بناء على دعوة من الكونغرس الأميركي، كان يفترض أن يقدم فريد الغادري، الأميركي من أصل سوري ورئيس حزب الإصلاح السوري، شهادة في 24 أيار الحالي بشأن الأوضاع في سورية، في إطار تحضيرات الكونغرس لاصدار قانون يطالب النظام السوري بتبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
وكما يصرح هو ذاته في موقع حزبه على شبكة الانترنت، يمتلك الغادري "علاقات وطيدة مع رجالات السياسة في أميركا. وتربطه علاقات وثيقة مع أعضاء فاعلين في الكونغرس الأمريكي وخارجه"، في مقدمهم ريتشارد بيرل، أحد أهم أعلام المحافظين الجدد. وعلى صعيد آخر، يبدو جليا من برنامج حزب الإصلاح السوري نفي أي صفة عروبية قومية عن سورية، في مقابل التأكيد على "حفظ السلام مع كل دول الجوار وأن يعقد اتفاقيات صلح وتعايش سلمي مما يؤدي للتنمية الاقتصادية ووحدة الأهداف الإقليمية". برغم ذلك وغيره الكثير من خصائص الغادري وحزبه، وقبل أن يبدأ فرسان الشعارات والكلمات الجوفاء من القوميين هجومهم عليه باشتقاق المترادفات التخوينية المؤثرة، من المهم الإشارة إلى تأجيل الشهادة السابقة إلى 7 حزيران القادم بما يسمح بتقييم المستجدات الناجمة عن حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت مثقفين سوريين على خلفية توقيعهم بيان "بيروت-دمشق".
دلالة التأجيل وأسبابه تبرز حتما السؤال الجوهري: من هو المسؤول الفعلي عن فتح الأبواب واسعة أمام الولايات المتحدة لممارسة أوسع دور في محاولة تحديد مصير سورية ومواطنيها، كجزء فقط من إعادة رسم المنطقة العربية ككل، ودائما بذريعة نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ لكن هذا السؤال الاستنكاري القديم، والمعاد مرارا وتكرارا كما الإجابة الواضحة عنه، هو اليوم بعد واحد من أبعاد الدلالة فقط؛ أما البعد الآخر المغيب فهو يتعلق بأهم الشركاء في تعميق الأزمة السورية والعربية معا، من قوميين وإسلاميين عرب، إذ لم يكن للولايات المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه في سورية، وقبلها في العراق، ولاحقا في بلدان عربية أخرى، لولا مساعدة هؤلاء المؤثرة بحق!
أحدث الأدلة الدامغة والمخجلة لمقترفيها، وليس آخرها للأسف على الحقيقة السابقة يمكن إيجادها في استئناف محاكمة المعارض السوري كمال اللبواني يوم الاثنين الماضي، على خلفية زيارته للولايات المتحدة، ومطالبته في لقاءات صحافية بالإصلاح في سورية. ففيما لايزال الجميع يذكر انعقاد المؤتمر العام لاتحاد المحامين العرب في دمشق في كانون الثاني الماضي (ليليه بعد أيام فقط المؤتمر العام الرابع للأحزاب العربية) لنصرة سورية، فإن الملفت في محاكمة اللبواني، شأن كل المحاكمات التي تتم لمعارضين ونشطاء سياسيين وحقوقيين سوريين، هو تخلف هذا الاتحاد وأعضائه حتى عن مجرد حضور المحاكمة، فيما تحرص السفارات الغربية (الطامعة والعدوة) على إرسال ممثليها إلى كل الجلسات تقريبا، على نحو ما حصل في جلسة محاكمة اللبواني الأخيرة! فهل أن سورية التي تستحق النصرة هي برأي الأحزاب العربية واتحاد المحامين العرب قابلة لأن تكون أي شيء إلا الشعب؟!
إلى الآن ليس هناك إجابة، ومن الأفضل عدم توقعها؛ فصمت القوميين والإسلاميين العرب الذين تقاطروا قبل اشهر إلى دمشق يجعل اليوم من صمت القبور مقارنة بصمتهم صخبا وضجيجا. أما السؤال الآخر الذي لا يحتاج إلى إجابة كسابقه فهو: من المسؤول فعلا عن تسليم مفاتيح أبواب دمشق لأعدائها، وقبل ذلك فتح كوة في كل سور من أسوارها وحراسة هذه الكوات لتظل مفتوحة فيتسلل منها الأميركيون وغيرهم؟
عبقري هذا الاستعمار، وعبقرية هي الدولة العبرية الصغيرة إذ ينجحان في دفن القومية والإيمان بها بين الشعوب العربية تحديدا وفي ذات الأرض التي نبتت فيها وظن أنها ستزدهر لتنشر ظلالها الوارفة على الأرض العربية، من المحيط إلى الخليج! لكن الواقع يؤكد أن العبقرية الحقيقية وراء ذلك هي فقط تلك التي يمتلكها ممتطو صهوة القومية والتصدي للإمبريالية، يقودون الشعوب العربية كاملة إلى حتفها المأساوي، قمعا ونفيا للإنسانية، أو استعمارا وتدميرا.
manar.rashwani@alghad.jo