من سيدفع الثمنالثلاثاء 11/7/2006 منار الرشواني- "الغد" الاردنية
بالنسبة لإسرائيل، فإن تدمير البنية التحتية الفلسطينية المدمرة أصلا، وإرهاب مدنيين عزل في قصف ليلي يومي قبل الإجهاز على العشرات منهم على مرأى من عيون أطفالهم، إن لم يكن هؤلاء هم الضحايا غالبا، كل ذلك هو ثمن أقل من مستحق يتوجب على الشعب الفلسطيني دفعه عاجلا لقاء اختطاف جندي إسرائيلي واحد، والذي تم وفق حق تكفله الفطرة الإنسانية قبل القوانين الإلهية والدولية غير الأميركية، وهو الحق في المقاومة والتحرر. كذلك، فإن الإدارة الأميركية، وفي اشد تجليات عدالتها، ترى في إحراق الأرض وإراقة الدم الفلسطيني ثمنا معقولا ومنضبطا أيضا، حتى قبل اختطاف جندي الاحتلال، ربما لأن إسرائيل كانت دائما ملتزمة بالشرعية الدولية التي كفلت، ضمن اشياء أخرى كثيرة، تحرير كل الأراضي العربية المحتلة دون مقاومة عسكرية، ناهيك عن السماح للفلسطينيين بالعيش الآمن، حتى استحقت هذه المقاومة وصف الإرهاب. لكن أيا كانت الذرائع التي تستند إليها إسرائيل للإقدام على عدوانها، بل والتمادي فيه عقب اختطاف جنديها، حدا ينحدر إلى مستوى هتلري نازي، وأيا كانت المبررات التي تتفهمها أميركا وبعض من حلفائها الغربيين لقبول ذلك العدوان، يظل التفسير الصحيح الأوحد هو أنه فيما تسعى إسرائيل إلى استئصال جذور المقاومة، عسكرية كانت أم سياسية، بما يمكنها من السير قدما في مخططاتها أحادية الجانب، تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنها في مأمن من أي رد فعل يكلفها غاليا، ليس لأنها قررت فهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبعدها تفجيرات لندن في العام 2005، على وجه الخصوص، باعتبارها نتيجة حقد على الحضارة الغربية، أو في أحسن الاحوال نتيجة تعليم ديني متطرف أو تهميش اجتماعي يمكن معالجتهما بعيدا عن القضية الفلسطينية، إنما شعور الأمن الغربي مرده تبني المنهج الأمني الوقائي الذي يفترض به ضمان إحباط أي عمل إرهابي مستقبلي. ورغم أن تفجيرات مدريد في العام 2004، وبعدها تفجيرات لندن، لم تحدثا أبدا في ظل رخاء أمني، تظل دروس الماضي تلك كفيلة بجعل الرؤية الأميركية السابقة صائبة إلى حد ما، على المدى القصير على الأقل، وليبرز هنا بالتالي الأهم والأخطر الذي يطال الدول العربية تحديدا، أنظمة وشعوبا على السواء. فشعور الأمن الأميركي الذي يغري بدعم عدوان إسرائيلي مدمر ومذل في غزة وسواها من المناطق الفلسطينية، لا يقل في الواقع على الجانب العربي عن خيانة أميركية لكل الدول العربية التي قررت السير في ركب السلام في المنطقة، على أمل تحقيق الاستقرار والازهار فيها. جوهر الخيانة الأميركية ليس في أن ثمار ذاك السلام الموعود أو المزعوم تبدو في كل يوم ثمار سراب ليس إلا، بل لأنه ونتيجة للتحصن الأميركي، ولو إلى حين، سيكون منطقيا تماما توقع توجيه جميع أعمال الانتقام من الولايات المتحدة، وإسرائيل من خلفها، إلى المصالح الأميركية في البلدان العربية، التي باتت، رغم رفضها العدوان الإسرائيلي إنما من دون قدرة على التحرك، بمثابة الحلقة الأضعف التي يتوجب عليها دفع الثمن من استقرارها، بما يشمل إزهاق أرواح مواطنين أبرياء، أو في أحسن الظروف تراجعا على مستويات التنمية كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لحساب متطلبات الأمن! وبعبارة واحدة تجسد الحقيقة دونما مبالغة، فإنه في مقابل كل قنبلة تسقط في غزة، وفي مقابل كل طلقة رصاص توجه إلى صدر فلسطيني، أكان من فصائل المقاومة أو لم يكن، إنما تزرع إسرائيل وأميركا قنبلة موقوتة في غير بلد عربي، تطال أسس الاستقرار فيه، ولتكون النتيجة أن يموت العرب مرتين، مرة بيد إسرائيل في فلسطين، ومرة أخرى بيد عرب آخرين بدعوى ضرب المصالح الأميركية، فهل هذا ما تريده الولايات المتحدة فعلا، مع يقين أنه أمر أكثر من مرحب به إسرائيليا؟ بات معروفا أن الجيش الأميركي هو جيش للقتال والحرب وليس لحفظ السلام، لكن من الضروري معرفة ما إذا كان سياسيو الولايات المتحدة، ولا سيما الإدارة الحالية، قد دربوا أيضا لصناعة الحروب وضمان إبقاء جذوتها مشتعلة، ولم يدربوا بالتالي على صناعة السلام؟ وليكون السؤال اللاحق: وأي مصلحة بقي للعرب في التعاطي سياسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وماذا بقي من السلام؟
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|