إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أزمة القيادة في حزب "العمل" ترفع رأسها من جديد

الثلاثاء 13/6/2006
برهوم جرايسي - المشهد الاسرائيلي

*الخلاف يدور بين خماسية نجوم لامعة ولكنها ليست متجانسة، للعامل الشخص الوزن الأكبر ولكن للخلاف طابع سياسي واجتماعي *امكانية الانشقاق لا تزال بعيدة، ولكن تواصل الانتقاص من وزن ومكانة الحزب *العمل والليكود مقبلان على سنوات مصيرية لفرص بقائهما في الصدارة*
 

اتسعت في الأسبوعين الأخيرين حلبة الخلافات داخل قيادة حزب "العمل"، وخاصة على مستوى الكتلة البرلمانية، وقد تنبئ بانقسام، أو شرخ دائم في داخل الكتلة، وفي مركز الخلاف ممارسات ونهج زعيم الحزب عمير بيرتس في مؤسسات الحزب، وأيضا للقضية طابع سياسي اجتماعي.
وكما كان متوقعا، فإن انتخاب عمير بيرتس، في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2005، لم يكن بامكانه حل أزمة القيادة، خاصة وان انتخاب بيرتس كان مفاجئا للجميع حتى لبيرتس نفسه، الذي استفاد من عدة ظروف داخلية في الحزب، وأبرزها نسبة تصويت ضعيفة، مقابل تكتل بيرتس، الذي حمله معه من حزبه السابق "عام إحاد".
إلا أن بيرتس لم يكتف بأزمة القيادة التي يعاني منها حزب "العمل" منذ العام 1996، مع الكثير من رواسب من الماضي قبل ذلك التاريخ، فقد أججها أكثر خلال الحملة الانتخابية، وبعدها حين اختار توزيع حقائب الحزب الوزارية على اعضاء الكتلة البرلمانية، وكان واضحا أن بيرتس فضل اصحاب مراكز القوى على اصحاب الكفاءات، ومن بينهم من وعده بأرفع الحقائب التي سيحصل عليها الحزب بعد الانتخابات، مثل افيشاي بارفرمان، البروفيسور في الإقتصاد ورئيس جامعة بئر السبع حتى قبل اشهر قليلة، إلا أنه لم يحصل على شيء.
فاليوم تعاني كتلة الحزب المكونة من 19 نائبا من نوعين من التمرد، الاول يضم خمسة نواب، وهم الجنرالات البارزين الثلاثة، الجنرال النائب عامي أيالون، قائد سلاح البحرية الأسبق، والرئيس الأسبق لرئيس المخابرات العامة "الشاباك"، والجنرال النائب داني يتوم، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، والجنرال النائب متان فلنائي، النائب الأسبق لرئيس اركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، وينضم اليهم الرئيس السابق لجامعة بئر السبع النائب افيشاي بارفرمان، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية النائبة كوليت افيطال، وهؤلاء يعترضون على نهج عمير بيرتس، الذي سارع للتنازل عن الحقائب الإقتصادية الاجتماعية لصالح وزارة الأمن، وعلى شكل توزيعه للحقائب الوزارية في الحزب مستبعدا ذوي الكفاءات، ولكن من ناحية أخرى فإن هذه المجموعة تؤيد الائتلاف مع حزب "كديما" في الحكومة.
أما المجموعة الثالثة فتضم ثلاثة، اثنين منهم من حزب "العمل"، شيلي يحيموفيتش، ويورام مرتسيانو، والثالث هو النائب الراب ميخائيل ملكيئور، من حزب "ميماد" الديني المعتدل والمتحالف مع حزب "العمل" وهؤلاء الثلاثة يؤيدون عمير بيرتس، ولكنهم يختلفون مع السياسة الإقتصادية للحكومة الحالية ويعترضون عليها في التصويت عليها في الكنيست، فقد صوت النائب ملكيئور ضد الميزانية، فيما لم يحضر الاثنان الآخران جلسة التصويت اطلاقا.
ولكن ما يقلق بيرتس هو الخمسة الأوائل الذين يسعون لتشكيل تكتل حزبي مناهض له في داخل مؤسسات الحزب، رغم عدم التجانس في ما بينهم.

خلفيات الخلاف

بعيد انتخاب بيرتس بدأت حركة نزوح من حزب "العمل" الى حزب "كديما"، وعلى رأس هذه الحركة كانت ثلاثية الوزراء شمعون بيرس وداليا ايتسيك وحاييم رامون،وهم من أكثر الأسماء ديناميكية في الحزب، ولكن على صعيد الكوادر وجمهور المصوتين كانت حركة نزوح غير مرئية، إلا أن استطلاعات الرأي كانت دقيقة في تحديدها، وحصل الحزب على ما كان متوقعا له، فعلى الرغم من أن حزب "العمل" الذي حصل في انتخابات العام 2003 على 19 مقعدا، وقبل عام انضم اليه حزب "عام إحاد" بزعامة بيرتس، الذي حصل على 3 مقاعد في تلك الانتخابات واصبح لكلا الحزبين 22 مقعدا، فإنه من ناحية نظرية فإن هذا الانضمام لم يحقق للحزب أية زيادة لا بل تراجع الى 19 مقعدا، ولكن على ارض الواقع فإن الانضمام منع تدهورا آخر في تمثيل الحزب برلمانيا، ولهذا فإن الانطباع العام في صفوف الحزب هو أن النتيجة كانت مقبولة، على أساس المقولة الشهيرة: "من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته"، في الاشارة الى الضربة القاصمة التي تلقاها حزب "الليكود"، المنافس التاريخي لحزب "العمل" الذي حصل على 12 مقعدا فقط.
وحين شعر بيرتس انه يفقد "نجوما" انتخابية في الحزب، سارع للبحث عن نجوم أخرى خارج الحلبة السياسية، وكان ابرز هذه النجوم البروفيسور بارفرمان والصحفية الشهيرة يحيموفيتش، وقد رافق انضمامهما الى الحزب حملة اعلامية صاخبة، ومؤتمرات صحفية وتقارير موسعة، حول "ضربة المعلم"، التي "اتقنها بيرتس" كما قيل في حينه.
ولم يكتف بيرتس بهذا القدر بل عقد مؤتمرا صحفيا خاصا ليعلن على الملأ انه في حال شكل الحكومة فإن مرشحه لحقيبة وزارة المالية هو البروفيسور بارفرمان، الذي حصل على المرتبة الثالثة في قائمة الحزب، كما نجحت يحيموفيتش في الحصول على المرتبة الثامنة في نفس القائمة، مستفيدة من اسمها اللامع والحملة الاعلامية التي رافقت انضمامها للحزب.
وحين وُجهت علامات سؤال حول مقدرة بيرتس على حل القضايا الأمنية في حال انتخابه رئيسا للحكومة احتمى بيرتس بالجنرالات في حزبه، فالى جانب الثلاثة المذكورين سابقا، هناك أيضا جنرالان برتبة "عقيد"، الحاكمان العسكريان السابقان في الضفة الغربية بنيامين بن اليعيزر وافرايم سنيه، ودافع بيرتس عن نفسه في الجانب الأمني بأنه حتى المقعد الثالث عشر في قائمته هناك خمسة جنرالات من الصف الأول.
وكنا في معالجة سابقة توقفنا عند ملامح الأزمة في حزب "العمل"، التي تفجرت من جديد على خلفية استبعاد الجنرالات الثلاثة، فحتى الرابع سنيه، الذي كان موعودا بحقيبة نائب وزير الأمن، لم يحصل إلا على رئاسة الكتلة البرلمانية، بعد الغاء منصب نائب الوزير في الحكومة الحالية، وهذا قد يتغير مستقبلا.
فقد فضل بيرتس تعزيز مكانته التنظيمية داخل الحزب، من خلال كسب "رضى" اصحاب مراكز القوى، مثل بنيامين بن اليعيزر، والشابان اوفير بينيس ويتسحاق هيرتسوغ، اللذان يحظيان "بدفء" مميز في صفوف الحزب، وشالوم سمحون الرجل القوى في قطاع القرى التعاونية.
واعتقد المراقبون في حينه، ومعهم بارفرمان، أن من كان موعودا بحقيبة المالية سيحظى على الاقل بأية حقيبة اخرى في اطار الائتلاف إلا أن شيئا كهذا لم يحصل.
وليس صدفة أن اتهامات بـ "خيانة" الناخب توجه لعمير بيرتس من داخل صفوف الحزب، وعلى رأسها "خيانة" البرنامج الإقتصادي الاجتماعي، و"خيانة" الوعد بقيادة جديدة لحزب "العمل".
ولكن الخلاف لا يتوقف عند هذا الحد، فهذه الخماسية تتهم بيرتس بأنه يخطط للسيطرة على كامل هيئات الحزب، من خلال تغيير تركيبتها وضم الكثير من أنصاره ليمسك بكامل الأمور ويسيطر على آلية القرار.
ويقول النائب متان فلنائي أن انتخاب عمير بيرتس أفقد الحزب الكثير من جمهور مصوتيه التقليديين، واضعف النواة الصلبة للحزب، فهو جعل من حزب "العمل" التاريخي، حزبا صغيرا على شاكلة حزب "عام إحاد" الذي كان يتزعمه بيرتس.

خماسية ليست متجانسة

عمليا أمامنا خماسية من الاسماء "اللامعة" على الساحتين السياسية والأمنية في إسرائيل، وفي حال توحدت فإنها ما من شك ستشكل خطرا على بيرتس عند اول مطب يسقط فيه، إلا أن بيرتس يعرف أن أمامه خماسية ليست متجانسة، لأن ثلاثة فيها يطمحون لمنافسته على زعامة الحزب، وهم عامي أيالون وافيشاي بارفرمان ومتان فلنائي الذي اعلن منافسته قبل عدة اشهر وانسحب منها لصالح شمعون بيرس، وهذا الى جانب أن النائب داني يتوم هو من كبار انصار رئيس الحكومة الأسبق ايهود براك، الذي لا يزال يحاول الدخول الى ساحة المنافسة والعودة الى زعامة الحزب، ولا يظهر أن الظروف مناسبة له في هذه المرحلة.
وعلى ما يبدو فإنه من المستبعد أن تتوحد الخماسية على رأي مشترك، وحول منافس وحيد أمام بيرتس، فبارفرمان يرى نفسه الأكثر كفاءة، فقد كان له اسم بارز في البنك الدولي، ومنصب اكاديمي رفيع، وعمل على رفع اسم الجامعة الصحراوية في بئر السبع، وجعلها مركزا للقضايا الاجتماعية، وجاء الى السياسة برصيد غني.
أما زميله عامي أيالون فهو ينسب لنفسه رصيدا أمنيا "غنيا"، وفي نفس الوقت صاحب رؤية استراتيجية، حول شكل الحل الدائم مع الفلسطينيين، وقد ابرم مع البروفيسور سري نسيبة وثيقة مشتركة، ولا يكتفي أيالون بهذا بل يهاجم بيرتس من هذه الزاوية في وسائل الاعلام، ويدعو رئيس الحكومة ايهود اولمرت للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد يكون متان فلنائي الحلقة الأضعف في هذه المنافسة، فهو يحمل معه لقب جنرال، كمث باقي الجنرالات الذين فور خلعهم البزة العسكرية انضموا للحلبة السياسية.
ولكن يبقى السؤال المطروح هو نوايا ايهود براك المستقبلية،  فهو لم يلق بوزنه الكافي في الحملة الانتخابية، وهناك من يتهم عمير بيرتس بأنه لم يفسح له المجال، إلا أن بريق براك قد خفت كليا في السنوات الأخيرة، وظهوره على الساحة ستكون له نتائج عكسية، فهو سيساعد على تفريق المعسكر المناهض لعمير بيرتس، الذي لا يزال قيد التبلور.
على الرغم من كثرة الحديث عن المنافسة على زعامة حزب "العمل"، فإنه حتى الآن لا يوجد تاريخ واضح لهذه المنافسة، فدستور الحزب يقر باجراء انتخابات لرئاسة الحزب بعد ستة اشهر من الانتخابات البرلمانية في حال لم يفز الحزب برئاسة الحكومة، ولكن هناك ثغرة في الدستور، ويدور خلاف حولها، وهو إذا ما بند الانتخابات ملزم في حال انضم الحزب فور الانتخابات الى ائتلاف حكومي، ويصر المعارضون على أن هذا البند ينطبق أيضا في حالة الائتلاف، بينما يدعي انصار بيرتس أن بند الدستور لا يسري في الحالة، وفي حال سيطر بيرتس على هيئات الحزب، فإنه سيكون باستطاعته ادخال تعديل لبند الدستور المذكور.
ولكن العامل الزمني هو أيضا مريح للتكتل المعارض لبيرتس، فالأخير انتقل من حلبة الصراع على القضايا الاقتصادية الاجتماعية، التي بنى عليها كل رصيده السياسي، الى حلبة الحرب والاحتلال، وهذا سيبعد جمهور مصوتين كبير عن حزب "العمل" مما سيعمق أكثر الأزمة في داخل الحزب، ويوسع المطالبة باقالة عمير بيرتس، أو هزيمته من خلال انتخابات داخلية.

