إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مفاتيح "ملعب" المفاوضات بيد اسرائيل

المواصفات الاسرائيلية "للشريك الفلسطيني"

السبت 27/5/2006
برهوم جرايسي- الغد الاردنية

عاد ايهود اولمرت، من زيارته الأولى كرئيس للحكومة الاسرائيلية، الى واشنطن، وقد حصل على مبتغاه، وهو تحد اميركي جديد للرفض الدولي الواسع لخطة اسرائيل لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية. فقد اعتبر الرئيس جورج بوش خطة اولمرت على انها "جريئة"، رغم ما تحمله من مخاطر، تجعل المفاوضات من بعدها حول الحل الدائم، على أسس الحد الأدنى التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني، مستحيلة.
وقيل صراحة في اسرائيل، قبل زيارة اولمرت، أن الاخير يكتفي بتأييد ضبابي من الادارة الاميركية للشروع في تطبيق خطته احادية الجانب، وليس صدفة ان اولمرت ومن قبله سلفه اريئيل شارون، قد اغلقا كافة "الملاعب" التفاوضية، وأخرجا الهواء من كافة الكرات لكي لا تتدحرج لهذا الطرف أو ذاك.
لقد عاد اولمرت من واشنطن أكثر عجرفة، وهو الآن أكثر اصرارا على عدم التفاوض مع الجانب الفلسطيني، ففي نفس اليوم الذي اعلن فيه اولمرت امام البيت الأبيض انه يريد الالتقاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبعد اقل من ساعة، ارسل مستشاريه المرافقين له للصحافيين الاسرائيليين ليقولوا لهم، وهنا اقتبس المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ألوف بن، "إطمئنوا فإن اولمرت وبوش لا يعلقان على أي مفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس".
حقا ان اولمرت يستغل الظرف القائم في الساحة الفلسطينية، والصورة التي تظهر فيها حركة حماس، التي خاضت انتخابات تشريعية على اساس اتفاقيات اوسلو التي تتنكر لها، وتطلق تصريحات وبيانات سياسية متناقضة لا تساعد الشعب الفلسطيني في لعبة السباق على الرأي العام العالمي وفي "ملاعب" دول القرار في العالم، ولكن الشريك الفلسطيني موجود، ولم يختف، فكل المفاوضات حول الأرض والحدود التي جرت منذ نحو 13 عاما كانت بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الحكومة الاسرائيلية، وفقط بسبب ازدواجية المناصب بين السلطة ومنظمة التحرير، توهم البعض ان الجانب المفاوض هو السلطة الفلسطينية، وهذه حقيقة تدركها اسرائيل تماما.
إلا أن مصلحة القيادة الاسرائيلية الحالية تقضي بأن ان تتشبث بمسألة قيادة حماس للحكومة الفلسطينية، فإسرائيل لا تنتهج سياسة مخالفة لما انتهجتها امام حكومة فتح، فبين غياب الرئيس "اللا شريك" والفتحاوي الجذور، ياسر عرفات، وبين وصول حماس الى السلطة، مرّ 14 شهرا، كان فيها الرئيس محمود عباس، الفتحاوي لا اقل من سلفه الراحل، والى جانبه حكومة في مقدمتها ابرز المفاوضين الفلسطينيين، وإلا أن اسرائيل واصلت اصرارها على عدم وجود شريك فلسطيني، وهذا ليس صدفة، لأن اسرائيل تعرف انه ليس لديها ما تطرحه في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، سوى مشاريعها الاستيطانية، وهي تدرك انها لن تجد "شريكا" فلسطينيا واحدا بامكانه القبول بما تطرحه اسرائيل.
ولعل الشريك الذي تبحث عنه اسرائيل هو ذلك الذي سيجلس أمامها محظور عليه ان يسمع أو يرى أو يتكلم، وعليه ان يوقع لها على بياض، رغم ادراك اسرائيل انه لن ينهي الصراع.
لا يوجد في خطة اولمرت أية "جرأة" ايجابية، سوى وقاحة احتلالية مستشرسة، واولمرت ومجموعته ليسوا معنيين بحل دائم اوسع مما يطرحون الآن وهنا نأتي بالدلالات ونبتعد عن الشعارات، فأول ما تسعى اليه خطة اولمرت هو الاحتفاظ بسبع كتل استيطانية، تسيطر على نصف مساحة الضفة الغربية، اربع منها كبيرة جدا، وثلاث صغيرة، وهي: أولا، التكتل الاستيطاني في القدس المحتلة ومحيطها، ثانيا، التكتل الاستيطاني "غوش عتسيون"، الذي سيربط بين التكتل الاستيطاني في الخليل جنوبا، والقدس شمالا، وثالثا التكتل الاستيطاني قرب نابلس المعروف باسم اريئيل، والرابع، والاكبر من حيث المساحة، في غور الاردن، بالاضافة الى ثلاث كتل استيطانية على شكل اصابع ستحول شمال الضفة الغربية الى كانتونات فلسطينية منفصلة عن بعضها، وتأوي هذه الكتل السبع ما يزيد على 420 الف مستوطن، اكثر من 182 الفا منهم في الاحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.
اما الخطوة الثانية فهي اخلاء بعض المستوطنات الصغيرة النائية في انحاء مختلفة في الضفة الغربية، وتأوي، حسب التقارير الاسرائيلية حوالي 60 ألف مستوطن، لتوطنهم من جديد في الكتل الاستيطانية السبع السابق ذكرها، ونقرأ هنا قرار وزير الحربية عمير بيرتس، في الاسبوع الماضي، القاضي بتوسيع اربع مستوطنات بمئات الدونمات، وهو أول قرار من نوعه منذ سنوات طويلة، ولكن ما يلفت النظر ان القرار يشمل توسيع مستوطنة في غور الاردن من اجل استيعاب عدة مئات من مستوطني قطاع غزة، كما قال البيان الرسمي.
الى جانب كل هذا فمن يعتقد ان اسرائيل توظف اكثر من 2,5 مليار دولار لبناء جدار الفصل العنصري لتأتي بعد خمس سنوات لتهدمه وتعيد الحدود الى خط حزيران 1967، فإنه يغرق في الأوهام، ومن يرى الجدار، وكيف يبنى يوميا، يعرف عن ماذا يجري الحديث فقد قالت العرب "الحكي مش مثل الشوف"، بمعنى ان اسرائيل تخلق واقعا ليس مرحليا لفترة قصيرة كما تدعي الولايات المتحدة كغطاء لدعمها للمشروع، وهي ايضا تعلم الحقيقة.
لست من انصار حماس، والمآخذ عليها كبيرة سياسيا ونهجا، ولكن من جهة أخرى لا يمكن جعلها شماعة الذنوب لكل ما يجري في ساحة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، إذ لا يمكن ان نلتهي بنقاش حول وجود شريك او عدمه، وننسى ان الاحتلال هو اساس المشكلة، فالاحتلال لا يمكنه ان يفرض املاءاته على الضحية، ولا يحق له اختيار "شريكه" المفاوض.
إن حل الصراع لا يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل هناك اكثر من خمسة ملايين فلسطيني، في الشتات، وهم اصحاب قرار، وقد اختاروا تاريخيا منظمة التحرير ممثلة لهم التي اعترفت بها اسرائيل وفاوضتها، ولم يتغير شيئا على بنية المنظمة، وهي جاهزة للعودة الى طاولة المفاوضات في كل لحظة، والسؤال المركزي الذي يجب ان يطرح: هل اسرائيل جاهزة لمثل هذه المفاوضات، فما الذي يمنع اسرائيل من العودة الى "ملعب" المفاوضات واعادة الهواء للكرات، خاصة في هذه الأيام، التي انخفضت فيها بنسب كبيرة العمليات الفلسطينية، سوى بعض "الخردوات" المعدنية، التي لفرحة مطلقيها تسميها اسرائيل "صورايخ"، فتحدث ضجة اكثر من حجمها ولا تغير شيئا، والرصاص الذي بتنا نطلقه على بعضنا بات اكثر من الموجه للاحتلال، مقابل ان اسرائيل تزيد من عدوانها، فعدوان التجويع الجماعي لشعب بأكمله اشد قساوة من القتل المباشر.
من الواضح ان القيادة الفلسطينية مطالبة بأجندة سياسية وحملة اعلامية واضحة تجاه العالم، تعيد من جديد الحملة الناجحة التي شنتها قبل بضعة اشهر، والتي قالت للعالم فيها ان المفاوض الفلسطيني والمرجعية، في نفس الوقت، هي منظمة التحرير، ويجب أن تُسأل اسرائيل ما الذي لديها ان تقدمه، في "الملعب" التفاوضي، فالكرة لم تخرج، وممنوع ان تخرج من المرمى الاسرائيلي، واتمنى ان لا يتطوع أحد بمساعدتها على ذلك.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر