تهدد في بعض الاحيان كيان الحكومة، وهذا عدا الأزمات الداخلية في بعض احزاب الائتلاف، ونستعرض هنا المحاور الثلاث.

المحور الأول: لا شك في انه الملف السياسي، وقد لا يكون مركز التصادم الأول بل في مرحلة ستأتي متأخرة، ولكن عند فتحه سيخلق أزمة ضخمة، وهذا يجعله في المرتبة الاولى من حيث قوة التأثير، فالحكومة الجديدة الماثلة امامنا صاغت عنوانها المركزي بأنها ستسعى الى خطة احادية الجانب، وتفرض حدودها مع الضفة الغربية من جانب واحد، بزعم "غياب الشريك الفلسطيني"، وما يظهر للعيان وكأن كافة الأحزاب المشاركة، بما فيها احزاب الاصوليين، موافقة من حيث المبدأ على هذا المشروع، القاضي باخلاء بعض المستوطنات النائية والصغيرة وتأوي 60 الف مستوطن، وضمها لسبع كتل استيطانية تأوي نحو 420 الف مستوطن، بما فيها الاحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.
ومن حيث نظرة الشارع الاسرائيلي فإن الحديث يجري عن "انسحابات" من الضفة الغربية، و"اخلاء مستوطنات"، وهذا ما لن تسلم به احزاب اليمين التي ستقود معركة قاسية في مركزها المستوطنون وقوى اليمين المتطرف، رأينا بعضا منها في قطاع غزة، ولكن الاعتبارت في الضفة الغربية، التي في نظرهم "يهودا والسامرة التوراتية"، تبقى مختلفة من حيث القيمة.
والسؤال الابرز في موازين القوى البرلمانية يتركز في موقف الشريكين الاصوليين في الائتلاف، "شاس" و"يهدوت هتوراة"، اللذين سيخضعا لضغوط جمّة من اليمين الاسرائيلي، وقد يكون الوضع اصعب من ناحية "شاس"، التي جمهور مصوتيهما يصل الى معاقل اليمين، بخلاف جمهور "يهدوت هتوراة" الذي يقتصر عمليا على الحريديم الاشكناز، الذين في جوهر عقيدتهم لايرون قيمة كبرى لمساحة اسرائيل الحالية من حيث ما تنص عليه التوارة.
وإذا لم يكن هذان الحزبان راضيان من ناحية الميزانيات وقوانين تتعلق بالدين والدولة، فإنهما سينتهزان فتح هذا الملف ليغادرا الحكومة وينضما للمعارضة، ومن دونهما لا توجد اغلبية لحكومة اولمرت، فحتى وإن حصل على تأييد كتلة ميرتس فإنه سيصل الى تأييد 60 نائبا فقط، من اصل 120 نائبا.
ورغم ذلك فإن خطة اولمرت باتت موضع علامة سؤال من حيث القدرة على التنفيذ ليس فقط بسبب موازين القوى البرلمانية، وانما ايضا بسبب التحفظ والتردد لدى دول القرار الدولي، ومن بينها الولايات المتحدة في دعمها هذا المشروع، وايضا بسبب التطورات المستقبلية على الساحة الفلسطينية، ووصل أمر التشكيك بالتنفيذ الى قادة "كديما انفسهم.
فقد شكك قادة كبار في حزب "كديما" في ان يكون بامكان رئيس الحكومة ايهود اولمرت تنفيذ خطته، وقال مسؤولان كبيران لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية ولم يكشف عن هويتهما، ولكنهما من "العشرة الاوائل في الحزب"، ان هناك شكا كبيرا في ان يكون بامكان اولمرت تنفيذ خطته السياسية، "على ضوء الظروف البرلمانية، وان 60 نائبا فقط من اصل 120 نائبا مضمون تأييدهم لخطة كهذه، بمعنى عدم وجود قاعدة برلمانية واسعة لها، اضافة الى ان الأسرة الدولية ليست متحمسة لهذه الخطة" ويعتقد المسؤولان انه في نهاية الأمر فإن اولمرت سيبادر الى انسحاب جزئي محدود ولا اكثر من هذا، وحينها من المفترض ان تنشأ أزمة مع حزب "العمل"، وهذا كفرضية لا أكثر.
ولم يقتصر الامر على "كديما" بل ايضا في حزب "العمل"، فقد هاجم القيادي البارز في الحزب، الرئيس الأسبق للمخابرات العامة الاسرائيلية، عامي ايالون،هاجم الخطة، وقال، "إن اسرائيل لن يكون بامكانها ان تكون دولة آمنة للشعب اليهودي إذا لم تقم دولة فلسطينية، لقد احتجت شخصيا لسنوات طوال جدا لافهم هذا الواقع، كل ابناء جيلي احتاجوا وقتا كبيرا للنهوض من احلام ارض اسرائيل الكاملة، إن المسألة ليس كيف ننفصل عن الفلسطينيين، وانما كيف ننفصل ونفسح المجال لاقامة دولتين..".