فرص الانشقاق

يتكهن الكثير من المحللين بأن هذه الخماسية، وقد ينضم اليها لاحقا آخرون، ستعمل على الانسلاخ عن الكتلة الانتخابية وتشكل كتلة منفصلة او أن تنضم الى حزب "كديما"، وليس من المستبعد ان ما تتناقله الصحافة الاسرائيلية هو بمبادرة بعض هذه الخماسية من منطلق حرب المناورات أو اطلاق البالونات التجريبية.
ولكن حتى الآن من المستبعد جدا الحديث عن انشقاق، فهذه الشخصيات، وعلى الرغم من اسمها اللامع، إلا أنها حديثة العهد في صفوف الحزب، ولا يوجد لها قواعد في داخله، بامكانها ان تشكل وزنا يؤخذ بالحسبان، ولهذا فإنها لا تعدو أكثر من كونها نجوما لامعة، وهذا شرط مهم، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في الساحة السياسية الاسرائيلية لتشكيل قوة حزبية ذات وزن، والتجربة من هذا النوع غزيرة جدا في السنوات الأربعة عشر الأخيرة، على وجه الخصوص.
ولهذا فإن ما سنشهده في الأشهر المقبلة، أو الى حين اجراء الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، هو حرب "شعواء" بين بيرتس وبين من تركهم في المقاعد الخلفية من دون أي وزن برلماني، سوى كونهم أعضاء كنيست عاديين.
ولكن هذا الخلاف سيواصل في الانتقاص من قوة هذا الحزب التاريخي، فنحن في فترة اضمحلال الحزبين التاريخين الأكبرين، "الليكود" و"العمل"، والسنوات القليلة القادمة، أي حتى الانتخابات البرلمانية القادمة، ستكون مصيرية لهذين الحزبين، اللذين سينتظران الفرصة الأخيرة لهما للعودة الى صدارة الخارطة السياسية، وهذا مرهون بقدر كبير جدا بتماسك "حزب "كديما" وفرص بقائه على رأس السلطة الاسرائيلية.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر