الصراع على سورية مجدداًالاحد 18/6/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
تأزم المعادلة الداخلية اللبنانية وتراجع الأمل بمرحلة سياسية جديدة، بروز أزمة البرنامج النووي الإيراني، وصول حماس إلى السلطة، وتدهور الأوضاع العامة في العراق (فشل المشروع الأميركي) كل هذه تطورات تبدو كأوراق إقليمية ناجحة بيد النظام السوري تترافق مع تراجع الضغوط الأميركية.يبدو الانعكاس المباشر، لهذه المتغيرات، على الأوضاع الداخلية بإطلاق يد النظام ضد المعارضة السورية واعتقال رموزها، بخاصة الذين وقعوا على إعلان دمشق- بيروت، ما يعني للعديد من المحللين أنّ طموح الإصلاح المشروع قد ذوى تماماً وأنّ المرحلة القادمة لن تشهد تغييراً سياسياً يذكر. إلاّ أن ما يطفو على السطح لا يعبر بالضرورة عما يدور في العمق، فعلى خلاف هذه الملاحظات الأولية فإنّ أزمة النظام تتجذر يوما بعد يوم، وتزيد المسافة الفاصلة بين إمكانية الإصلاح وحتمية الانهيار. قد لا تعبّر الاعتقالات الأخيرة سوى عن عملية هروب إلى أمام من مواجهة تحديات تعصف بالنظام، وإذا كان هنالك اتجاه واضح في التحليل السياسي يرى أنّ سقوط النظام لا يمكن أن يتم سوى بتدخل أميركي خارجي فإنّ العوامل التي تحفر في أسس النظام ليست خارجية أو إقليمية بل داخلية مستمدة من طبيعة النظام ذاته ومن تطور المجتمع السوري. في مقاله التحليلي المطوّل في مجلة الشرق الأوسط "ميريا" (حزيران 2006) يذهب البروفسور الإسرائيلي إيال زيسر، رئيس قسم الشرق الأوسط في مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أنّ أيام حكم الرئيس بشار باتت معدودة وأنّ ثمة سؤالاً جادّا اليوم حول من سيحكم سورية في المرحلة القادمة ووفق أية سياسة سيحكم؟ وهو السؤال الذي يعيدنا، وفقاً لزيسر، إلى حقبة الخمسينات والستينات قبل مرحلة حافظ الأسد (1970-2000) أي سؤال الصراع على سورية مرة أخرى. يرى زيسر أنّ بشار الأسد استلم الحكم في مرحلة كانت تقف فيها سورية على مفترق طرق حقيقي. صحيح أن والده تمكّن من السيطرة على الأوضاع الداخلية بعد أن كانت غير مستقرة نهائياً، وتمكن كذلك من تطويع المجتمع والحراك السياسي الداخلي وإطلاق يد الأمن بدرجة كبيرة معتمداً على حلقة من التحالفات (عائلية، طائفية- علوية، حزبية- بعثية) تغلفها أيدلوجية قومية (يحملها حزب البعث) تعطي مشروعية سياسية للحكم الاستبدادي إلاّ أنّ نهاية الثمانينات حملت تحديات جديدة وخطرة بدأت تتصاعد في التأثير على النظام؛ في مقدمتها انهيار الحليف السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة في الحكم والعولمة بما تحمله من مضامين اقتصادية وسياسية وإعلامية كبيرة يصعب التحايل عليها. في بداية حكم بشار ظهرت بوادر لانفتاح سياسي، وبرزت إلى السطح بسرعة حركة منتديات ثقافية، سياسية واجتماعية وانطلقت الاف الأصوات المطالبة بالإصلاح السياسي وبحكم ديمقراطي- ليبرالي في سورية وبالخلاص من حكم البعث. على الرغم من أنّ الرئيس بشار شجّع حركة المعارضة، وحرّضها على انتقاد الحكومة، إلاّ أنه بنفسه – في منتصف 2001- هاجمها واتهمها بالعمالة للغرب وبتهديد الاستقرار، وتم إغلاق المنتديات ووضع عدد من المعارضين في السجن. ويبدو واضحاً، بعد السنوات والشهور التي مرت على حكم بشار أنه غير قادر على إحداث إصلاحات سياسية حقيقية.
