إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عشرة مؤشرات على "شوط الحَلّة"

الأثنين 31/7/2006
هشام نفاع

سبق القول في مقال سابق هنا إن حكّام اسرائيل، السياسيين والعسكريين، يملكون طريقين للهرب من النتائج الوخيمة لمغامرة تموز 2006 الحربية على لبنان. فإما الهرب الى الأمام، نحو اجتياح بري كبير قد لا يتوقف في حدود لبنان بل يمتد الى سوريا، وإما الهرب الى الخلف عبر البحث عن مخرج سياسي ينزلهم عن الشجرة العالية التي تسلقوها ثملين بقوّتهم. في حينه بدا أننا نقف أمام خطر كبير. والحقيقة أننا لا نزال. مع ذلك، ودون انتقاص من إمكانيات تعقّد الأمور بالاتجاه الأخطر، هناك مؤشرات على اتجاه معاكس. وهي معًا ترسم سيناريو محتملا، ومأمولا أيضًا. وهي غير مرتّبة بالضرورة وفقًا لأهمية كل منها:

1. حين بدأت الأصوات الهجومية المشفّرة باتجاه الحكومة من ميمنة المعسكر الاسرائيلي تخرج مساء السبت، قلت في نفسي: ها هو العدوان الحربي يوشك على الانطفاء. فقد تطابق موقفا الليكود، على لسان النائب غدعون ساعر، ويسرائيل بيتينو، عبر بيان صحفي، من أن وقف الحرب الآن دون نزع سلاح المقاومة اللبنانية سيُعتبر "هزيمة لإسرائيل". يبدو أن هؤلاء يستشعرون انحسارًا قريبًا في المدّ الدموي فهبّوا بحثًا عن بنزين يغذون به النار.

2.  في السطور المخبأة داخل التقارير الصحفية العبرية، هناك حديث خافت عن أن العديد من الأطراف تعكف الآن على تحضير لوائح الاتهام والدفاع. فحين يقول الجيش إن الحكومات أخطأت "بالسكوت لسنوات على تسلّح حزب الله" للتغطية على العار رغم ما صنعه من قتل ودمار، يردّ أعوان ايهود أولمرت بأن الجيش لم يقدّم أية خطة عسكرية بذلك الشأن طيلة نفس السنوات. يبدو أن كثيرين يستعدون لليوم التالي للحرب، وكلّ يبحث عن أية حجّة يغطي بها مؤخّرته التي لم تزدها مغامرة تموز 2006 إلا عُريًا. أرادوا "الرّدع" ففقدوا ما تبقى منه. من الصعب فهم كيف أن مؤسسة دولة كإسرائيل تتصرّف بعكس مصالحها، حتى بمفاهيمها هي.

3.  بعض الانتقادات الجديدة المثيرة لمواصلة الحرب تأتي من جهة فئات يهمّها التأكيد على أنها تؤمن بشرعية هذه الحرب. مع ذلك، تقول، إنها تعارض الاستمرار فيها نظرًا لعدم فاعلية ولا جدوى الأمر. حتى هؤلاء الذين يهمهم البقاء في فضاء الإجماع، بدافع من جبن أو "وطنية" قبلية تؤمن بواجب الانخراس وقت الحرب، لم يعد بمقدورهم الصمت أكثر. تراهم ينطقون بالإستنتاج الصحيح، وقف المغامرة العسكرية، لكنهم يؤسسونه على تسويغات خاطئة. أو تسويغات ينقصها السبب الأهم: رفض منطق فرض المشاريع السياسية بالقوة. رغم ذلك، فلا بأس. آمل أن تزداد مثل هذه الأصوات، حتى لو كانت تسويغات أصحابها تتعلّق بحالة الطقس. المهم في الأمر الآن هو أن الإجماع الغبي بدأ ينشرخ. وهذا سبب إضافي للتفاؤل بأننا في مرحلة "شوط الحَلّة".

4.  فخامة الرئيس المصري حسني مبارك وجّه نقدًا لطيفًا أشبه بحديث العشّاق لواشنطن. وقال في حديث لمجلة "تايم" (أصرّ على الإجابة على أسئلته خطيًا!) إن الجهود الأمريكية لوقف الحرب "كانت أقل من اللازم وأبطأ من اللازم". قبل هذا كان حذّر سويّة مع جلالة الملك السعودي من أن الأمور قد تفلت لو تواصل الوضع الراهن. ربما أن هذا الكم غير العادي من "الجرأة" لدى صاحبي الفخامة والجلالة يؤشّر على اقترابنا من نهاية المشهد الحربي الحالي.

5.  حركة "سلام الآن" تقول إنها لن تشارك في المظاهرات ضد الحرب "حاليًا". لا أريد مناقشتها "حاليًا" على هذه الانتهازية السافرة، كونها تبتعد عن قول ما يجب قوله في الوقت الصحيح خوفًا من مواجهة غربان القتل والدمار في إسرائيل وحبًا في البقاء قريبًا من سرير الجِماع الجماعي الإجماعي. لكن تلك الـ "حاليًا" التي تشير اليها، تشير نفسها الى أن الأمور تسير في اتجاه صحيح. وبالمناسبة، لدى الحركة شعار جاهز للمرحلة القريبة القادمة: "إسرائيل قوية. إسرائيل تتوقّف". إذا كان هذا الكذب على الذات يريحهم، فليكُن!

6.  تراكم كميات النفي السياسي والعسكري للتصريحات الصريحة السابقة بأن اسرائيل ارادت منذ البداية "القضاء على" المقاومة "أو توجيه ضربة قاصمة" لها، هو شيء يبعث على الفرح والقرف معًا. الفرح واضح وهو ينقّط شماتة أيضًا. وكذلك القرف من هذه القامات "القيادية" الواطئة التي تسير على مبدأ "أكذب ثم أكذب..". مع ذلك يبدو أن هناك من تعلّم درسًا سريعًا في موضوع هام إسمه: تعرّف على حدود القوّة، مهما توحّشت.

7.  موظف كبير في وزارة الخارجية ينفي أن اسرائيل سعت عبر "عمليتها العسكرية" الى نزع سلاح المقاومة. وهو يقول إن اسرائيل تعرف أن وقف اطلاق النار لن يشمل ذلك الشرط. هذا مع أن أقطابًا في المؤسسة الاسرائيلية علكوا واجترّوا هذا الحلم الرطب مرارًا، وبعنجهية مثيرة للإشمئزاز. يبدو أن الدبلوماسية الاسرائيلية أيضًا استفادت من الدرس المذكور أعلاه.

8.  كوندوليسا رايس "تأمل" في بلورة وقف لإطلاق النار حتى يوم الأربعاء. لطيف جدًا أن تسمع سادة واشنطن يتحدثون بلغة "نأمل". وهم الذين يتصرفون كمن أخذوا على أنفسهم مهمّة اغتيال أية بارقة أمل إنساني تلوح في السماء. ما علينا الآن.. إذا كانت واشنطن تتحدث بلغة "نأمل" فيبدو أن الرهان الرّاهن على حرب "تدريسية" تلقن كل من يجرؤ على القول "لا" لأمريكا، قد فشل. وهو سبب حقيقي للأمل.

9.  كتبت الصحفية سيما كدمون من "يديعوت أحرونوت" أن دان حالوتس إستشاط غضبًا حين سألته إن كان يوافق على تسمية ما يجري عمليًا "حرب لبنان الثانية". لشدة ما تثيره عبارة تتألف من "حرب ثانية" و"لبنان" من تداعيات مخيفة في نفوس الاسرائيليين. هذه الحرب لا تزال بدون اسم اسرائيلي. والخبثاء يقولون إن السياسيين والعسكريين بانتظار نتائجها: فلو انتهت بنصر اسرائيلي ستحظى بإسم يسجّله مفجروها على إسمهم كإنجاز لهم. أما إذا فشلت فستظلّ مجرد "عملية عسكرية" يؤمل لها الغياب طيّ النسيان. الحرب لا تزال حتى الآن بدون إسم إسرائيلي رسمي، وبحقّ من جهة المذكورين! ولكن بما أنه لا يوجد فراغ في السياسة ولا في تسميات مراحلها القاصمة بالتالي، فقد كان يتوجّب عليهم الحذر من ترك مهمّة التسمية لآخرين. بالمناسبة، ملحق الصحيفة  الذي ضم نفس التقرير عن حالوتس وخشيته من اعتبار الحرب "حرب لبنان الثانية" كان تحت عنوان بالبنط العريض على غلافه، وتكرّر في رأس أولى صفحاته الداخلية، جاء فيه: "حرب لبنان الثانية". مثير.

10. بدأ عدد من الوزراء يهتمون بالتسريب عن أنهم كانوا قد عارضوا الاجتياح البري لجنوب لبنان. في البداية ظلّ الأمر غير واضح. والآن حين بدأ الفشل يرتسم مجلجلا يسارع عدد منهم لاستباق ما ينتظرهم والقول: إحنا كُنّا ضدّ! وبينهم: تسيبي ليفني، آفي ديختر، أوفير بينيس وايتان كابل. مرّة أخرى، لن نناقش الانتهازية هنا، ونكتفي بما تشير اليه من تطوّرات فقط!

فلنأمل خيرًا، ولو أنه خيرٌ محدود الضمان.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر