مشهدان لتعثر الحكومة في اولى ايامهاالخميس 18/5/2006 برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي
*الصدام الاول بين "السياسيين الجدد" مع اللعبة السياسية، ومعركتهم مع اسليبها الفاسدة وفق الرؤية الاسرائيلية *واختلاف الرؤى الأمنية بين اولمرت وبيرتس*
ما لبثت ان بدأت حكومة اسرائيل الجديدة عملها، حتى بدأت تتكشف أكثر تناقضاتها الداخلية، على صعيد الحكومة الداخلي من جهة، وعلى صعيد ائتلافها البرلماني من جهة أخرى، واول خطوة ظهرت كانت بدء تمرد "السياسيين الجدد" الذين تم اغرائهم بترك معاقلهم الاكاديمية او الاعلامية وغيرها ليشاركوا في "عملية تطهير الحكم الاسرائيلي من الفساد"، فاصطدموا به من اول لحظة لهم داخل اروقة الكنيست. أما القضية الثانية فهو تصادم رؤيتين أمنيتين مختلفتان بين رئيس الحكومة ايهود اولمرت، وبين وزير الأمن عمير بيرتس، الأمر الذي أدى، حسب وسائل الاعلام، الى توتر بين الاثنين، مع اتمام حكومتهما اسبوعها الأول.
"السياسيون الجدد" يصطدون باللعبة السياسية
ضج الاعلام الاسرائيلي، في الاسبوع الماضي، وعند التصويت على ميزانية اسرائيل للعام الجاري 2006، حين تمرّد اثنان من اعضاء الكنيست من حزب "العمل" الشريك في الحكومة على قرار كتلتهما تأييد الميزانية، وانسحبا من جلسة الكنيست لحظة التصويت على الميزانية، لاعتراضهما على قرار الكتلة، التي أعدها، اصلا، وزير المالية الأسبق، بنيامين نتنياهو، وهي مجحفة بحق الشرائح الفقيرة والضعيفة، على ألاقل كما كان يؤكد ذلك حزب "العمل" طيلة الاشهر الماضية، قبل الدخول الى الحكومة. وقد يكون تمرد نائبين او أكثر "حالة طبيعية" في السياسة الاسرائيلية، إلا ان هذه الحالة عينيا مميزة من حيث الاسماء والتوقيت، فالنائبين هما شيلي يحيموفيتش ويورام مرتسيانو، ولكن التركيز الأكبر كان على الصحفية السابقة يحيموفيتش، فهي كانت أكثر الصحفيين لمعانا، في الاعلام الاسرائيلي، ومعروفة بمواقفها اليسارية، سياسيا واجتماعيا، واعلن عنها مرارا انها كانت من مصوتي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (في مركزها الحزب الشيوعي)، وقبل ستة اشهر اعلنت انضمامها لحزب "العمل"، في اعقاب انتخاب عمير بيرتس رئيسا للحزب، خاصة وانه وصل الى هذا المنصب حين كان رئيسا لاتحاد النقابات العامة في اسرائيل، "الهستدروت"، ورفع راية القضايا الاجتماعية كمدخل له لزعامة حزب "العمل". ومن باب القضايا الاجتماعية بالذات دخلت أيضا يحيموفيتش الى السياسة الاسرائيلية، وسط ضجة اعلامية ضخمة، ولهذا فهي دائما تحت الأضواء، التي ترقب تحركاتها. لقد قالت يحيموفيتش بشكل مباشر وعن طريق "المقربين منها" ايضا، أنه لا يمكنها ان تؤيد ميزانية صقرية أعدها نتنياهو، فهي هاجمتها عنها مرارا حين كانت صحفية واعلامية نصيرة للشرائح الضعيفة، فكيف يمكنها الآن ان تنصاع لقواعد اللعبة السياسية وان تؤيد ما يتعارض مع مبادئها. وهذا عمليا اول اصطدام ليحيموفيتش مع "اللعبة السياسية"، التي طالما هاجمتها وانتقدتها بحدة، خاصة وان الاعلام الاسرائيلي خلق انطباع بأن الفساد يتفشى في الحلبة السياسية، وايضا اضمحلال المبادئ وصل الى درك لم يكن مثيل له من قبل، وهذا أحد ابرز اسباب تراجع نسبة المصوتين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جرت قبل شهرين، حيث هبطت النسبة الى 63%، بعد ان كانت في الانتخابات التي جرت في العام 2003، حوالي 69%، وكان معدلها في سنوات الثمانين والتسعين من القرن الماضي في حدود 77%. ولم تكن يحيموفيتش الاولى التي تقرر التمرد على "اصول اللعبة السياسية"، فقد سبقها البروفيسور اوريئيل رايخمان، المرشح البارز في حزب "كديما"، فقد سجل رقما قياسيا في تاريخ السياسة الاسرائيلية، حين استقال من عضوية الكنيست بعد ستة ايام فقط من ادائه قسم اليمين، بعد أن رأى ان رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديد ايهود اولمرت، أخلّ بوعد تلقاه رايخمان من رئيس الحكومة السابق اريئيل شارون، بتعيين رايخمان وزيرا للتعليم، مقابل ان يترك السلك الاكاديمي، ومنصبه الرفيع كرئيس لمركز هرتسليا متعدد المجالات، وكما هو معروف فإن حقيبة التعليم كانت من نصيب حزب "العمل"، وتتولاها الوزيرة يولي تمير، التي هي ايضا وعدها زعيم حزبها بيرتس، بهذه الحقيبة الهامة جدا في العمل الحكومي اليومي. لقد رافقت خطوتي رايخمان ويحيموفيتش حملة اعلامية مؤيدة، لتزيد أكثر من الحملة على الحلبة السياسية، وإن كان رايخمان قد غادر الحلبة السياسية بطرقه بابها بعنف، فإن يحيموفيتش لا تزال تراهن على معركتها، التي لا تزال في بدايتها، وهي الآن تنتظر "حكما" من لجنة خاصة في حزب "العمل" حول تصرفها هي وزميلها، ولكن كما يظهر فإن هذه بداية من الصعب معرفة كيف ستنتهي. في الحقيقة فإن الحملة الاعلامية حول الفساد في اسرائيل لم تأت من فراغ، فآخر تقرير دولي ظهر الاسبوع الماضي أظهر ان اسرائيل تحتل المرتبة العشرين من اصل 36 دولة في مسألة فساد النظام، واسوأها يحتل المرتبة 36، وفي الدورة البرلمانية السابقة وصل الفساد الى ذروة جديدة، حين تم فتح 26 ملف تحقيق ضد اعضاء كنيست ووزراء، 24 منهم على الأقل متورطين بتهم فساد، وخرق اصول نزاهة الحكم، وقد صدرت احكاما بحق بعضهم بالسجن، ولكن هذه الاحكام تنتظر قرارات استئناف عليها. وعلى خلفية هذه الارقام ذهب بعض قادة الأحزاب، خاصة الكبيرة منها، للبحث عن وجوه جديدة تلمّع وجه احزابهم، وتبعد عنهم انطباع الفساد، الذي كان مستشريا بشكل خاص في حزب الليكود، حين كان حاكما، وبالفعل تم استبعاد كل عضو كنيست متورط بقضية فساد من مقدمة قائمة الليكود. ودأب حزبا "العمل" و"كديما" على استحضار اسماء بعيدة عن الحلبة السياسية معروفة بنصرتها لنزاهة السلطة، ولم يكن رايخمان في "كديما" وحيدا، كما أن في حزب "العمل" تم استقدام رئيس جامعة بئر السبع افيشاي بارفرمان، وتم وعد الجمهور بأن هؤلاء سيحتلون مناصب رفيعة في الحكومة القادمة، فمثلا وعد عمير بيرتس جمهوره بأنه في حال شكّل الحكومة فإن بارفرمان سيتولى حقيبة المالية، وتوقع الجمهور ان يتولى بارفرمان حقيبة اخرى على الاقل، طالما ان لحزب "العمل" سبع حقائب، ولكنه هو الآخر بقي خاوي الكفين، كزميله في الاكاديمية الاسرائيلية رايخمان، ولكنه لم يقرر ترك الساحة السياسية، ووجه المراقبون السؤال المتوقع، انه لماذا اختار بارفرمان ترك منصبه الجامعي الرفيع لصالح عضوية كنيست عادية. عمليا فإن قادة الأحزاب، وخاصة "العمل" و"كديما"، استخدما هذه الشخصيات في محاولة لتحسين صورة البرلمان الاسرائيلي، ولكن عند تشكيل الحكومة، أعطيت الأولوية في كلا الحزبين لذوي النفوذ الحزبي في كلا حزبيهما، وليس لذوي الكفاءات الذين راهنوا عليهم خلال الحملة الانتخابية، المنتهية. وكل هذا يتزامن مع صدور تقرير جديد لمراقب الدولة الاسرائيلي حول فساد سلك خدمات الدولة، ورئيس الجهاز هولندر، الذي قام بتوظيف المقربين منه من دون كفاءات ملائمة، وانطلقت حملة اتهامات متبادلة بين هولندر والمراقب ليندرشتراوس، وهذا ايضا مشهد يعزز انطباع تفشي الفساد في جهاز الحكم، ويبعد الجمهور اكبر عن دائرة القرار في الحكم الاسرائيلي.
رؤيتان مختلفتان في الملف الامني
مع اكتمال الاسبوع الاول لحكومة اولمرت نشب خلاف، وصفته وسائل الاعلام الاسرائيلية بـ "الحاد"، بين اولمرت ووزير الأمن عمير بيرتس، الذي طرحت علامات سؤال حوله، بشأن قدرته على ادارة وزارة الأمن (الدفاع)، في حين ان ليس لديه خلفية عسكرية قيادية، واليوم يحاول الظهور بأجندة "أمنية" مختلفة، وينشر المقربون منه مواقفه بغزارة، ففي يوم واحد ظهرت الصحف الثلاث الاسرائيلية الكبرى بثلاثة تقارير حول بيرتس، وكل واحد منها أخذ جانبا من مواقف بيرتس بمعنى ان التزامن والتنوع لم يكن صدفة. وتلخصت مواقف بيرتس في عدة نقاط مركزية، أولها مطالبته بأن تعمل اسرائيل على فتح قناة حوار ومفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أبو مازن، قبل البدء بالتفكير في طرح احادي الجانب، وهذه أول نقطة صدامية مع اولمرت، الذي يكرر في الآونة الأخيرة انه لن يكون مفر امام اسرائيل من التوجه الى فرض حدود من جانب مع واحد مع الضفة الغربية، وحسب ما نشر في الصحف، فإن اولمرت انتفض على هذه الدعوة، وابلغ بيرتس انه هو وحده، أي اولمرت، المخول باطلاق تصريحات تتعلق بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ويذكر ان نص اتفاق الشراكة بين حزبي "كديما" بزعامة اولمرت، و"العمل" بزعامة بيرتس، في الحكومة الجديدة، ينص على انه يحظر على أي شريك في الحكومة القيام بمبادرة سياسية دون الحصول بداية على موافقة رئيس الحكومة اولمرت. الأمر الآخر، ان بيرتس بدأ يُظهر تحفظا من احتجاز عائدات الضرائب الفلسطينية لدى اسرائيل، وطالب بالبدء بتحريرها، وهو يؤكد ان الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية يعزز حركة حماس ولا يُضعفها، كما يتخيل البعض في اسرائيل، ويساند بيرتس موقف اللجنة الرباعية الدولية بخصوص تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية من خلال مكتب الرئاسة الفلسطينية، واعتبر ديوان رئاسة الحكومة الاسرائيلية، في تصريحات نشرتها صحيفة "يديعوت احرنوت" ان موقف بيرتس هذا يساهم في إحداث شرخ في ما تصفه اسرائيل بـ "الجبهة الدولية ضد حكومة حماس". كذلك فقد دعا بيرتس الى البدء بتخفيف القيود المفروضة على حركة المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعلن بيرتس عن نيته اصدار 12 ألف تأشيرة عمل للعمال الفلسطينيين، ليعملوا داخل اسرائيل، واعتبر، هنا ايضا، ان تشديد القيود يخلق ضائقة هي ايضا تعزز من قوة حركة حماس والحكومة برئاستها، أما موقف اولمرت في هذه الناحية، فإن قرارا كهذا هو من صلاحية الطاقم الوزاري الأمني المقلص، وليس موقف وزير الأمن وحده. اضافة الى هذا فإن عمير بيرتس طلب من قيادة اركان الجيش اعداد خطة مرفقة بجدول زمني لاخلاء 124 بؤرة استيطانية عشوائية، تعتبرها اسرائيل دون سواها على انها غير شرعية، بينما تعتبر المستوطنات التي اقيمت بقرار منها على انها "قانونية"، كما طلب اقامة جهاز خاص في جيش الاحتلال من اجل "السماح للمستوطنين شرح اعتراضاتهم" على اخلاء تلك البؤر الاستيطانية. ولكن على ما يبدو فإن الخلاف بين الاثنين لم يتوقف فقط عند هذه التصريحات الاجرائية، وانما عند ما هو أبعد من ذلك، حين طلب بيرتس من قيادة الاركان تغيير المرتكزات والرؤى التي يعتمد عليها الجيش عند تقييمه للأوضاع في المناطق المحتلة منذ العام 1967، وهذا يتعلق بالاساس بجهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، فمن ناحية اولمرت فإن بيرتس بدأ يصيب القلب النابض والمحرك الاساسي لسياسة اسرائيل الأمنية الحالية، وهذا ما يرفضه اولمرت. فكما هو معروف فإن اسرائيل تدعي دائما ان جهاز الأمن والقضاء منفصلين عن السياسة، ولكن التجربة علّمت ان هذين الجهازين مرتبطين بشكل وثيق بطبيعة الحكومة، فالتعيينات البارزة في قيادة الجيش تتم بقرار من وزير الأمن ورئيس الحكومة، وخاصة رئيس قيادة الاركان، ونائبه ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، المسؤول عن تقديم التقارير الدورية للتقييمات التي تستند عليها الحكومة. وحصل اكثر من مرّة ان نفس الطاقم الأمني العسكري كان يغير طبيعة تقاريره مع تغير الحكومة، ولعّل ابرز مثال، تذكره الحلبة السياسية كيف ان نفس رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في نهاية فترة حكومة بنيامين نتنياهو، وخلال الفترة الأولى لحكومة ايهود براك قدم تقريرين متناقضين عن جاهزية سورية للسلام، فقد نفاها امام حكومة نتنياهو وأكدها امام حكومة براك، وهذه عينة من عينات حيّة حتى يومنا هذا. إن ما سيقلق اولمرت خلال تولي بيرتس لوزارة الأمن تدخل الأخير في التعيينات في قيادة الجيش، وهذا أيضا محور داخلي اضافي للأزمات المستقبلية بين بيرتس واولمرت. ويتوقع المراقبون في اسرائيل ان حالة التصادم الماثلة الآن لن تكون الوحيدة بين الزعيمين، ولكن ليس فقط بينهما، بل ان نزاعات أخرى ستنشأ بين اقطاب آخرين في الحكومة، فمثلا منذ اليوم الأول ثارت قضية ارتفاع اسعار الخبز، بقرار من الحكومة التي انتهت ولايتها، ودخل حيز التنفيذ بعد ساعات قليلة من اداء حكومة اولمرت الجديدة اليمين، وسرعان ما انطفأت هذه الأزمة، ولكن هي أيضا مؤشر لأزمات قادمة.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|