السؤال الرئيس الذي يطرحه زيسر هو فيما إذا كان بمقدور الرئيس بشار الصمود والبقاء خلال الفترة القادمة؟ وللجواب على هذا السؤال يُشرّح زيسر جملة الفواعل والعوامل الرئيسة في المشهد السوري اليوم، فهنالك المتغيرات الدولية التي تضعف النظام شيئا فشيئاً؛ في مقدمتها الضغوط الأميركية والغربية والحالة اللبنانية، فبعد ربع قرن من حكم لبنان يخرج النظام منها تلاحقه قرارات مجلس الأمن وتهمة اغتيال الحريري بما تحمله من مساءلة دولية وملاحقة لرموز النظام المقربين من الرئيس (ماهر الأسد، آصف شوكت، فاروق الشرع)، كما يبدو أنّ التحالف القوي الذي تمكن حافظ الأسد من تشكيله مع السعودية ومصر قد ضعف كثيرا مع بشار اليوم.
على صعيد مواز يبرز التحدي الداخلي وتقوى شوكته، وإذا كان بشار تمكن من مواجهة حركة المجتمع المدني والمثقفين السوريين، فإنّ هذا لا يعني نهاية الطريق، فالسرعة التي برزت بها هذه الحركة إلى السطح والخطاب الليبرالي الديمقراطي الذي تحمله يشي بوجود روافع لها داخل المجتمع. ولعل سهولة انقضاض النظام على هذه القوى، من دون مساندة شعبية كافية لها، تكمن في عدة أسباب أولها التوجهات الفكرية الليبرالية لهذه القوى التي تطالب بالديمقراطية والانفتاح في مواجهة نظام معادٍ للغرب والولايات المتحدة ما يضعف هذه القوى أمام الرأي العام السوري ذي النزعة العربية، كما أنّ هذه القوى لم تلامس هموم الشارع السوري الاقتصادية. يمثل التيار الإسلامي التحدي الحقيقي للنظام حالياً. وإذا كان النظام يساير حركة "أسلمة المجتمع" بالتحالف مع عناصر تقليدية، فإن السؤال فيما إذا كانت هذه القوى الإسلامية ستقبل بالانقياد للنظام أم أنّ شهوة السلطة ستسيطر عليها. ويشير زيسر إلى "الإسلام الراديكالي" الذي بدأ يمد نفوذه داخل المجتمع، الأمر الذي يظهر من خلال العمليات التي تقوم بها بعض خلاياه ويعلن عنها في بعض الأوقات. أما جماعة الإخوان فتعمل اليوم مع أجنحة من المعارضة السورية بخاصة الليبرالية (عبد الحليم خدام) في محاولة لطمأنة المجتمع بأنّ ثمة بديلا ليبراليا- إسلاميا لحكم بشار وأنّ السيناريو العراقي لن يتكرر في سورية. في مقابل التحديات الكبيرة، يرى زيسر أن الرئيس بشار قد نجح بإظهار نفسه مدافعا ومحاميا عن الأمة العربية في مواجهة الولايات المتحدة، وهو ما يلقى قبولا لدى الرأي العام العربي والسوري في مقابل السياسات الأميركية والإسرائيلية. وإذا كان بشار يعتمد على حزب البعث كأداة للتعبئة والتحالف في المجتمع، إذ يضم الحزب قرابة مليون ونصف مليون عضو منهم قرابة نصف مليون عضو عامل، إلاّ أن هذا لا يعني استقراراً وولاء من هؤلاء، فكثير منهم دخلوا الحزب طمعاً في فرص سياسية واقتصادية أفضل، كما أنّ التطورات الاقتصادية المتتالية تجعل نسبة كبيرة من الأعضاء غير راضين عن الحالة الراهنة. ليست حسابات القوى وحدها الحَكم في تحديد مستقبل بشار والحُكم السوري، فهنالك العوامل النفسية الخطرة وفي مقدمتها إفلاس المشروع الاقتصادي- التنموي والشعور العام بالاخفاق والفشل، التي تمثل معاول هدم خطرة وفاعلة. يخلص زيسر إلى القول: صحيح أن النظام السوري أظهر قدرات كبيرة في مهارات البقاء في السنوات الأخيرة، لكنه يجد نفسه اليوم في ظلال صعود التحدي الإسلامي الخطر. مفتاح مستقبل سورية على المدى القصير بيد رئيس البيت الأبيض في الولايات المتحدة، فعلى المدى البعيد المفتاح بيد الشارع السوري، الذي يتغير وجهه، كما عليه الحال في المجتمع العربي.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|