اسرائيل: العنصرية والصهاينة الجددالجمعة 12/5/2006 برهوم جرايسي- الغد الاردنية
كشف مسح لأحد أبرز المعاهد الاسرائيلية، هذا الاسبوع، عن أن 62% من اليهود في اسرائيل يؤيدون ما يسمونه "تشجيع" الحكومة الاسرائيلية فلسطينيي 48 على هجرة وطنهم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان 62% "فقط" كانت لديهم الجرأة الكافية للاجابة بـ "نعم" على سؤال كهذا، فإن أية نسبة طفيفة اضافية لغيرهم، ممن تملكهم "الخجل" أو "الخوف" تجعل هذه النسبة تتجاوز الثلثين من اليهود الاسرائيليين، الذين يدعمون هذه الفكرة. وكلمة"تشجيع" هي كلمة فضفاضة، فالاستطلاع الذي اجراه "معهد الديمقراطية"، وهو استطلاع سنوي يُطلق عليه اسم "مقياس الديمقراطية"، لم يتطرق الى اشكال "التشجيع"، أو "الاقناع"، وبهذه الحالة عليها ان تكون اساليب فوق العادة لدفع نحو 1,2 مليون فلسطيني على الهجرة من وطنهم. فإذا اعتبرنا ان الظروف اليوم هي ليست تلك التي كانت قائمة في العام 1948، وان مشاهد التحميل على الشاحنات وقذف راكبيها الى ما بعد الحدود اصبحت لا تلائم العصر، فإن اسرائيل لم توفر أي اسلوب منذ 58 عاما بهدف تضييق الخناق على العرب وحثّهم على الرحيل، في اطار سياسة التمييز العنصري المنتهجة ضد فلسطينيي 48، في مختلف المجالات الحياتية، وخاصة تلك المتعلقة بالارض والمسكن ومصادر الرزق، والتطور الطبيعي، والعلم والصحة، وهذا كله هو عمليا "تحفيز" غير معلن للعرب لجعلهم يرحلون عن وطنهم. لكن هذه المعطيات تظهر في وقت تزداد فيه الحملة الشرسة ضد العرب، التي تأججت في الحملة الانتخابية البرلمانية التي انتهت في نهاية آذار (مارس)، ففي هذه الأيام يُصعّد عضو الكنيست المتطرف افيغدور ليبرمان معركته ضد العرب، ومن على منصة الكنيست طالب بإعدام النواب العرب الذين يلتقون اعضاء المجلس التشريعي من حركة حماس، أو أولئك الذين يحيون ذكرى نكبة شعبهم الفلسطيني، في اليوم الذي تحيي فيه اسرائيل ذكرى "قيامها". ولم تلق تصريحات ليبرمان سوى بعض "الاستنكارات" الخجولة من بعض الساسة اليهود في اسرائيل، الى جانب بعض الاطر اليهودية السلامية، ولكن لو كانت تلك التصريحات قد اطلقت ضد اليهود في دولة أخرى، على سبيل المثال، لما كنا نتفاجأ لو عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا له لبحث ازدياد مظاهر "اللاسامية" في تلك الدولة. من المثير للسخرية ان نتائج الاستطلاع المذكور صدرت في اليوم نفسه الذي عقد فيه الكنيست الاسرائيلي (البرلمان)، جلسة خاصة له بمناسبة يوم النصر على النازية، تلك النازية التي قادها ادولف هتلر في المانيا، والتاريخ يوثق جيدا كيف ارتقى هتلر، من كونه زعيما لحزب صغير، الى حزب كبير يقود السلطة، وهذا المشهد يتكرر في هذه المرحلة في دول أخرى في العالم، ومن بينها فرنسا، حيث نجح زعيم اليمين المتطرف لابين، قبل سنوات قليلة، في الوصول الى درجة المنافسة النهائية على رئاسة الدولة الفرنسية. رغم تحفظي من اعتبار النازية وحدها نموذجا للتشبيه في كل ما يتعلق بالعنصرية والجرائم ضد الانسانية، كونها ليست وحدها التي أقدمت على جرائم رهيبة ضد الانسانية، إلا ان هناك الكثير من التشابه بين ما كان يجري في المانيا في مرحلة ما قبل استيلاء النازية على الحكم وبين ما يجري اليوم في اسرائيل، وايضا في مناطق أخرى من العالم حيث تتنامى النازية الجديدة بأشكال مختلفة. ففي العام 1981 نجح حزب "كاخ" الذي اعتبره القانون الاسرائيلي، اي في العام 1994، حزبا ارهابيا محظورا، في الوصول الى الكنيست الاسرائيلي بمقعد واحد، من خلال زعيمه الحاخام مئير كهانا، الذي تمت تصفيته في نيويورك في العام 1990، ودعا هذا الحزب جهارة الى تطبيق سياسة الترانسفير، الطرد الجماعي الاثني، ضد العرب في اسرائيل. وفي العام 1984، حاولت اسرائيل التستر على عورتها، فمنعت الحزب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، إلا ان الحزب بقي علنيا يمارس نشاطه السياسي العنصري والارهابي في الشارع الاسرائيلي وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، من دون أي عائق. إن افكار كهانا لم تختف من الكنيست بل لا تزال تظهر من خلال عدة كتل برلمانية، ومن بينها كتلة "هتحيا" التي زالت عن الوجود، ثم كتلة "تسوميت"، وهي ايضا زالت عن الوجود، وكلتا الكتلتين جعلت من العداء للعرب برنامجا لها. ولكن الكتلة الابرز التي حملت افكار كهانا هي كتلة "موليدت" الممثلة في الكنيست الحالي ضمن قائمة تحالفية يمينية متطرفة لها تسعة مقاعد، ولموليدت ثلاثة مقاعد منها، وشاركت هذه الكتلة في حكومة اريئيل شارون السابقة، وهي اليوم في المعارضة، وايضا ضمن كتلة "يسرائيل بيتينو"، التي لها حاليا 11 مقعدا، وزعيمها افيغدور ليبرمان. وكما ذكرت في مقال سابق في "الغد"، بُعيد الانتخابات البرلمانية في الشهر الماضي، فإن في الكنيست الاسرائيلي ما لا يقل عن 25 نائبا على استعداد للدعوة جهارة "لتقليص عدد العرب في اسرائيل"، وهو ايضا مصطلح فضفاض تندرج ضمنه عدة اساليب لتطبيق الهدف"المنشود" لهم، ولليمين المتطرف بمجمله اليوم اكثر من 33 نائبا مباشرا من اصل 120نائبا، الى جانب بعض النواب الآخرين المتسترين في كتل برلمانية اخرى. حين قررت اسرائيل في العام 1984 منع كهانا من المشاركة في الانتخابات، وحين قررت في العام 1994 اعتبار حركته "كاخ" وكل ما ينبثق عنها، حركة ارهابية، في اعقاب مجزرة الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، ادعت أنها بهذه الطريقة تقاوم الحركات الارهابية المتفشية في شارعها وفي مؤسستها الحاكمة. في الحقيقة هذه الحركات وأقطابها المعروفون، يتجولون بحرية وهم "ضيوف" دائمون في جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية، ومن دون أية تقييدات، بمعنى ان الحظر هو شكلي وليس فعلي. وكما تنشر وسائل الاعلام الاسرائيلية فإن الكثير من التقارير الاستخباراتية تنسب لهذه الحركات واعضائها "السريين" جرائم قتل وسرقة ونهب واعتداءات مختلفة ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، ولكن لم تجر اية عملية تطهير فعلية لهذه البؤر الارهابية، لا بل أن هذه العناصر تحظى بتعامل مميز ومتهادن لدى أجهزة الامن، والأخطر في جهاز القضاء الاسرائيلي، حسب ما تؤكده سلسلة من التقارير الحقوقية الاسرائيلية. لقد اعترفت الاسرة الدولية على مدى عشرات السنوات، وبقرار من الأمم المتحدة ان الحركة الصهيونية هي حركة عنصرية، وتم اغتيال هذا القرار بقرار شكلي آخر في سنوات التسعين من القرن الماضي، ولكن ازالة هذا القرار لم يغير من جوهر الفكر الصهيوني العنصري، الذي ترتكز عليه اسرائيل كدولة، فإن كنا على يقين بعنصرية هذه الحركة، فنحن اليوم في عهد ما هو اشد عنصرية، عهد الصهاينة الجدد، وليس فقط النازيين الجدد.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|