حكومة ائتلافية عريضة لمواجهة الأزمة5/2006 حنا عميرة- الطريق
كيف يمكن الخروج من الأزمة الراهنة، وغير المسبوقة، التي نشأت في مناطق السلطة الفلسطينية، على خلفية نجاح حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية الحالية؟ هذا هو السؤال الذي يتردد الآن على لسان المواطن الفلسطيني القلق جداً على مستقبله، والذي يخشى من تدهور الأمور، بصورة لا يمكن السيطرة عليها! وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال تطرح العديد من المقترحات والآراء التي تتمسك بمبدأ عدم الرضوخ والاستسلام للضغوط والإملاءات الخارجية، وكذلك ضرورة إبداء المرونة والتحلي بالحكمة والواقعية من أجل تجاوز الأزمة وعبور بحرها المتلاطم، مادام من الصعب إيجاد حل سريع لها، وذلك بحكم تعقيداتها ولتأثيرات العوامل الخارجية فيها. ومن بين هذه المقترحات والآراء، بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها، المحافظة على السلطة بالاعتماد على البعدين العربي والإسلامي، كبديلين عن الدعم الغربي، والدعوة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني بحيث يصبح اعتماده على محيطه العربي بدل الاعتماد والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وهناك من يرى أن بالإمكان الاعتماد على مؤسسة الرئاسة بدل الحكومة، كعنوان مقبول دولياً لاستقبال الدعم. وهناك من يتصور أن بإمكان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن تحل مكان الحكومة وأن تقوم بمهامها! وهناك من يراهن على إمكانية استئناف المفاوضات بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية الجديدة، مما يفتح أفقاً ولو ضئيلاً لتفكيك الأزمة، وهناك من يذهب إلى المطالبة بحل السلطة لإجبار إسرائيل على تحمل مسؤولياتها باعتبارها الدولة المحتلة! وهناك من يطالب حركة حماس بتعديل موقفها والتوصل مع باقي القوى والفصائل الوطنية إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني عريضة برئاسة شخصية فلسطينية مستقلة، يستند برنامجها إلى مبدأ التفاوض وتبني قرارات الشرعية الدولية واحترام الاتفاقات. وهكذا تتوالى المقترحات والآراء وهي تحتل حيزاً كبيراً ومهماً في النقاش والحوار الداخلي الفلسطيني، وتفصلها في الوقت نفسه فواصل كبيرة عن شروط اللجنة الرباعية وشروط إسرائيل التي تطالب بالاعتراف بإسرائيل وبوقف المقاومة (أو العنف حسب تسميتهم) وبنزع السلاح وبالالتزام بالاتفاقات. ولا شك أن شروط الرباعية وإسرائيل، التي اقترنت بأشرس حملة من الضغط السياسي والعدوان العسكري والمقاطعة الشاملة وحجب أموال الدعم عن السلطة، تستهدف أساساً عزل وإفشال "حماس" في الحكومة، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث بسهولة وبطيب خاطر، وإنما قد يؤدي إلى انهيار السلطة التي لن تحتمل حالة الحصار الشامل فترة طويلة، وسيمهد إلى حالة من الفوضى في المناطق الفلسطينية، وهذا ما ستستخدمه إسرائيل كذريعة إضافية لتنفيذ ما تسميه "خطة الانطواء" والحل أحادي الجانب، بحجة أن الشريك الفلسطيني قد انهار، وهو في حالة فوضى ولم يعد موجودا أو ذا صلة. وعندها فقط، وبغية إعادة ترتيب الأوضاع، وفق المواصفات الإسرائيلية، سيجري تقديم بعض البدائل المالية، عن طريق إيجاد آليات معينة لدفع الرواتب، وتحت الإشراف المباشر لمقدمي الدعم، وبالتعاون مع من يرغب فلسطينياً. وفي حالة تعثر تنفيذ هذا السيناريو، أو في حالة وقوع ردود فعل فلسطينية عنيفة مضادة، قد يجرى اللجوء إلى عملية اجتياح جديدة على غرار عملية (السور الواقي) في العام 2002، وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات نائب رئيس الأركان الإسرائيلي الذي قال "إنه في عملية السور الواقي واجهت إسرائيل خلايا إرهابية، أما اليوم فقد يكون القتال ضد السلطة والحكومة الفلسطينية". وقد ينتج عن ذلك تقسيم السلطة إلى إدارات محلية ليسهل التعامل معها بدل التعامل مع سلطة مركزية. كما تحدث بعض المحللين والخبراء عن شكل من الإدارات المحلية أو المدنية، تسمح باستمرار الدعم الخارجي، وتعفي إسرائيل من تحمل هذا العبء الذي لن تتحمله مهما كلف الأمر، وهذا هو الخط الأحمر الذي لن تتجاوزه إسرائيل في سياساتها اتجاه الفلسطينيين. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن الأزمة الحالية لا تزال في بدايتها، وأن الشعب الفلسطيني هو أمام مواجهة قاسية سيُستخدم فيها سلاحا القوة والمال مجتمعين من أجل تطويعه والإطاحة بمشروعه الوطني، أو اختصار هذا المشروع وفق القياس الضيق جداً الذي تريده إسرائيل، ضمن حدود الجدار. ليس بالضرورة أن تجري الأمور وفق هذا السيناريو، فالحياة مليئة بالمفاجآت والتناقضات التي قد تقلب الأمور رأساً على عقب، وبما لا يتماشى مع أصحاب النوايا الشيطانية وما يحيكونه ضد الشعب الفلسطيني. ولكن من الواضح أن واشنطن وإسرائيل لن تتورعا عن اتخاذ أية خطوة تساهم في إملاء رغباتهما على شعبنا، وفرض الحل أحادي الجانب عليه بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد مبدأ التفاوض واحترام حق شعبنا في تقرير مصيره. ولهذا، من العبث الاعتقاد أن قراراً فلسطينياً بحل السلطة الوطنية يعتبر حلاً للأزمة، لأنه سيكون من الناحية العملية هروباً من مواجهة الواقع، وتشريعاً للمخطط الإسرائيلي أحادي الجانب، وللادعاء الكاذب بأن شعبنا لا يستطيع قيادة نفسه بنفسه أو تحمل مسؤولياته، وهو بحاجة لسنوات إضافية من الوصاية والانتداب من أجل تأهيله للقيام بذلك. أما بالنسبة للعلاقة بين المنظمة والحكومة، أو بين مؤسسة الرئاسة والحكومة، فيتوجب أن تكون علاقة تكاملية، ولا يمكن لأي طرف أن يستبدل الآخر أو أن يقوم بمهامه، أو يحل مكانه. فالخيط الناظم لهذه العلاقة التكاملية هو القانون الأساس الفلسطيني الذي جرت على أساسه الانتخابات، وكذلك قرارات منظمة التحرير ذات الشأن التي يتوجب على الجميع احترامها والتقيد بها. ومن هنا لن يكون في مصلحة أحد، ولا من المصلحة الوطنية الحديث عن مؤامرة لاستبدال الحكومة أو الإطاحة بها. فالخلاف السياسي مع الحكومة الفلسطينية لا يمكن أن يكون سبباً يدفع أي طرف فلسطيني لانتهاج سياسة من شأنها أن تضعف هذه الحكومة في مواجهة سياسة الابتزاز التي تمارسها الإدارة الأميركية وإسرائيل. وفي المقابل، فإن انفراد أحد الأطراف بالسلطة قد يكون اختياراً مؤقتاً، لكنه لا يشكل إطاراً جامعاً يوحد الشعب الفلسطيني لمواجهة أزمة طويلة ومعقدة، كما انه لا يمكن أن يشكل سبباً يدفع الحكومة لممارسة سياسة الإقصاء والاستئثار وتصفية الحسابات، فالأكثرية ليست فقط أكثرية عددية في المجلس التشريعي، وإنما هي أيضاً أكثرية سياسية، وهذا يعزز الحاجة للحوار وللشراكة في القرار، وللوحدة حول ما هو متفق عليه. فالأوضاع الفلسطينية لا تحتمل المزيد من الإرباك والجمود، والخيارات باتت واضحة أمام الجميع، والخيار الأسلم والأقوى الآن هو العودة إلى طاولة الحوار، والتوصل إلى صيغة سياسية وخطة عمل مشتركة، على أن يكون المدخل لترجمه ذلك هو تشكيل حكومة ائتلاف وطنية عريضة تمثل جميع القوى، وربما من الأفضل أن تكون برئاسة شخصية مستقلة يتوحد الشعب خلفها من أجل عبور الأزمة الراهنة، في إطار برنامج مشترك متفق عليه فلسطينياً، ومقبول عربياً ودولياً، ويحفظ لكل طرف استقلالية مواقفه السياسية، حكومة ائتلاف وطنية تجسد صيغة وحدوية من التفاهم والتكامل تمثل المصلحة الفلسطينية العليا، بعيداً عن الفئوية والاعتبارات الضيقة، وتتصدى للازمة الناشئة عن الحصار، بغية اجتيازها بأقل قدر ممكن من الخسائر. وإذا كانت هناك حاجة لإعادة النظر في مستقبل السلطة فليطرح ذلك أيضاً على مائدة الحوار. إن طرفاً فلسطينياً واحداً لن يستطيع صد هذه الحملة الظالمة التي يتعرض لها شعبنا. وعلينا أن نحقق أعلى مستوى من التفاهم والتعاون والانسجام السياسي والوطني كشرط أساسي لصدها.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|