إيران: شكرا أميركا وإسرائيلالاثنين 17/7/2006 منار الرشواني- "الغد" الاردنية
مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم يعد بإمكان الرئيس الأميركي بوش إلا أن يكشف عن نبوّته رسول ديمقراطية وحرية إلى العالم. ولأنه ما من مكان يمنح شرعية النبوة كما أرض الديانات السماوية الثلاث، فقد كان العالم العربي هو ساحة العمل الأهم للرئيس وحوارييه. لكن الرئيس إذ أعلن الحرب العالمية (وليس الصليبية) المقدسة على الإرهاب، فإنه لم تمض سوى سنوات قليلة جدا حتى بات العالم أكثر رهبة وإرهابا. والرئيس نفسه الذي حار في تبرير غزو العراق حتى اهتدى أخيرا إلى دمقرطته بعد تحرير أهله من الديكتاتورية والاستبداد، هذا الرئيس انتهى بمهد الحضارة منذ آلاف السنين مثالا على شريعة الغاب في القرن الحادي والعشرين، وبما يستدعي دوما مقارنة مؤلمة بين عهد الديمقراطية الأميركية وبين عهد استبداد صدام وغيره ممن لازالوا على كراسي استبدادهم، والإجابة معروفة للجميع! لكن الحقيقتين السابقتين ليستا بأي حال من الأحوال دليل عبقرية رئاسة أميركية فذة، لأن الديكتاتورية كانت دوما أهم المتلقين للدعم والمنح الأميركية بأشكالها كافة، مادية ومعنوية، والرئيس إن لم يكذب لكن أخذته النشوة، فإنه يظل محكوما بحقائق المصالح. أما عبقرية الرئيس فتتجلى في الواقع في الحالة الإيرانية؛ فهل يريد الرئيس بوش أن تمتلك إيران سلاحا نوويا أم لا يريد؟ وابتداء، هل هو خصمها أم حليفها؟ بلغة الخطابات، سيبدو ساذجا مجرد طرح السؤال، فكيف بالإجابة عنه؛ لكن بلغة الأفعال والوقائع، تبدو الإجابة جد مثيرة. فنتيجة للتخطيط الأميركي المحكم والدقيق، وكما بات معروفا، خاضت الولايات المتحدة حربين بالوكالة عن إيران (وليس العكس)، واحدة في أفغانستان والثانية في العراق. وإذ بات مسلما به أن إعلان "الوكيل" (أميركا) الخسارة في "الديمقراطيتين" الجديدتين هو مسألة وقت فحسب، إلا النصر في الحربين كان حليف إيران التي بدأت فعلا موسم حصاد مازال مستمرا. لكن ربما أن ذلك كان قبل اكتشاف البرنامج النووي الإيراني السري، بحيث غدا منطقيا وضروريا مراجعة الحسابات الأميركية بما يمنع خروج المارد الإيراني النووي من قمقمه، أو على الأقل تقليم أظافره لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في حال استحال هذا المنع، كما يبدو على الأغلب. وفي هذا السياق ربما يمكن فهم تصاعد الاتهامات الأميركية العلنية لإيران بدعم مليشيات موت في العراق، على سبيل المثال لا الحصر، تتولى عمليات إبادة طائفية. لكن مرة أخرى، فإن الاتهامات السابقة وغيرها لا تعدو أن تكون محض كلام فارغ، ليكون ما يجري اليوم في لبنان أكبر دليل على سعي أميركي مستمر لجعل إيران لا قوة إقليمية على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل وقوة إسلامية تتحدث باسم المسلمين والعالم الإسلامي ككل. فأيا كان الموقف من عملية حزب الله، يظل مما لا يقبل الجدل أن أقل ما يقال بشأن مطالب الحزب، ولا سيما إطلاق سراح المعتقلين العرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، هي أنها مطالب عادلة، وبدلا من أن تضغط أميركا باتجاه إنهاء هذا الملف، الإنساني أولا وأخيرا، ونزع فتيل حرب قادمة لا محالة (وهنا يصدق أيضا أمين عام حزب الله بأن إسرائيل لن تطلق سراح أسير لديها إلا مقابل أسير أو أسرى إسرائيليين)، قررت الولايات المتحدة بدعمها إسرائيل إشعال الفتيل مرة أخرى! وحتى عند هذا الحد، لم تستدرك الإدارة الأميركية خطأها، بل أتبعتها بخطيئة تمثلت في أعلان الرئيس بوش دعمه المطلق لإسرائيل في ما أسماه "الدفاع عن نفسها"، والذي لا يظهر على الأرض إلا إحراقا للبنان ككل، المسلم والمسيحي بطوائفه كافة؛ قتلا للمدنيين، وتدميرا للبنية التحتية. وأمام المذابح الإسرائيلية في لبنان، التي لا يكاد يقطعها إلا مذبحة أخرى أو قصف آخر على قطاع غزة، بات الموقف الشعبي العربي والإسلامي في أكثريته العظمى على الأقل محسوما، ضد إسرائيل ومع حزب الله الذي يجسد جبهة المقاومة الوحيدة في وجه عدو لا يؤمن إلا بلغة القوة والدماء والدمار، وأخذ الرهائن تحت مسمى الأسرى. وفي مقابل الدماء والأشلاء والدمار الرهيب التي يخلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان، هناك صواريخ حزب الله التي تدك عمق إسرائيل مجرّعة الإسرائيليين من ذات الكأس التي طالما شرب منها اللبنانيون والفلسطينيون وغيرهم، ومعلنة نهاية الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على نقل المعركة إلى أرض العدو، بما يتضمنه ذلك من تغير في صورة الجيش الإسرائيلي وقدرته على حماية أمن مواطنيه. ولتكون المحصلة الحتمية المؤكدة اليوم، نصرا معنويا عاجلا لحزب الله في الشارعين العربي والإسلامي. ذاك هو الجزء الظاهر والواضح من الصورة، التي يقبع خلفها المنتصر الفعلي، في أي اتجاه سار العدوان الإسرائيلي. فرغم أن الدم المسفوح عربي، والأرض المحروقة عربية، إلا أن المنتصر الذي سيجني الثمار لن يكون سوى إيران، كيف لا وهي صاحبة الفضل أصلا في إيجاد حزب الله المقاوم والمدافع عن الكرامة العربية! ولذلك، فمنطقي جدا أن لا يعلو اليوم على صوت هدير المدافع وأزيز الطائرات وانفجار الصواريخ، سوى صوت المسؤولين الإيرانيين (وليس صوت مدافعهم) دعما لحزب الله وتقريعا للعرب على "تخاذلهم!" و"تفرقهم!"، وهو أمر ضروري بالنسبة للقيادة الإيرانية للتذكير بصانع مجد الصمود الحقيقي، إيران. أخيرا، إذا كانت الإدارة الأميركية قد قررت إبقاء منطقة الشرق الأوسط مشتعلة بنيران قد تصل ألسنتها مرة أخرى إلى الأراضي الأميركية، وفوق ذلك جعل إيران قوة عظمى إقليمية وزعيمة للعالم الإسلامي، فهذه الإدارة تسير الآن فعلا في الاتجاه الصحيح، وتستخدم الأداة الإسرائيلية المناسبة، أما إذا ما أرادت استقرارا وسلاما حقيقيين، فليس هناك إلا طريق واحدة: وقف العدوان الإسرائيلي على كل الشعوب العربية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة كافة، وإطلاق سراح جميع الرهائن العرب في السجون الإسرائيلية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|