وعد رايس المشؤومالاربعاء 26/7/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
المؤتمر الصحافي الذي عقدته وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، قبل جولتها إلى الشرق الأوسط، مؤتمر تاريخي بامتياز، يتضمن الاعتراف لأول مرة بوجود مخطط أميركي إقليمي جديد للمنطقة تمثل الحرب الحالية على لبنان مفتاحه الرئيس. ولم يتأخر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية للتأكيد أنّ لدى إيران معلومات محددة حول مخططات أميركية للمنطقة، ما يعني أننا- بالفعل- أمام أيام قريبة قادمة وحاسمة، تشهد إعادة إنتاج خارطة المنطقة قد يطال ذلك الجغرافيا السياسية بدءاً من العراق. لا شك أنّ عملية حزب الله "الوعد الصادق" (أسر الجنديين الإسرائيليين) كانت مجرد ذريعة لتنفيذ مخطط كبير ومعد سلفاً للتعامل مع المنطقة، ولا شك كذلك أنّ البوصلة الحقيقية هي طهران، التي يتطلب الوصول إليها التعامل مع ملفات أخرى، وتحقيق اختراقات رئيسة للحالة الراهنة. مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" ليس جديداً، فقد ذاع صيته المرة الأولى بعد حرب الخليج 1991 وأثناء مفاوضات التسوية بين الدول العربية وإسرائيل، إذ تم إنضاجه في الثمانينيات ومطلع التسعينيات في بعض دوائر الخبرة والبحث في واشنطن، وتم تبنيه وتطويره من قبل حزب العمل الإسرائيلي، وجرى الإعلان عنه في كتاب رئيس وزراء إسرائيل سابقاً شمعون بيريس، وقبلته العديد من الدول العربية ورأت فيه تحولاً كبيراً في تاريخ المنطقة والصراع العربي- الإسرائيلي. إلاّ أنّ المصطلح سرعان ما اختفى بعد اغتيال رابين ثم توقف مسار العملية السلمية، وتبخّرت المشاريع الاقتصادية والأمنية والسياسية والمخططات المبنية على فكرة نجاح التسوية. عادت فكرة بناء نظام جديد في الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم تكن التسوية السلمية هي المدخل، هذه المرة، بل حرب العراق التي كان يراد لها أن تطلق العنان لموجة الإصلاح السياسي والديمقراطية في المنطقة وعملية بناء شرق أوسط كبير أو موسع، حسب ما جاء في مسوّدات الوثائق الأميركية والغربية. وارتبطت الفكرة الجديدة بمفهوم"الفوضى الخلاقة" وبدعوات من مثقفين وسياسيين أميركيين إلى إنهاء الصفقة التاريخية بين النظم العربية الاتوقراطية والولايات المتحدة. إلاّ أن فكرة الشرق الأوسط الجديد، الكبير، تعرّضت لهزة عنيفة وكبيرة مع فشل المشروع الأميركي في العراق وصعود الإسلام السياسي والأهم من هذا وذاك عودة المحافظين إلى الحكم في إيران، على النقيض من التوقعات الأميركية، وسعي إيران لتأكيد دورها كقوة إقليمية، من خلال برنامجها النووي بدرجة رئيسة. للحظة تاريخية بدت الإدارة الأميركية وكأنها فقدت بوصلتها ووقعت في"الشَرَك" الإيراني، فعشرات الآلاف من جنودها عالقون في العراق، وحماس حققت فوزاً تاريخياً في فلسطين، ودمشق شدت وثاق تحالفها مع طهران، بينما المجتمع الدولي منقسمٌ على نفسه، وهنالك ملامح تحالف جديد معارض للأحادية الأميركية يظهر بين الصين وروسيا. لكن من الواضح أن الإدارة الأميركية كانت تعمل بجِدٍّ، في تلك الفترة، لإعادة الإمساك بالمبادرة الدولية وتغيير قواعد اللعبة ووضع مخططات جديدة لها. لم تعد ملامح الرؤية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط، الذي وعدت به رايس، خافية، فهي لا تقوم على التسوية ولا على الإصلاح السياسي، بل على مقولات المدرسة الواقعية التقليدية في السياسة الخارجية الأميركية، أي موازين القوى والحروب والصفقات والمعاهدات السرية والعلنية، وعدم الاكتراث بقواعد القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة. يبدأ ملف الشرق الأوسط الجديد من حرب لبنان التي تهدف إلى تطبيق القرار 1559 من خلال نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني، أو القوات الدولية، على الحدود مع إسرائيل، وإضعاف دور إيران في لبنان. بالتأكيد لا يمكن حسم الصراع مع حزب الله عسكرياً، وإن كانت إطالة أمد الحرب تهدف إلى تدمير أكبر قدر ممكن من قوة الحزب وبنيته التحتية، إلا أنّ المخرج الوحيد من الوضع الراهن هو حل سياسي دولي- إقليمي تشارك فيه أطراف محلية يتضمن عملية تبادل الأسرى والعمل على حل مشكلة مزارع شبعا، وتطبيق 1559. لكن السؤال يتمثل في مدى إمكانية فرض هذه الشروط، التي تخدم مصالح إسرائيل وأميركا، على حزب الله؟ هذا رهن بتطور المسار العسكري، والقدرة على إلحاق أكبر قدر من الخسائر في قوة الحزب وهيبته، والقدرة على بناء ضغط داخلي وإقليمي لإجبار الحزب على هذه الصفقة. الملف المرتبط مباشرة بمخرجات الحرب اللبنانية هو الفلسطيني، وقد بدأت قوى فلسطينية بالعمل منذ الآن على عقد صفقة مع حركة حماس، تنهي مشروعها في الحكم، وتؤكد على الهدنة المسلحة، والتخلي عن"المقاومة" وصولا إلى استئناف المفاوضات مع الإدارة الأميركية وإسرائيل حول الخيارات المتبقية للفلسطينيين، ويجري الحديث في هذا السياق عن كيان ممسوخ يفتقد لأي معنى من معاني السيادة الحقيقية. أمّا العراق الذي شكّل معضلة حقيقية في المشروع الأميركي، فالمسار العملي الحالي يكمن في تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، بعد أن تستشري الحرب الأهلية، وتُفتقد معاني الأمن كافة، كما هو حاصل اليوم، بينما يتوجه سلاح الميليشيات العراقية المختلفة ضد بعضها، بدلاً من قوات الاحتلال، وغرق العراق في فوضى وصراعات أهلية يجعل قدرة إيران على التحكم في الشيعة وتوظيفهم في أزمتها مع العالم الغربي، والولايات المتحدة، ستضعف كثيراً. وللتأكيد على عزل إيران إقليمياً لا بد من العمل على إقناع سورية بفك الارتباط مع إيران وعقد صفقة معها تتخلى فيها عن دعم حزب الله وحماس والمنظمات الإسلامية المعارضة للتسوية، مقابل وعود أميركية بتعطيل ملف مقتل الحريري، والتخلي عن دعم المعارضة السورية، وحوافز اقتصادية، واستئناف مفاوضات التسوية مع إسرائيل. ومن الواضح أن هنالك مساراً أقليميا تقوده بعض الدول العربية وتركيا لإقناع سورية بالصفقة الأميركية. يقوم مشروع"الشرق الأوسط الجديد"، كذلك، على بناء حلف عربي- سني ضد النفوذ الإيراني، والعمل على تقليم أظافر إيران الإقليمية، وضرب تحالفاتها الدولية. في هذا السياق ستكون أولوية الإدارة الأميركية والدول الأوروبية عقد صفقة مع إيران للتخلي عن طموحها النووي، والكف عن معارضة السياسة الأميركية في المنطقة. وإلاّ فستبدأ سلسلة العقوبات الاقتصادية والسياسية والضغوط ومحاولة إسقاط النظام من الداخل والخارج، وصولاً إلى خيار العمل العسكري. إذن؛ نحن أمام مرحلة جديدة وخطيرة لفرض المشروع الأميركي سواء بالصفقات أو الحروب والضغوط والتحالفات. المشكلة ليست في الإدارة الأميركية التي لم تأت لنا في كل سياساتها سوى بالخراب والدمار، بل في النظام الرسمي العربي الذي لا يرى في خياراته السياسية إلا المصالح القطرية الأنانية الآنية، ولا يمتلك أي مقومات لإرادة سياسية فاعلة تعطيه على الأقل فضيلة المفاضلة بين الخيارات والتحالفات السياسية. بالتأكيد المرحلة القادمة، عربياً، أسوأ من الواقع الحالي. هذا هو وعد كونداليزا رايس المشؤوم للدول والمجتمعات والشعوب العربية، وإذا كان هنالك من لا يزال يجادل(!) فالنموذج العراقي واللبناني والفلسطيني خير مثال حي على نوايا العم سام تجاه المنطقة.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|