اولمرت يفرض حلا احاديا كأمر واقع بعد عامينالاثنين 8/5/2006 برهوم جرايسي- مجلة "الطريق"
*اولمرت لا يحتاج لعامين فقط من اجل تهيئة الرأي العام الاسرائيلي واقناع الادارة الامريكية ودول القرار، وتغيير موازين القوى البرلمانية، وانما لاستكمال مشروع جدار الفصل العنصري ليصبح مشروعه أمرا واقعا*
أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديد، ايهود اولمرت، وبشكل واضح انه سيبدأ في عملية اقرار وتنفيذ خطته لفرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، بعد عامين من الآن، وقال المقربون منه انه خلال هذه الفترة سيحاول تجنيد دول القرار الدولي وخاصة الولايات المتحدة لدعمها لمشروعه، الذي حسب مصادر اسرائيلية، تتحفظ منه الادارة الامريكية، فقد توافق عليه كحل مرحلي، ولكن ليس كحدود نهائية بين اسرائيل والضفة الغربية المحتلة، وان موقفا كهذا تتبناه، ايضا، الدول الكبرى. ويسعى اولمرت للحصول على ضمانات ودعم امريكي يسمح لاسرائيل بالشروع بمخططها قبل انتهاء ولاية جورج بوش، وترى المصادر الاسرائيلية انه حتى الآن ليس من الواضح الجهة التي ستتولى الادارة الامريكية، وان ادارة بوش هي الاضمن، ولهذا فإن اولمرت يسعى للحصول على كتاب ضمانات جديد، على شكل كتاب الضمانات الذي حصل عليه رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق اريئيل شارون، في نيسان/ ابريل من العام 2004. كذلك فقد تبين لاولمرت ان الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) بتركيبته الجديدة، بعد الانتخابات التي جرت في نهاية آذار/ مارس، منقسم على نفسه بشأن تأييد الخطة، فهناك 60 نائبا يؤيدون الحل الاحادي بتفاوت، فمنهم من يرى به حلا مرحليا، مثل حزبي "العمل" و"ميرتس"، (سوية 24 مقعدا) ومنهم من يرى به حلا نهائيا مثل "كديما" و"المتقاعدين" (سوية 36 مقعدا)، وهذا مقابل 60 نائبا معارضا، وايضا لاسباب متناقضة، فهناك الاحزاب اليمينية والدينية التي لديها 50 نائبا تعارض الخطة لكونها تقضي باخلاء بعض المستوطنات الصغيرة والنائية، لضمها لسبع كتل استيطانية ضخمة في الضفة الغربية، بينما هناك 10 نواب من الكتل الثلاث التي تمثل الفلسطينيين في اسرائيل يعارضون الخطة من منطلق انها تسعى لتدمير كل الفرص لاقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 وقادرة على الحياة. ورغم ذلك فإن اولمرت بنى ائتلافا من 67 نائبا، ومن المتوقع ان يوسعه بكتلة "يهدوت هتوراة" الدينية الاصولية من ستة نواب، وقد تحدث مفاجأة لضم كتلة ميرتس اليسارية الصهيونية ولها خمسة نواب، إلا أن كتلة "شاس" (12 نائبا) التي انضمت للائتلاف اودعت ضمن اتفاقية الائتلاف رسالة تحفظات من الخطة احادية الجانب، واعلنت انها ليست ملتزمة بتأييدها، بزعم انها تؤيد انسحابات محدودة من الضفة الغربية ضمن اتفاقيات تضمن انهاء الصراع، وإلا فإنها تعارض تفكيك أية مستوطنة. ويبني اولمرت والمقربون منه، على تليين موقف كتلة "شاس" خلال العامين المقبلين، من خلال دفق الميزانيات التي تطلبها لمؤسساتها الدينية، وهذه الكتلة التي تتبع زعيمها الروحي، عوفاديا يوسيف، معروفة بتقلباتها السياسية، ففي الماضي ايدت اتفاقيات اوسلو، وليوسيف "فتاوى"، اطلقها في الماضي، "تسمح باخلاء مناطق من اجل حقن الدماء"، وإذا ما حققت "شاس" ما تريده خلال العامين على الصعيد الداخلي، ومنعا لخسارة شيء فإنها قد تنضم لمؤيدي الخطة، او أنها تمتنع في التصويت عليها في الكنيست.
الجدار يفرض امرا واقعا
ارسل "أحد ما" المحللين السياسيين في قنوات التلفزة المختلفة، في البرامج الاخبارية لنهاية الاسبوع، ليقولوا بنفس وبصوت واحد: "لا توجد خطة مكتوبة وخرائط واضحة، وانما فقط تصريحات ونوايا عامة"، فنفس العبارة سمعناها من المحللة في القناة الأولى للتلفزيون الاسرائيلي ايالا حسون، وايضا من المحلل في القناة الثانية للتلفزيون، امنون ابراموفيتش. إلا ان هذه المعلومة ليست دقيقة، فالجدار الفاصل على اراضي الضفة الغربية وفي القدس المحتلة يرسم الحدود التي تنوي اسرائيل فرضها، ففي حين كانت تدعي اسرائيل حتى قبل عامين ان الجدار امني، وانه مؤقت، كما ادعت امام المحاكم الاسرائيلية، فإنها باتت تعترف في الأشهر الاخيرة، وامام المحاكم نفسها ان للجدار نوايا سياسية. فمصادر اولمرت لا تتحدث جهارة عن كيفية اقناع الرأي العام الاسرائيلي او الحلبة البرلمانية، واداة الاقناع بالامكان ان نقرأها في قرارات آخر جلسة للحكومة الاسرائيلية السابقة برئاسة اولمرت في الثلاثين من شهر نيسان/ ابريل الماضي، التي خصصت لبحث كيفية مواصلة بناء الجدار الفاصل العنصري. فقد قررت الحكومة استكمال بناء الجدار في مشروع "الاصابع الاستيطانية"، وهي ثلاث كتل استيطانية، صغيرة نسبيا، تقع بين رام الله ونابلس شمال الضفة الغربية، تبدأ من الحدود الغربية للضفة وتمتد شرقا في عمق الضفة لتحول شمال الضفة الغربية الى عدة كانتونات منفصلة عن بعضها بهذه التكتلات الاستيطانية التي تشبه الاصابع، وهذا من خلال شق شوارع ضيقة بعرض 20 مترا محاطة بجدران عالية وتمتد على طول عدة كيلومترات، لتقطع بذلك تواصلا جغرافيا بين البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، ويظهر من المخطط ايضا ان الجدار سيمتد حول مستوطنات صغيرة متباعدة في تلك المنطقة لتتحول بذلك الى جيوب طويلة مع اراضي شاسعة تسمح لهذه المستوطنات بالتوسع مستقبلا في داخل الجدران الاحتلالية. وتبين خلال الجلسة، ايضا، انه في نهاية المطاف سيبلغ طول الجدار 870 كيلومترا من الجهات الاربع، بما في ذلك العوائق التي بنيت بدلا من الجدار في بعض المناطق، وحتى الآن تم بناء 335 كيلومترا، اضافة الى 137 كيلومترا قيد البناء، وقرابة 250 كيلومترا قيد تخطيط واقرارات في مستويات مختلفة، والباقي أي حوالي 150 كيلومترا تدرس الاعتراضات عليها إما امام المحاكم الاسرائيلية او المؤسسات العسكرية المختلفة. وتضمّن القرار الحكومي بناء جدران مؤقتة في القدس المحتلة، في بعض المناطق التي اصدرت بصددها المحكمة الاسرائيلية اوامر احترازية تجمد البناء فيها الى حين النظر بالاعتراضات التي تقدم بها الفلسطينيون المقدسيون في المدينة المحتلة. وعمليا فإن مسار الجدار، الذي تقره الحكومات الاسرائيلية السابقة والحالية تباعا، يندرج ضمن مخطط فرض الحدود من جانب واحد مع الضفة الغربية، وعند استكماله ستكون الحدود أمرا واقعا، ولا يبقى لاسرائيل خلف الجدار سوى معسكرات للاحتلال. وهناك بند واضح في مخطط اولمرت يقول انه حتى بعد فرض الحدود من جانب واحد فإن لجيش الاحتلال الاسرائيلي "ستكون حرية حركة" في الضفة الغربية، وهذا ما أكده اولمرت ايضا خلال خطابه امام الكنيست الاسرائيلي الذي عرض خلاله حكومته الجديدة، فقال: "إن حدود إسرائيل التي سترسمها الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستكون مختلفة بشكل كبير عن الحدود القائمة اليوم"، واضاف، ان "هذه الحدود ستكون قابلة للدفاع عنها وتضمن أغلبية يهودية مضمونة وواضحة في اسرائيل، ومجال عمل قوات الأمن الإسرائيلية لن يكون محدودا وسيكون ملائما للواقع الأمني الذي سنضطر لمواجهته". وفي هذه الايام ينكب طاقم من الاخصائيين في وزارة القضاء الاسرائيلية، الذي يبحث عن صيغ "قانونية" تلغي مسؤولية اسرائيل كدولة تمارس الاحتلال، عن سير الحياة العامة للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، حسب ما تنص عليه المواثيق الدولية، وهناك جهات قضائية اسرائيلية تعلن منذ الآن، وحسب ما تنقله صحف اسرائيلية، ان صيغا كهذه سيكون من الصعب جدا ايجادها، طالما لم تكن الحدود نتيجة اتفاق اسرائيلي فلسطيني موقّع.
حكومة لعامين
وعلى الصعيد الاسرائيلي الداخلي، فإن مجرد اعلان اولمرت ان البدء بتنفيذ خطته سيبدأ بعد عامين، وضع الحلبة السياسية الاسرائيلية في حالة ترقب، واعتبار هذه الحكومة مؤقتة، وانها ستتفجر بعد عامين منذ الآن. فالحكومة الاسرائيلية الجديدة تجمع بين سلسلة تناقضات في عدة نواحي، وابرزها القضايا السياسية، والسياسة الاقتصادية وعلاقة الدين بالدولة، وكل واحدة من هذه الحلبات كفيلة بإحداث قلاقل جدية في حكومة اولمرت الجديدة. وبات المراقبون يجمعون ان الانتخابات البرلمانية ستكون هذه المرّة ايضا مبكرة، وقبل موعدها الرسمي في خريف العام 2010، فاولمرت رزع الالغام في حكومته، قبل ادائها قسم اليمين امام الكنيست الاسرائيلي في الاسبوع الأول من الشهر الجاري.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|