المحور الثاني: هو المحور الاقتصادي الاجتماعي، وهو محور ساخن وسيكون الاول من حيث العامل الزمني، فلأول مرة في تاريخ البرلمان الاسرائيلي سيكون مطالبا باقرار ميزانيتين للعام الحالي 2006 والقادم 2007 في غضون ستة اشهر، فميزانية العام الحالي لم تقر بعد، وفترة اقرار الميزانية تعتبر موسم شد الحبل في داخل الائتلاف الحكومي، وتطرح كافة القضايا السياسية والمدنية للمقايضة مقابل تأييد الميزانية، وإذا قبلنا بالتقديرات ان الميزانية الحالية ستقر بسرعة بناء على اتفاقيات مسبقة (ابرمت ضمن اتفاقيات الائتلاف)، فإن مشاهد الأزمة سنشهدها اكثر في ميزانية العام 2007 في نهاية العام الجاري، وهذا يعني ان على اجندة الحكومة منذ الآن وحتى نهاية العام الجاري اقرار الميزانيتين فقط.
في الحملة الانتخابية المنتهية طرحت معظم الأحزاب وخاصة الشريكة في الائتلاف الحكومي الحالي قضايا اقتصادية اجتماعية على ضوء استفحال ظاهرة الفقر والجوع في اسرائيل، وهذا النقاش اثمر بفوز مفاجئ، لاول مرة، لحزب المتقاعدين الذين حصلوا على 6% من الاصوات وسبعة مقاعد، رغم ان كل استطلاعات الراي كانت تؤكد عدم اجتيازه نسبة الحسم 2%.
وحسب ما ينشر عن الخطوط العريضة للحكومة فيظهر وكأن هناك توافقا في القضايا الاقتصادية، التي طرحتها احزاب الائتلاف مثل رفع محدود للحد الادنى للأجر، وتعديل مخصصات الاولاد التي تدفع لكل عائلة عن كل ولد عندها دون سن الثامنة عشر، ورفع مخصصات المتقاعدين والمسنين، وغيرها من القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم وغيرها.
ولكن في كل بند من هذه البنود فيه تحفظات واستثناءات تبقي الباب مفتوحا للتفسيرات المختلفة بين الشركاء في الحكومة، وهذا اصبح أحد المشاهد المألوفة في الحكومات الاسرائيلية، وكل قضية من هذه القضية ستدور حولها أزمة تهدد كيان الحكومة.

المحور الثالث: علاقة الدين بالدولة، وهذه أزمة متدحرجة تؤجلها حكومات اسرائيل من حكومة الى أخرى، تحت غطاء الحفاظ على الوضع القائم، ولكن هناك معطيات متنامية في اسرائيل تزيد من جمهور "ضحايا" الشريعة اليهودية المتزمتة، كمسألة "من هو يهودي" التي لم تحلها اسرائيل منذ 58 عاما، إذ اصبح في اسرائيل اكثر من 300 الف يهودي ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم، وترفض حتى عقد قرانهم ولا تمسح لهم بالزواج حسب الشريعة، ودلّت أخر احصائيات ان 8% من عقود الزواج اليهودية في اسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة تعقد في الخارج اضطرارا، كزواج مدني لا زال ممنوعا ابرامه في اسرائيل ولكن معترف به قانونيا، والغالبية الساحقة من هؤلاء هم من اليهود المحرومين من اعتراف المؤسسة الدينية بيهوديتهم، والباقي يرفضون التقييدات الدينية التي يعتبرونها مذلة لهم عند عقد قرانهم.
كذلك فإن الأمر يمتد الى قانون منع العمل ايام السبت والاعياد وحركة المواصلات والمصاريف البالغة التي ينفقها المواطن في اسرائيل بشكل غير مباشر على السلع الغذائية نتيجة تعاليم الطعام الحلال والاشراف عليه، وغيرها من الأمور.
ولكن السؤال الأكثر سخونة في هذه الدورة البرلمانية سيكون امر اقرار قانون الزواج المدني، وقدمت منذ الآن سلسلة من مشاريع القوانين على جدول اعمال الكنيست، ولكن الحكومة ستكون مجبرة على معارضة هذه القوانين لتحمي ائتلافها، تحت غطاء الحفاظ على "يهودية الدولة"، ولكن ليس من المستبعد ان تظهر حالات تمرد في الائتلاف الحكومي عند طرح هذا القانون لينضم اعضاء من "كديما" و"العمل" للمعارضة العلمانية في تأييد القوانين، وهذا ايضا سيهدد كيان الائتلاف الحكومي.
ويضاف الى كل هذه المحاور الثلاث، الازمات الداخلية في احزاب الائتلاف التي ستتأثر مباشرة من أي نقاش برلماني، (اقرأ معالجة منفردة في هذا العدد) فالدورة البرلمانية السابقة شهدت رقما قياسيا من الانقسامات داخل الكتل البرلمانية، فقد بدأت الدورة بـ 12 كتلة واختتمتها بـ 17 كتلة، وهذا بعد اندماج كتلتين ببعضهما، ومشهد الانقسامات المقبلة سيتضح مع بدء عمل الدورة الجديدة وحتى نهاية العام الجاري.
يؤكد الكثير من المراقبين في اسرائيل ان حكومة بهذا التركيبة، رغم ما تبثه من امكانيات ثبات لا يمكنها ان تصمد لطوال فترة ولايتها التي ستمتد حتى خريف العام 2010، علما انه من اصل 16 ولاية برلمانية لم تفي سوى خمس ولايات مدة ولايتها القانونية وجرت الانتخابات في موعدها.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر