الفلسطينيون يلتحمون مجددا رغم وطأة المأساةالاثنين 5/6/2006 برهوم جرايسي- الغد الاردنية
تسببت حرب حزيران 1967 وما نجم عنها من احتلال باحباط جديد للشعب الفلسطيني الذي كان يسعى قبل ذلك، وعلى مدى 19 عاما، لبناء كيانه القومي والوطني، وقد فاجأت الحرب فلسطينيو 48 وهم يخرجون لتوهم من فترة حكم عسكري اجرامي عايشوه منذ العام 1948 وحتى العام 1965، ولكن آثاره لا زالت بادية، وتطال الكثير من الوطنيين، الذين كانت تفرض عليهم الاحكام الجائرة والاقامات الجبرية التي تمنع تحركاتهم في وطنهم. وحتى حرب حزيران كان فلسطينيو 48 يعيشون في حالة حصار مطبق دام 19 عاما، انقطعوا فيه عن سائر ابناء شعبهم، الى جانب تنكر البعض لهم، فتشتت عشرات آلاف العائلات، وفرقت الحدود التي مزقت جسد فلسطين التاريخية آلاف العائلات التي كانت تتلقي عبر السياج إذا أماكن، وقد تفرقت الكثير من القرى الفلسطينية وشطرت قرى فلسطينية أخرى الى شطرين، وبتنا نسمع عن برطعة الشرقية واخرى غربية، ومثلها باقة، التي اصبح لها شرق وغرب. إلا أنه من رحم المأساة والاحتلال، ولد انفراج مليء بالدموع والحسرة، فهذا الجزء من الشعب الذي كاد يختنق على مدى 19 عاما التقى بعضا من شطره الآخر، واعاد اللحمة لآلاف العائلات، وانعكس هذا مع الوقت من خلال العلاقات الاجتماعية ومن ثم الاقتصادية. ولربما ان من ابدع بهذا الوصف كان الكاتب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي، الذي ألف مجموعة قصص قصيرة، بعد الحرب مباشرة واطلق عليها اسم "سداسية الايام الستة، التي مزج فيها بين شرح المأساة وبين "الفرحة" باعادة اللحمة بين العائلات، ونقرأ له عن "مسعود" الولد الذي عاش في الناصرة، مع عائلته التي كانت "كالمقطوعة من شجرة"، وكأن لا أهل لها ولا فصل، وانعكس ذلك على وضعيتها الاجتماعية المتردية، وفجأة اتضح ان لها شقا آخر، حين زار عم مسعود أخيه في الناصرة، وخرج "مسعود" الى الشارع متباهيا بابن عمه، ليقول لجيرانه ان له عائلة واقرباء وحسب ونسب، وانقلبت حياته رأسا على عقب من بعد تلك الزيارة. ويتكرر هذا المشهد على مستويات متعددة وفي حالات مختلفة، وفي ست قصص، ومن بين هذه الحالات قصة الكاتب الذي التقى زملاءه القدامى الذين ابتعد عنهم مكرها لمدة 20 عاما، وكل هذه الحالات تصب في نفس الجوهر، وهو ان اللحمة عادت لآلاف العائلات التي التقت من جديد، وعاد التواصل الجغرافي، رغم ان حرية الحركة لفلسطينيي 48 كانت اكبر بما لايقاس بحركة فلسطينيي 67، الذين منهم من بدأ يعود الى فلسطين 48، زائرا لبيته المهدم في حيفا ويافا وعكا، ولتنفتح الجروح من جديد، ولكن مع غصة الألم كانت هناك فرحة حزينة بالعودة، رغم سيف المحتل. وكما ذكر ففي السنوات الأولى للاحتلال سرعان ما توطدت العلاقات بين ابناء الشعب الواحد في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد فتحت اسواق الضفة في جميع اماكنها لفلسطينيي 48، وكانت متنفسا اقتصاديا لجزء آخر من الشعب الفلسطيني بدا مرحلة العيش تحت نير الاحتلال، الى جانب خروج عمال الـ 67 للعمل في مناطق 48، ومن اختار العمل في المناطق العربية وجد له بيئة تأويه ولا تشعره "بالغربة" في وطنه. وتنامت بسرعة العلاقات الاجتماعية بين ابناء العائلات الواحدة، لتتطور بسرعة الى مستوى علاقات الزواج، التي شهدت وتيرة كبيرة، وفي حين كانت هذه علاقات اجتماعية طبيعية بين ابناء الشعب الواحد، إلا أن اسرائيل اعتبرتها في السنوات الأخيرة "وسيلة غير مباشرة" لتطبيق حق العودة الفلسطيني، ومنذ العام 2002 فرضت انظمة عنصرية جديدة لقانون المواطنة، تعتزم تحويلها الى قانون رسمي، يمنع اعطاء الجنسية الاسرائيلية أو حتى الاقامة، لكل زوج او زوجة من الضفة الغربية او قطاع غزة، وهذا يعني تمزق آلاف العائلات الفلسطينية التي تضم عشرات آلاف الفلسطينيين، التي يلزمها القانون بالتخلي عن أحد الوالدين ليعود او تعود الى الضفة الغربية أو قطاع غزة، وبشكل خاص العائلات التي ارتبطت منذ سنوات التسعين وحتى الآن. وقد صادقت المحكمة العليا الاسرائيلية قبل نحو اسبوعين على الانظمة العنصرية، واعلن وزير القضاء الاسرائيلي، حاييم رامون، من على منصة الكنيست (البرلمان) انه ينوي تحويل هذه الأنظمة الى قانون، وفي رده على النقاش الصاخب، ومواجهة النواب العرب له، قال بمنتهى الصلف الاحتلالي: "حسنا هناك الكثير من دول العالم عنصرية، فلنكن نحن واحدة منهن". ومنذ خريف العام 2000، في اعقاب العدوان الاسرائيلي الشامل على الضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت وتيرة متنامية للفصل الجغرافي بين ابناء الشعب الواحد، وهذا الفصل يتصاعد أكثر مع استمرار بناء جدار الفصل العنصري، وسياسة الحصار والاغلاقات التي تفرض على المناطق الفلسطينية منذ العام 1967، وتقريبا انقطع أي نوع من التواصل، خاصة الاقتصادي والاجتماعي، والدخول الى الضفة بات نادرا، ليكون معدوما الى قطاع غزة في هذه المرحلة، باستثناء مدينة القدس المحتلة، وهذا بفعل قانون الضم الاحتلالي الذي فرض على المدينة. الى جانب كل هذا فبعد حرب حزيران ومع بدء تبدل الاجيال وكثرة تعداد فلسطينيي 48، وخاصة في منتصف سنوات السبعين، اشتد نضال فلسطينيي 48 الميداني، رغم انه لم يتوقف على مدار السنوات التي سبقت ذلك، ووصلت ذروة النضال في تلك المرحلة في يوم الارض الاول في العام 1976، واصبحت أية معركة نضالية في أي شق من شقي فلسطين ينعكس مباشرة على الشق الثاني، وتعزز هذا التلاحم النضالي في الانتفاضة الشعبية الباسلة التي انطلقت في نهاية العام 1987، لتلاقيها مساندة شعبية متينة في مناطق 1948، لم تتوقف على مدى السنوات الخمس للانتفاضة. في هذه الايام يسعى "فلسطينيو الرقمين"!، للبقاء على التواصل رغم جدران المحتل وحصاراته، ومحاولاته للقيام بعمليات تشريد وحشية لعشرات آلاف الفلسطينيين، من خلال كتاب قوانين "واحة الديمقراطية الشرق أوسطية" كما يصفها متملقو العالم.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|