اولمرت وبوش وصلاة الصبح
الاثنين- 22/5/2006 برهوم جرايسي- الغد الاردنية
يلتقي رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت، يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، الرئيس الاميركي جورج بوش في مقره في البيت الأبيض، وهي الزيارة التي باتت تقليدية الى واشنطن، في العقدين الأخيرين، لكل رئيس حكومة اسرائيلية جديد فور تشكيله حكومته. وعادة ما تكشف مثل هذه الزيارات عن عمق ارتباط الحكومة الاسرائيلية بالادارة الأميركية. وبطبيعة الحال فإن كل واحدة من الزيارات السابقة كانت لها خصوصية، وعلى ضوء المستجدات المصيرية على الساحة الشرق أوسطية، وتعدد الملفات الساخنة فإنّ خصوصية هذه الزيارة هي بالغة الأهمية، رغم انه ليس من المتوقع إحداث أي انعطاف في مواقف الدولتين، او في مستوى العلاقة بينهما. فإسرائيل تخرج لتوها من انتخابات برلمانية، ويُجمع الكثير من المحللين والمراقبين أنّ بصمات الإدارة الاميركية كانت واضحة على هذه الانتخابات، إلى درجة أنها تذكّرنا بانتخابات العام 1992، حين قررت ادارة جورج بوش الأب، حجب الضمانات المالية بقيمة عشرة مليارات دولار عن حكومة الليكود برئاسة يتسحاق شامير، وخلق حالة من التنافر بين الجانبين، مما عزز قوة حزب "العمل" بزعامة يتسحاق رابين وساعده على الوصول إلى الحكم. وفي انتخابات هذا العام، فإنّ الانطباع السائد أنّ حزب "كديما" الذي اقامه اريئيل شارون، كان هو ايضا بدعم مباشر من الادارة الاميركية، التي لعبت من وراء الكواليس دورا لدفع شخصيات بارزة للانضمام الى الحزب، ومن أهمهم الوزير شمعون بيرس الذي ترك حزب "العمل" الذي قاده على مدى عشرات السنوات لصالح الانضمام لحزب "كديما"، وبثمن شخصية "ظل" ليس لها تأثير بالغ، كما يظهر حتى الآن. يتجه اولمرت اليوم الى واشنطن وفي جعبته اجندة متشعبة، وهو يعلن ان الملف الأكثر سخونة لديه هو المشروع النووي الايراني، بمعنى ليس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وخلال الاسبوعين الماضيين امتلأت الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية بسيناريوهات غزيرة حول مواقف الادارة الاميركية من مشروع اولمرت لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية والموقف من الملف النووي في الشرق الأوسط، بما فيه الاسرائيلي وليس فقط الايراني، ووصل الأمر الى حد قراءة الشيء ونقيضه في اليوم الواحد. وهذا ليس محض صدفة، كما أنها ليست الحالة الاولى، بل تكررت في السنوات الأخيرة كثيرا، فاسرائيل اعتادت على اطلاق البالونات السياسية التجريبية، في عدة اتجاهات، لمعرفة رد الفعل الاقليمية والعالمية، وفحص النوايا لدى الجانب الآخر، فعلى صعيد خطة اولمرت لفرض حدود من جانب واحد، فقد تعددت الانباء المتضاربة في اسرائيل حول دعم اميركي غير مباشر لها، وحتى التحفظ عليها. ولكن الأجواء العامة في اسرائيل تؤكد انه ما كان بإمكان اولمرت ان يظهر بهذا المشروع من دون الحصول على موافقة اميركية مبدئية، فنقطة الانطلاق لدى اسرائيل ستكون"الاقرار بعدم وجود شريك فلسطيني"، واسرائيل والولايات المتحدة على اتفاق حول الشروط المطلوبة من "الشريك الفلسطيني"، ومدى تجاوبه مع هذه الشروط يحدد "أهليته" كشريك لاسرائيل. وجوهر هذه الشروط يصب في مطلب واحد وهو الانصياع للاملاء الاسرائيلي بخصوص الحل الدائم، كما ظهر جليا في قمة كامب ديفيد التي جمعت الرؤساء بيل كلينتون وياسر عرفات وايهود براك، وايضا بعد وصول الرئيس محمود عباس، الذي رفض هو الآخر الاملاءات الاسرائيلية الأكثر تصلبا من العام 2000، وهذا ادى الى عقد لقاء رسمي واحد فقط، بين عباس والقيادة الاسرائيلية منذ عام ونصف العام. وما يؤكد تراجع اسرائيل عن خطوط المفاوضات السابقة، هو موقف وزير القضاء الاسرائيلي، حاييم رامون، من الشخصيات البارزة في حزب "العمل" سابقا، لا بل وكان في سنوات الثمانين والتسعين محسوبا على جناح"الحمائم" في الحزب الذي كان يدعو الى دفع العملية السياسية امام الفلسطينيين، ورامون المقرب اليوم جدا من اولمرت، يصف مبادرة الرئيس كلينتون في نهاية العام 2000، "بالأوهام"، بمعنى انه لا يرى أي مكان لانسحاب اسرائيل بأكثر من 90% من مساحة الضفة الغربية، وهنا اصاب جوهر العرض الاسرائيلي للحل الدائم. تراهن اسرائيل اليوم على الادارة الاميركية الحالية بقيادة جورج بوش، ولهذا ليس صدفة ان اولمرت يحدد موعد عامين لتنفيذ مشروعه. فخلال هذه الفترة سينجز بناء جدار الفصل العنصري ليفرض الحدود كأمر واقع، وثانيا ان هذه الفترة التي ينهي فيها بوش ولايته الرئاسية، التي تعتبرها اسرائيل اكثر ادارة ناصرت اسرائيل ودعمتها، وتتخوف اسرائيل من أجندة وأولويات أي ادارة جديدة إن كانت ديمقراطية ام جمهورية. وسيسعى اولمرت في زيارته إلى واشنطن لاجراء تعديلات على رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس بوش لرئيس الحكومة السابق اريئيل شارون، في نسيان (ابريل) من العام 2004، والتي فسرتها اسرائيل بأنها اعتراف بـ "حق اسرائيل بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية"، وشطب حق العودة وعدم اجراء أي انسحاب من مدينة القدس المحتلة، ويريد اولمرت الآن نصا واضحا في ما يتعلق بالكتل الاستيطانية وحق عودة اللاجئين. ويقول اولمرت صراحة ان أحد اهداف زيارته الى واشنطن هو اقامة علاقة مميزة وشخصية مع الرئيس بوش. يقول اولمرت في مقابلة لمجلة نيويورك تايمز: "حين استيقظ صباح كل يوم اقول في نفسي: شكرا لله لوجود اميركا، وشكرا لله لوجود جورج بوش رئيسا، وشكرا لله لوجود كونداليزا رايس وزيرة للخارجية، فهم الاشخاص الأكثر اعتدالا الذين بإمكاني التحدث معهم، والأخذ بمشورتهم، والحصول على دعمهم". إن "صلاة الصبح" لدى اولمرت، التي يعلنها في تلك المجلة، ورغم ما تحمله من تملق مفضوح، إلا أنها تعكس واقعا ملموسا في العلاقة بين الجانبين، فاسرائيل كانت ولا تزال المعسكر الاميركي في المنطقة، ولكن في السنوات الماضية كانت هذه العلاقة تشهد في بعض الاحيان كرا وفرا، في مجال المناورة، وكان هذا مرتبطا بموازين القوى في العالم. فحين كانت الولايات المتحدة تحتاج الى حرية اكثر في تحركها بين اطراف الاسرة الدولية، كانت تضغط على اسرائيل، على الاقل شكليا، ولكن في هذه المرحلة فإنّ اسرائيل تستفيد من شبه انعدام الكفة الثانية في موازين القوى في العالم، وتراجع الدور الاوروبي، كمواز امام المصالح الاقتصادية الاميركية في العالم. كما أنّ اسرائيل بدأت تتقن اللعبة، فهي تعرف متى بإمكانها التقدم بطلبات والقيام بمبادرات ومتى لا، وهذا ايضا منوط بتحركات الادارة الاميركية، فاليوم ادارة بوش متورطة في الساحة العراقية، وتسعى الى وقف المشروع النووي الايراني فهي بحاجة الى دعم اوروبي غير متحفظ، وتعلم جيدا ان اوروبا تتحفظ كليا من المشروع الاسرائيلي، ولن نستغرب من بيان اميركي تطغى عليه التحفظات، على شكل دعوة اسرائيل والقيادة الفلسطينية الى الحوار. وكل الأجواء تؤكد ان هذه ستكون مجرد زيارة برتوكولية لن تحمل أي مفاجأة تكون بمثابة نقطة تحول جدية في أي من الاتجاهات، وستعزز حالة الجمود السياسي التي نشهدها في هذه المرحلة ولا أكثر من ذلك.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|