إسرائيل تثأر لإرهابي
الاحد 25/6/2006 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
بهدوء وبعيدا عن الاضواء العالمية ترتكب اسرائيل الرسمية، في هذه الأيام جريمة جديدة، والمقصود ليس في غزة، فلحسن "حظنا" المأساوي فإن الدم المسفوك في غزة من اجساد الاطفال وامهاتهم وآبائهم واجدادهم، التي مزقتها صواريخ قوات الاحتلال، تحظى باعلام عالمي، ولكن من مثل اسرائيل يعرف كيف ترتكب المجزرة مرتين، تنتشل جثامين الشهداء لتقتلها مرة أخرى. فقد قررت الحكومة واذرعها الأمنية والاستخباراتية، الآن، أن تثأر للارهابي عيدان نتان زادة، الذي تمت تصفيته وهو يرتكب مجزرته الارهابية في مدينة شفاعمرو في الشمال، في الرابع من آب (أغسطس) من العام الماضي، حين صعد الى حافلة تقل المسافرين الى مدينة شفاعمرو، وما أن توقفت الحافلة في حي سكاني مكتظ فتح النار في جميع الاتجاهات، فسقط برصاصه اربعة شهداء، شاباتان شقيقتان، وسائق الباص واحد أبناء المدينة، وجرح آخرين كثيرين، وما أن همّ يملأ بندقيته بذخيرة اضافية نجح بعض المتواجدين في الانقضاض عليه ليشلوا حركتهم، وقد مات في تلك الساعة. كانت الجريمة محرجة لساسة اسرائيل في تلك اللحظة عينيا، فلم يبخلوا ببيانات الاستنكار واطلاق الاوصاف على الارهابي، ليعترفوا بارهابيته، بهدف امتصاص الغضب، فقد كان الارهابي جنديا نظاميا في جيش الاحتلال الاسرائيلي، ونفذ جريمته بسلاح مرخص من الجيش نفسه، وهو من مستوطني واحدة من اكثر المستوطنات وكرا للارهابيين من امثاله، وهو معروف بتطرفه وعقليته الشرسة لدى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية. ورغم الجريمة ونتائجها المأساوية، ورغم كثرة الدلائل على ان الارهابي لم ينفذ جريمته بمفرده، أو على ألاقل كان من يعلم بنواياه، ومن بينهم والدة الارهابي نفسها، التي اصبحت تتنكر لاقوالها بتشجيع من قوى متطرفة، إلا ان السلطات الاسرائيلية لم تقم بأي تحقيق جدي ورسمي لمعرفة الجهات التي كانت وراء الجريمة، ودور الأجهزة الأمنية في منعها. وبدلا من ذلك فقد قررت اسرائيل أن الارهابي مات في عملية قتل من مجموعة، أو حسب التعبير المتعارف عليه، "لينش"، وقررت انها تريد التحقيق مع من تصفهم بـ "قاتليه" ومعاقبتهم، وبالأحريى الانتقام منهم، وأجرت على مدى الاشهر الماضية تحقيقات في وتائر متفاوتة، مع مطلب واضح من قوى اليمين والحركات الارهابية "بمحاكمة" اهالي المدينة الذين منعوا الارهابي من مواصلة جريمته. وقبل الايام شنت قوات البوليس الاسرائيلي غارة ليلية على مدينة شفاعمرو لتعتقل سبعة من ابنائها، معلنة انها ستعتقل المزيد، واعلن ضابط التحقيق امام المحكمة عند النظر في تمديد اعتقالهم ان الشرطة توجه لهم تهمة القتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد. بمعنى ان هؤلاء المعتقلين، وكما ترى اسرائيل، فانهم كانوا ينتظرون الارهابي ليأتي الى مدينتهم وينفذ الجريمة ليقتلونه، "مع سبق الاصرار والترصد" فهذه المعادلة الغريبة مناسبة جدا للعقلية الاسرائيلية، خاصة حينما تكون الضحية عربية والقاتل يهودي. وترفض النيابة بقرار وتوجيه سياسي الاعتراف بأن كل ما دار في الحافلة خلال تلك الساعة كان دفاعا عن النفس، ودفاعا عن اهالي المدينة وحمايتهم من مجرم جاء ليقتل اكبر عدد من العرب، لا لشيء إلا لكونهم عربا. صاحت احدى النائبات في الكنيست الاسرائيلي خلال جلسة لبحث القضية قبل أيام، قائلة، إن "نتان زادة قتل بدم بارد على يد ارهابي عربي"، وهي معروفة بافكارها العنصرية، ولكنها في تلك اللحظة لم تعبر عن رايها الشخصي فحسب، بل عن العقلية المتجذرة في عقول ساسة اسرائيل. خلال عشرات السنوات الماضية جرت سلسلة من المجازر والجرائم التي نفذها ارهابيون يهود، وغالبيتهم الساحقة اصبحت طليقة حرة، فجريمة قتل العربي لا تساوي في نهاية الأمر إلا بضع سنوات قليلة في احد السجون المفتوحة، وبظروف نقاهة متناهية، وعلى سبيل المثال، فإن ارهابي يدعى عامي بوبر، نفذ مجزرة في العام 1990 عند مدينة ريشون لتسيون، فقتل سبعة عمال فلسطينيين وجرح أخرين، وحكم عليه المحكمة بالسجن المؤبد سبع مرات، جعلها رئيس الدولة الاسرائيلي 40 عاما مجتمعة، وسيحظى بعفو رئاسي قادم قريب، ولكنه اليوم يقيم في سجن مفتوح، فهو يبقى طيلة ايام النهار خارج السجن ويعود لينام فيه، ويمضي نهاية الاسبوع في بيته، وخلال السنوات الستة عشر، سمح له بالزواج، وله أولاد. وهذا غيض من فيض عن اسرائيل التي تشغل العالم كله بما تسميه هي "ارهابا ضدها"، في حين ان الارهاب الاسرائيلي اصبح نموذجا من الصعب تقليده، لأنها تبتكر الارهاب يومياً.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|