إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



قراءات متعددة في مستقبل حماس

الجمعة 19/5/2006
محمد ابو رمان- "الغد"- الاردنية

بات من المتوافق عليه لدى المحللين والمتابعين أنّ حماس لم تكن قد أعدت نفسها لاستلام السلطة، وأنّها صدمت بالانتصار كما صدمت فتح بالهزيمة. التحول الحقيقي لدى حماس، الذي قاد إلى ولوجها العملية السياسية، لم يكن مبنيا على حسابات السلطة واستحقاقاتها، إنّما على المشاركة السياسية التي تتيح للحركة تحقيق نفوذ وتأثير داخل النظام السياسي، مع احتفاظها بجناحها العسكري ومواقفها السياسية المبدئية، بما يؤدي- في الوقت نفسه- إلى التخفيف من الضغوط عليها دون أن تتورط بمواجهة مع الولايات المتحدة والمجتمع الغربي وبدرجة قريبة من ذلك مع النظام العربي.
على أي حال انتهى مخاض حماس من تجاوز سؤال المشاركة إلى التورط بتشكيل الحكومة، وما يرتبط بها من استحقاقات محلية وخارجية تمثل مرحلة حرجة وحساسة وخطيرة. ويمكن القول أنّ حماس تقف اليوم على منعطف خطير، سيقود إلى مرحلة جديدة ومختلفة سماتها بالكلية عن المراحل السابقة.
من المؤكد أن هناك أسئلة جوهرية تمثل مفتاحا رئيسا لفهم ما يجري وسيجري: هل تريد إسرائيل إسقاط حماس وعودة فتح؟ أم تريد إسقاط السلطة وتدهور الوضع الأمني في الداخل تمهيدا لدور أمني عربي يلغي الجانب السياسي من القضية الفلسطينية؟ أم تريد إسرائيل بقاء حكومة حماس من خلال فتح نوافذ الدعم الإنساني إلى حين انتهائها من بناء الجدار العازل وترسيم الحدود؟ في المقابل يبدو المفتاح الفلسطيني في مدى قدرة الفصائل والقوى الفلسطينية على الوصول، في الحوار القادم، إلى توافق على سياسة مواجهة الاستحقاقات الخطيرة.
ثمة عدة احتمالات وقراءات، الأولى يلتقطها المحللان السياسيان روبرت مالي وأرون ميلر في مقال – نشر مؤخرا في الواشنطن بوست- بعنوان " هل بمقدور إسرائيل وحماس التوصل لتسوية مقبولة؟"، تقوم فكرة المقال على أنّ كلا الطرفين – إسرائيل وحماس- يؤمنان بالحل الأحادي ويتفقان عليه، فإسرائيل لا تريد شريكا فلسطينيا، لتمضي قدما في بناء الجدار والانسحاب الفردي ورسم الحدود النهائية متذرعة بوجود حماس لنيل المباركة من المجتمع الدولي، بينما تعلن حماس أنّ انسحاب إسرائيل من أي جزء من الأرض مصلحة فلسطينية، دون أن تتورط بالمفاوضات مع إسرائيل والموافقة على اتفاقيات السلام التي رفضتها سابقا، أو تغيير ميثاقها الأساسي.
وفقا للمحللين الأميركيين، فإن إسرائيل ليس من مصلحتها سقوط حماس وعودة حكومة فلسطينية توافق على التسوية وتحرج مشروع إسرائيل الأحادي، لذلك قد توافق إسرائيل على إجراءات لتمرير المساعدات الإنسانية الدولية لتخفيف الضغوط على حكومة حماس واستمرار الحياة اليومية للشعب الفلسطيني.
المشكلة في القراءة السابقة، إذا كان بعض قادة حماس يتبناها، أنّها تلغي هامش المناورة الفلسطينية- السياسية ضد الحل الأحادي، الذي يبتلع جزءا كبيرا من الأرض الفلسطينية، ويحول المجتمع الفلسطيني إلى مجاميع بشرية تفتقد إلى مقومات الحياة الاقتصادية اليومية، فضلا عن زوال المعاني السياسية للقضية تحت ضغط المعاناة الإنسانية اليومية.
ويتوقع الكاتبان أنْ يتم التوافق بين إسرائيل وحكومة حماس على "الأحادية المتبادلة" من خلال المفاوضات الثنائية على قضايا الخدمات والتفاصيل اليومية، بعيدا عن النقاش السياسي حول التسوية ومصائرها.
ويذكرنا مقال هذين الكاتبين بمقال هنري كيسنجر، حول "ملامح السلام بين حماس وإسرائيل" ويتوقّع فيه أن تستمر حالة "اللا سلم واللا حرب" بين حماس وإسرائيل إلى فترة طويلة يغيب فيها الشأن السياسي ويتم فيها الحوار على القضايا اليومية. والغريب أن اسماعيل هنية قد أعطى وزراءه الإذن بإجراء مفاوضات مع إسرائيليين في القضايا المرتبطة بالإجراءات اليومية، وهو ما يصب أيضا في اتجاه هذه القراءة.


القراءة الأخرى، وتعززها توقعات أميركية (الحياة 17-5-06) أنّ حكومة حماس في ظل الضغط الدولي والإقليمي وحجب المساعدات وتفاقم الأوضاع ستنهار خلال مدة ثلاثة أشهر، وسيعاد إجراء الانتخابات من دون السماح لحماس بتحقيق أكثرية مشابهة للمرة السابقة. وأمام هذا السيناريو يبدو أنّ حماس تراهن على الصمود والتحمّل ومحاولة اختراق الحصار الكبير عليها.
إلا أنّ الحصار والتجويع لا يصيب حماس وحدها بل الشعب الفلسطيني بأسره، وهناك مئات الآلاف من الموظفين وأسرهم يعتمدون على المساعدات الدولية لتأمين رواتبهم الشهرية ومصادرهم المالية. وفي حال أصرت حماس على موقفها فإنّ الأمر مرشح للتصعيد الداخلي، وربما المواجهة الفلسطينية- الفلسطينية.
تذهب قراءة أخرى إلى أنّ الحصار والتجويع والضغوط الدولية والداخلية ستثمر في تحولات داخل حماس نفسها، وستنقل مركز الثقل من الخارج إلى الداخل (أي الحكومة الجديدة) وهي أقل تشددا من المكتب السياسي، وستدخل حماس مرحليا في مفاوضات السلام والتوافق مع الرئيس أبو مازن. في هذا السياق يتحدّث البعض عن سيناريو يعده أبو مازن يتمثل بإنشاء "كديما فلسطيني" في مقابل "كديما الإسرائيلي"، يتوافق فيه مع تيار واسع من حماس على قضايا رئيسة، ويتم إجراء انتخابات مبكرة، تساهم في احتلال "كديما الفلسطيني" المركز السياسي في الإجماع الوطني الفلسطيني.
بينما يتحدّث آخرون عن سيناريو الرجوع إلى الوراء وعودة حماس إلى المقاومة المسلحة، في حال أفشلت الحكومة، وتركت حماس السلطة سواء بطريق اجراء الانتخابات أو الانقلاب عليها من الرئيس أبو مازن. إلاّ أن الخيار العسكري في ظل الشروط الحالية يبدو مرهقا وله استحقاقات مختلفة عن المرحلة السابقة، بخاصة مع تبديل إسرائيل لقواعد اللعبة الأمنية- العسكرية بما في ذلك بناء الجدار والرد العسكري المبالغ فيه على أية عملية تقوم بها الفصائل الفلسطينية. وربما يخدم الخيار العسكري متغيرات إقليمية جديدة مرتبطة بمواجهة محتملة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية حول البرنامج النووي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر