"قانا"؛ إنها أجواء أيلولية بامتياز
الاثنين 31/7/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
هل يعتقد الجيش الصهيوني أنه بهذه المجازر المرعبة الهمجية، التي يرتبكها بحق الأطفال والنساء والمستضعفين، سيخلق "قناعة" لدى المجتمعات والشعوب العربية أنه لا بديل عن الاستسلام والتسليم بميزان القوى الذي يميل، بلا شك، لصالحه مطلقاً؟ وهل يتوقع العدوان الصهيوني أن حالة اليأس والاذلال والاحباط العام ستؤدي إلى "تطويع" ثقافة المقاومة هنا وهناك. إذا كان الإسرائيليون يعتقدون ذلك، وفق ما نقرأه من نظريات المستشرقين الجدد والصهاينة في واشنطن وتل أبيب، فهم مخطئون تماما، بل على النقيض من هذه الرؤية فإنّ ما يصنعه العدوان هو توفير الشروط المناسبة لانتاج خلايا "القاعدة" وملايين الغاضبين، والشباب الذين يستعدون للمضي بعيداً في محاولة الانتقام بأي وسيلة كانت! الكارثة التي نراها اليوم في قانا، لا يمكن تصديقها. إنها مشاهد وصور تضعنا في ظل حالة أسوأ من الظروف التي ولدت فيها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عندما انهارت محادثات التسوية واشتعلت الانتفاضة الثانية، وتمادى العدوان، واستعلن العجز الرسمي العربي، ولم يبق أمام الحكومات والشعوب العربية أي مخرج أو متنفس سياسي، فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن يبقى السؤال مفتوحاً: من صنع أحداث أيلول، ولا يزال يصنعها؟! اخطر ما في الظروف الحالية أنها تدفع المزاج العام العربي والإسلامي باتجاه مواقف ورؤى غاضبة تنظر باستياء شديد للغرب وإلى رفض مطلق لمشاريع "التسوية". وتضعف كثيراً حلفاء أميركا في المنطقة، لتجعلهم في مواجهة أخلاقية وسياسية خطيرة وحرجة مع شعوبهم ومجتمعاتهم، بل وتوفر مناخات نموذجية لدعاوى "الجماعات المتشددة" ضد هذه الحكومات، بما يخلق حالة أمنية هشة وخطيرة. ماذا تريد "القاعدة" هدية أثمن من قانا اليوم؟! فإذا تجنبنا الفكر الديني والسياسي المغلق والمتطرف لها، فإن "القاعدة"، في جوهرها، شبكة فكرية وحركية تقوم على ركنين رئيسين؛ الأول منهج لا يرى إلا المواجهة المسلحة مع الغرب، بالتحديد الولايات المتحدة الأميركية، والثاني اتهام النظام الرسمي العربي بالعجز وعدم القدرة على الرد. فالظروف الحالية هي بمثابة شهادة واقعية تقدمها إسرائيل (=أميركا) إلى القاعدة، تدفع إلى القبول العام بمقولة صدام الحضارات. وإلاّ كيف يمكن أن يقرأ مقال لشخصية أوروبية محترمة كـ"يوشكا فيشر"، وزير خارجية المانيا سابقاً، يفيض تهماً وادعاءات ضد حزب الله ويحمله المسؤولية الكبرى عن الأحداث الحالية، متناسياً حجم الدمار والعدوان الذي لا يتناسب، أبداً، مع عملية أسر جنديين، ثم يخرج علينا "باري روبن"، المحلل الصهيوني، متبجحا بانجاز العدوان الهمجي داعياً العرب إلى الإقرار بالهزيمة ومتهماً المجتمعات العربية بـ "اللاعقلانية". هذه الجرائم الصهيونية تدفع النظم العربية، في المحصلة، إلى مأزق حقيقي، فعلى الرغم من وجاهة التحفظ العربي في البداية على "توقيت" عملية حزب الله، التي كانت تحسب في سياق أزمة البرنامج النووي الإيراني وموازين المعادلة اللبنانية الداخلية، إلاّ أن العدوان والدمار والقتل تجاوز تماماً عملية الحزب، فنحن أمام جرائم إنسانية مرعبة ترتكب بحق الشعب اللبناني، بينما لا تزال قدرات حزب الله العسكرية قوية. من هنا فإنّ على النظام الرسمي العربي اتخاذ موقف حاسم وصريح من الادعاءات الإسرائيلية- الأميركية بأن ثمة ضوءا اخضر عربيا للعدوان الإسرائيلي الحالي. كما أن على النظام الرسمي العربي، حتى لا يصل إلى مرحلة الشلل الكامل بعين الرأي العام، أن يقدم خطاباً وممارسة، على الأقل دبلوماسية، بدلاً من الأداء الباهت الحالي. فالحكومات العربية تصر على "الاعتدال" وعلى "العملية السلمية" في الوقت الذي تسير فيه إسرائيل بخطة الفصل الأحادي الجانب وفي بناء الجدار العازل، أي الغاء الدولة الفلسطينية عملياً، وتقوم بتدمير قطاع غزة والجنوب اللبناني على رؤوس أهلهما. فماذا يمكن أن تقول الحكومات العربية اليوم لشعوبها، على ماذا تراهن؟! سؤال برسم الإجابة المستعجلة أمام الحكومات العربية، وإلا فإن الوضع ينذر بانفجار مدوٍّ. بالأمس القريب تحدث الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، معلناً تأييده لحزب الله وحماس داعياُ إلى توحيد الجبهات الأربع أفغانستان والعراق (القاعدة) ولبنان وفلسطين (حزب الله وحماس) تحت جبهة "المستضعفين في الأرض". خطاب الظواهري هو الأخطر والأهم بالمقارنة مع خطابات قيادات القاعدة في السنوات الأخيرة، وتكمن أهمية الخطاب من جانبين؛ الأول الظروف التاريخية الحرجة التي جاء فيها الخطاب، والثاني أنه بمثابة تحول استراتيجي في تفكير القاعدة وخطابها. من يتابع المنتديات والمناظرات السلفية، في المراحل الأولى للعدوان الإسرائيلي، يقف على عمق الأزمة التي أوجدتها "التجربة العراقية"؛ فمن خطاب الزرقاوي وممارساته الدموية إلى فرق الموت والتصفية الطائفية الشيعية في العراق، بدت الحالة العربية وكأنها تسير بخطوات حثيثة إلى حالة أقرب للحروب والصراعات الطائفية والعرقية. في هذا السياق يأتي خطاب الظواهري ليضع حداً للجدل السلفي، محدثاً تحولا استراتيجياً في مواقف القاعدة، التي تمثل التيار السلفي الأكثر تشدداً تجاه الشيعة، بما يعني نزع المشروعية عن الفتاوى السلفية التي حرّمت الوقوف إلى جانب حزب الله، واتهمته بأبشع الصفات. طالما طالب المفكرون والسياسيون العرب الولايات المتحدة بعدم الخلط بين المنظمات المشروعة القانونية، التي تتحرك في سياقات وطنية وبين منظمات كالقاعدة، لا تمارس عملاً علنياً قانونياً، لكن المحافظين الجدد أصروا على تلبية المطالب الإسرائيلية باعتماد سياسة "دمج" كل المنظمات السابقة. ما نجده اليوم في خطاب الظواهري والرد الإيجابي من أصوات داخل حزب الله هو بمثابة القبول بالدمج الأميركي. فالقاعدة تتخلى عن الخلافات العقائدية مع حزب الله والفكرية مع حماس، بينما حزب الله وحماس يعلنان أن المعركة هي "فوق وطنية" مع المشروع الأميركي- الإسرائيلي. ماذا بعد هذا العدوان وتجلياته الخطيرة المختلفة، بلا شك أننا أمام مرحلة خطيرة وتغيرات بنيوية قادمة على المنطقة، لكن لا أظن أحداً قادرا على الجزم إلى أين نسير!
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|