إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



نظام عالمي جديد قادم!

الاحد 18/6/2006
منار الرشواني- "الغد" الاردنية

في العام 1991، كانت منطقة الخليج العربي المكان الذي أعلن منه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب ولادة نظام عالمي جديد؛ فعاصفة الصحراء لم تكن ممكنة لولا السقوط الفعلي للاتحاد السوفييتي قلب المعسكر الاشتراكي بعد أن كانت قد تساقطت أطرافه. وفعلا لم تكد تنتهي العاصفة حتى تبين أنها حملت معها ذاك المعسكر رسميا، فبات الاتحاد السوفييتي دولا متعددة.
وبعد ما يقرب من عقد ونصف العقد على ذلك التاريخ، يبدو أن منطقة الخليج ذاتها ستكون مرة أخرى المكان الذي سيعلن على أرضه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، هذه المرة، نهاية ذاك النظام الجديد، نحو نظام آخر يمكن القول ابتداء أنه لن يكون أكثر حداثة وأمنا بالتأكيد. أما العنصر الأهم في وضع الحد الفاصل بين النظامين، الحالي والقادم، فلن يكون سوى إيران وبرنامجها النووي!
فوفقا لكل المعطيات المتاحة والمنطقية تماما، يبدو أن إيران تسير من نصر إلى آخر بعد أن أعلنت الولايات المتحدة انضمامها إلى وكلائها السابقين، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على طاولة المفاوضات المباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. وإذا كان قوام عرض الدول الكبرى محور المفاوضات هو حوافز وإغراءات أميركية وأوروبية، تبدو اقتصادية في جوهرها، مع بعض السياسي وحتى النووي، إلا أن الأهم وغير المعلن ضمن ذلك، أو كنتيجة حتمية له، هو التسليم طوعا أو كرها بدور إيراني في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها دولة إقليمية عظمى.
لكن المفاوضات الإيرانية-الأميركية المباشرة لا يمكن النظر إليها باعتبارها رضوخا أميركيا طارئا، إنما هي في الواقع هزيمة أميركية أعمق غورا، وبالتالي فإن المفاوضات، وإعلاء الحل السلمي والإغراءات بديلا عن الحل العسكري، ليست نصرا إيرانيا خالصا؛ ذلك أنه إضافة إلى إيران، هناك منتصرون فعليون آخرون، يظهر دورهم جليا مع استكمال عناصر الصورة الكاملة، وصولا إلى نتيجة مفادها أن عمق الملف النووي الإيراني ومآلاته لا يتوقف في تأثيراته على المنطقة العربية فحسب، بل يمتد ليطال طبيعة النظام الدولي بأكمله.
حتما لعب الغرق الأميركي في المستنقع العراقي نتيجة التورط في حرب تكشّف زيف دوافعها، دورا رئيسا في تقييد الخيارات الأميركية الأخرى باستثناء التسليم بحق إيران بامتلاك برنامج نووي، أكان سلميا أم عسكريا، لكن العامل الأهم من ذلك كان الدور الروسي والصيني (وحتما الهندي بإمكانات أقل) الذي هدف بشكل غير معلن إنما واع ومكشوف إلى استعادة مكانة الندية أو تعزيزها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية على المستوى العسكري والسياسي. وهكذا شكل الملف النووي الإيراني، بعد الهزيمة في العراق، الفرصة المثلى لهؤلاء ليقطعوا الشك باليقين بالنسبة للولايات المتحدة بشأن نهاية مرحلة الأحادية القطبية القائمة على نزعة التفرد في القرارات والسياسات التي مارستها الولايات المتحدة حتى وقت قريب، ولاسيما باحتلال العراق، وأن أي تحرك عالمي قادم لا بد أن يكون بالتنسيق مع الأطراف الدولية الكبرى الأخرى، التي إن افتقدت إمكانات الولايات المتحدة، إلا أنها قادرة على تعطيل مشاريعها تماما، وإظهارها بمظهر المعزولة عالميا.
طبعا، يبدو نوعا من السخرية والتهكم، أو جلدا للذات في أحسن الظروف، التساؤل عن موقع العرب في صناعة النظام العالمي القادم! لكن مع ذلك يبقى سؤال آخر لربما يكون أكثر أهمية وحسما في الفترة الانتقالية التي يعيشها العرب، وهو: أي قيم سيختار العرب في عالم سيكون متعدد الأقطاب عسكريا، إنما ثنائي القطبية قيميا؟

شئنا أم أبينا، ورغم كل الإساءات الأميركية كانت القيم السائدة في النظام العالمي المحتضر هي قيم الحرية واحترام حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية؛ فيما لاتزال الصورة المناقضة هي السائدة في الأقطاب المقابلة. والقيم التي سيختارها العرب ستحكم حتما تحالفاتهم السياسية وتأييدهم لذلك الطرف أو ذاك؛ ولذلك فإن المعنيين فعلا بهذا السؤال هم الديمقراطيون غير المؤمنين بالديمقراطية باسم القومية والإسلامية، أو بعبارة أدق "نكاية بأميركا".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر