اصلاح الاسلاميينالخميس 11/5/2006 منار الرشواني- "الغد" الاردنية
نسبيا، مضى وقت طويل جدا على إثارة "الفوبيا" من الإسلاميين، وتحديدا امتحان حقيقة إيمانهم بالديمقراطية، أو بشكل أدق كشف زيف ادعاء أكثريتهم قبولهم الديمقراطية كمبدأ لا تراجع عنه، فيما هي تتخذها وسيلة للانقضاض على السلطة، معلنة بعد ذلك حقيقة نواياها وفق مبدأ "رجل واحد، صوت واحد، ولمرة واحدة"! لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام بحق هي وجود علاقة طردية بين المدة الزمنية السابقة وبين زخم هذه الفوبيا-الإشكالية في المهد الذي انطلقت منه، أي الغرب ممثلا بسياسييه وباحثيه، فيما تحافظ هذه الفوبيا-الإشكالية على زخمها، إن لم تكن تزداد قوة في العالم العربي. وهكذا، مازالت الأوراق تقدم، والمقالات تدبّج، والمؤتمرات والندوات وورش العمل تعقد لدينا (رغم أن كثيرا منها بتمويل أجنبي) بحثا عن حل مستعص حدا أقرب إلى الاستحالة! بل ووصل الأمر بعدد من الأحزاب المغربية "العلمانية" إلى اتخاذ إجراء على الأرض تمثل بإقامة تحالف فيما بينها استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة هناك، وللوقوف في وجه المد الأصولي القادم بعد استطلاع للرأي قام به أحد المراكز البحثية الأميركية، وأكد احتمالية اكتساح حزب العدالة والتنمية للشارع المغربي في الانتخابات القادمة! المفارقة الأولى الذي يثيرها الجهد العربي، كما الغربي، في كشف نوايا الإسلاميين الديمقراطية تتمثل في خلق انطباع تحول مع الزمن إلى مسلمة غير قابلة للنقاش، بأن كل فترات الديكتاتورية التي عاشها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج كانت في ظل حكم يدعي الشرعية الإسلامية، وتحكيم الشريعة بمنطق سلفي، مع أن العكس هو الصحيح تماما، والنموذج العربي خصوصا يكشف عن عامل ارتباط قوي جدا بين العلمانية والديكتاتورية! أما على مستوى الأحزاب غير الدينية فحرب حزب الوفد الأهلية الأخيرة دليل على ديمقراطية غير الإسلاميين، تماما كما الانقسامات الاختزالية التي تشق صفوف أكثر الأحزاب العربية في أول مناسبة تطيح بالأمين العام عن كرسي منصبه الذي ظن نفسه مخلدا فيه! لكن طالما أن العالم العربي بات يعيش مرحلة انفتاح تتفاوت بين بلد وآخر، وبالنظر إلى مواقف الإسلاميين الملتبسة والمراوغة من الديمقراطية، فمن المنطقي والضروري أيضا الأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المتخوفين من العودة إلى المربع الأول، والسماح للتاريخ العربي الديكتاتوري بإعادة نفسه بلبوس إسلامي، بدلا من القومي والعلماني. لكن هنا يبرز سؤال مفصلي وحاسم، وهو: إذا كان الإسلاميون غير ديمقراطيين فعلا، فلماذا ما يزالون يحصدون كل هذه الأصوات في كل انتخابات عربية؟ هل أن السبب في المجتمعات العربية، بحيث تبدو كارهة للديمقراطية؟ ولكن، هل يعقل أن يكون العرب أمة ديكتاتورية (ساديين ومازوشيين) جينيا، مع أنه حتى الكائنات الحية غير العاقلة، ناهيك عن الإنسان، تسعى إلى الحرية؟! الحقيقة التي لا يعرفها الديمقراطيون، أو لا يريدون معرفتها هي أن كل الندوات والمؤتمرات الهادفة إلى "دمقرطة" الإسلاميين و"إصلاحهم" إنما هي دليل على السير في الاتجاه الخاطئ تماما إذا كان الهدف منها فعلا تأسيس ديمقراطية قابلة للحياة والرسوخ؛ فالنقطة الحقيقية التي لا بد من الانطلاق منها في أي سعي صادق نحو الإصلاح والديمقراطية هي افتراض نوايا ونوازع ديكتاتورية لدى كل من يتولى السلطة، إسلاميا كان أم علمانيا، قوميا أو طائفيا، مجرما أو مثاليا، والسبب في أحسن الظروف اعتقاده –الصادق ربما- بأنه الوحيد الذي يعرف مصلحة الشعب، الذي هو ابنه لا أقل! وبعد اقتناع بهذه الحقيقة البدهية التي تبدو اليوم أميركا النموذج الاوضح لها في ظل الرئيس بوش، تغدو قضية الديمقراطيين العرب في خلق موطنين وبنى ومؤسسات وتشريعات قادرة على تقييد من في السلطة ومنعه من الانقلاب على الديمقراطية، سواء أكان يحكم باسم الله، أم باسم الأمة، أم باسم الصمود والتصدي للعدو الصهيوني. من يحتاج إلى الإصلاح والدمقرطة ليس الإسلاميون أبدا، خصوصا وهم يحظون بشعبية عارمة، من يحتاج إلى الإصلاح فعلا هي الأحزاب الأخرى العاجزة اليوم عن المنافسة بشروط الحد الأدنى، وتقديم أي برنامج عمل حقيقي مقنع، وكذلك إصلاح منظمات المجتمع المدني التي هي في أكثريتها العظمى منظمات شخصية ربحية للتكسب. فعندئذ فقط ستُخلق الضمانة الحقيقية لدمقرطة أي ديكتاتور قادم، وكل جهد في غير هذا الاتجاه هو مضيعة للوقت أو مصدر لارتزاق البعض وإثرائه فقط.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|