إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



اسرائيل وشماعة الملف النووي الايراني

الثلاثاء 6/6/2006
برهوم جرايسي- مجلة "الطريق"

*اسرائيل تسعى الى تحويل الملف النووي القضية رقم واحد في المنطقة من حيث الانشغال العالمي، لتبعد الانظار عن مخططاتها الاحتلالية في اطار سعيها لكسب أكثر ما يمكن من وقت لفرض حقائق جديدة على الأرض*

تسعى اسرائيل في الاعوام الأخيرة، وبشكل خاص في هذه المرحلة الى ابراز الملف النووي الايراني، واعلانها صراحة انها تريد ان يكون على رأس اولويات الاهتمام العالمي وفي المنطقة، رغم مشروعها النووي، الذي باتت تقر به، وتصر على ضبابية تفاصيله ومخزونه النووي، وترفض التعاون مع الهيئات العالمية والخضوع للقوانين الدولية معتمدة على مكانتها العسكرية العالمية، وعلى التواطوء الامريكي والدولي معها في هذا المجال.
وقد برز الأمر حين توجه رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت، الى الولايات المتحدة، للقاء الرئيس الامريكي جورج بوش، في أول زيارة له كرئيس حكومة، فقد قال اولمرت للصحفيين، قبل مغادرته اسرائيل ان "على رأس اولويات حديثه مع بوش سيكون الملف الايراني"، رغم تعقد ملف الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، ومخطط اولمرت لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية.
وكما نشر في اسرائيل فإن أحد بنود التفاهمات بين الجانبين الاسرائيلي والامريكي، التي لم ينشر عن كامل تفاصيلها، هو الاستمرار بالتفاهمات القائمة، وهو قبول الولايات المتحدة بالضبابية التي تفرضه اسرائيل على مشروعها، ومنع ممارسة أي ضغوط دولية عليها للكشف عن مشروعها، وفتح ابوابه امام الهيئات الدولية المختصة في المجال النووي.
لقد اعتادت اسرائيل على مر السنين، على البحث عن انشغال عالمي بعيد عن ساحتها، وحتى عن الشرق الاوسط "إذا أمكن"، وحتى لو لم يكن لها دور في هذا "الانشغال"، فإنها تعتبر ان هذا يصب في مصلحتها المتمثلة في ابعاد النظر عن القضية الفلسطينية التي هي العنوان الاشكالي الاساسي لها، ليصب ذلك في المحاولات الاسرائيلية الدائمة لكسب أكثر ما يمكن من وقت، تسارع خلاله لفرض وقائع على الأرض في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية المحتلة.
فمنذ سنوات تلوح اسرائيل بالمشروع النووي، وتصدر أجهزتها الأمنية تقارير متواصلة حول تقدم المشروع الايراني، وآخرها كان يتحدث عن ان ايران ستتوصل الى انتاج قنبلة نووية قبل العام 2010، ولكن اسرائيل اعتبرت انه إذا لم يتم وقف المشروع حتى العام 2008، فإن انتاج القنبلة سيكون امرا لا يمكن منعه.
فالعام 2008 اصبح بالنسبة لاسرائيل "مصيريا" ليس فقط على الصعيد الايراني، وانما ايضا على صعيد المخطط احادي الجانب، وذلك لأنه العام الأخير لولاية الرئيس الامريكي جورج بوش، الذي تبني اسرائيل عليه الكثير من الآمال وتتخوف من ظهور أية ادارة جديدة تكون لها اولويات اقتصادية وسياسية اخرى على الساحة الدولية تقود الى فرض ضغوط على اسرائيل في مرحلة قادمة.
وتستغل اسرائيل الأجواء السائدة في الأسرة الدولية وخاصة لدى دول القرار الدولي، لتظهر وكأنها الدولة المهددة الأولى من المشروع النووي، ولكن ليس هي وحدها وانما ايضا دول اوروبا وغيرها، وحتى انه تهديدا للدول العربية ايضا، بمعنى ان تعزز قوة ايران يعزز ما يسمى بـ "المد الشيعي" في الشرق الأوسط، خاصة في العراق، ليلتقي مع حزب الله في لبنان، وفي ظل ظهور القضايا الاجتماعية للطائفة الشيعية في العالم العربي، مثل الكويت والبحرين والسعودية، كما تدعي التقارير الاسرائيلية.
وما يساعد اسرائيل في حملتها لاقناع الرأي العام العالمي، ايضا، سلسلة الخطابات الرنانة التي لا يتوقف عنها الرئيس الايراني احمدي نجاد، والتي سمحت لاسرائيل باستثمارها بقوة في الساحة الدولية.
وفي نفس الوقت فإن اسرائيل باتت تبني لنفسها "حامية جديدة" لمشروعها النووي، الذي مركزه الاساسي في مفاعل ديمونة، الى جانب مرافق سرية أخرى، وتعتمد هذه الحامية الآن، على ان مشروعها النووي هو مشروع دفاعي، وليس هجومي، وتقول ان أي هجوم نووي ايراني عليها لن يطالها وحدها بل ايضا الدول المجاورة، إن كان على صعيد الاضرار المباشرة، او البيئية، وهي تتحفظ من الصياغة الجديدة لمثياق دولي قيل ان الولايات المتحدة تساهم في صياغته يشمل جميع دول العالم من دون تحفظ، ويأمر بتقييدات اكثر على حظر نشر الاسلحة النووية، وتسعى الآن لدى الولايات المتحدة لادخال تعديلات تجعل اسرائيل غير مستهدفة من هذا الميثاق.
ويذكر في هذا المجال ان عددا من المختصين في الفيزياء النووية في اسرائيل والعالم يؤكدون ان مفاعل ديمونة النووي تهدده اخطارا كبيرا نظرا لقدم عمره، فقد بدء باقامته في النصف الثاني من سنوات الخمسين من القرن الماضي، وهو يشارف على انقضاء 50 عاما على عمله، وجميع المفاعلات النووية في العالم من "جيله" توقفت عن العمل منذ فترة طويلة، ويحذر المختصون من اخطار تشققات فيه تؤدي الى تسريبات عميقة في الأرض وحتى لخطر الانفجار، وقبل عامين قامت اسرائيل بتوزيع نوعا من الاقراص الدوائية على سكان الجنوب لاستعمالها في حال حصول أي خلل في المفاعل النووي.

*النوايا الاسرائيلية لضربة جوية

أما على المستوى الخطابي السياسي فإن اسرائيل، ومنذ حكومة اريئيل شارون السابقة، تحاول الظهور وكأنها منضبطة تجاه ايران، وهي لها مصلحة بذلك، فقبل عام كثر الحديث عن احتمال ان توجه اسرائيل ضربة جوية للمفاعلات النووية الايرانية، وهذا احتمال لا يمكن شطبه من قائمة الفرضيات المحتملة، خاصة وان اسرائيل تزودت قبل عام بنوعية اسلحة وذخيرة مهمتها اختراق طبقات اسمنتية سميكة لعدة امتار، اضافة الى مكانية اختراقها الارض الى عمق يصل 30 مترا، الى جانب تطوير طائرات حربية قادرة على حمل هذه القذائف ذات وزنيين، طن ونصف الطن، وبنفس الوقت قادرة على التحليق لساعات ومسافات طويلة بقدر البعد بين اسرائيل وايران ذهابا وايابا، وهذه معلومات نشرت في اسرائيل وخارجها.
كذلك فإنه لدى تعيين رئيس اركان جيش الاحتلال الجديد، دان حلوتس، قيل بوضوح في اسرائيل ان هذه المرّة الأولى التي يصل فيها قائد سلاح جو الى هذا المنصب، واعتبر عدد من المحللين ان هذا ليس صدفة، وهو ايضا يتعلق بالمخطط الاسرائيلي لتوجيه ضربة مستقبلية لايران.
ولكن بعد عدة أشهر بدات اللهجة تتغير في اسرائيل، وخاصة على لسان شارون نفسه، الذي كان يؤكد مرارا ان على اسرائيل
ان لا تكون في المواجهة الصدامية امام ايران، وترك "المهمة" للقوى العالمية، وللولايات المتحدة، ولم تخف اسرائيل معرفتها لحقيقة ان يدها ليست طليقة امام ايران، وان الأخيرة لن تقف مكتوفة الايدي في حال تلقت ضربة اسرائيلية، التي قد تتلقى هي ايضا ضربة صاروخية ايرانية كرد فعل.
إلا ان اسرائيل لا تكتفي بهذا التشعب في خطابها السياسي والعسكري حول المشروع النووي الايراني، فالى جانب علاقتها المباشرة، ومزاعمها عن "اضرار" الدول الاوروبية والعربية، فإن لبنان يحظى ببند خاص في هذا الخطاب من خلال حزب الله اللبناني، وتدعي اسرائيل في تقاريرها العسكرية التي تظهر تباعا، ان أحد السيناريوهات التي تعتبرها "مؤكدة" هو انه في حال توجيه ضربة الى ايران، فإن حزب الله لن يقف مكتوف الايدي، هو ايضا، وانه سيستخدم "ما لا يقل عن 12 الف صاروخ وقذيفة" منتشرة في جنوب لبنان، تزود بها في السنوات الأخيرة من ايران، وخاصة في الاشهر الأخيرة، وزعم ان آخر انواعها يصل مداه الى 200 كيلومتر، بمعنى ليصل الى المنطقة الجنوبية في اسرائيل.
ولا تتوقف اسرائيل عند هذا الحد بل تعلن ماذا سيكون ردها في هذه الحالة، وهو انه لن يكون مفر لديها من توجيه ضربات في العمق اللبناني، وحتى الى درجة هجوم واسع، واسرائيل تقصد من هذه "التحذيرات" المبنية على سيناريوهات، تأجيج النقاش اللبناني الداخلي في ما يتعلق بحزب الله واسلحته، ليقول للقوى اللبنانية انه طالما حزب الله مسلحا فإنه يشكل تهديدا للبنان كلها، وليس فقط لاسرائيل.
لا يمكن الجزم منذ الآن بمدى خطورة او عدم خطورة المشروع النووي الايراني، إلا ان تشعبات الخطاب الاسرائيلي في هذا الملف تؤكد ان مسألة الخطورة ليست ما يقلق اسرائيل، بقدر ما تسعى لابعاد النظر عن مخططاتها الاحتلالية في الاراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر