الشرق الأوسط ما قبل الحداثةالاربعاء 2/8/2006 محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية
قدر هذه المنطقة، وشعوبها العربية بالدرجة الرئيسة، أن تكون "بؤرة" تخبط السياسة الخارجية الاميركية. فبعد قرابة ست سنوات من حكم بوش الابن وإمساك فريقه بالبيت الأبيض لا تزال المناظرات في واشنطن على أشدها حول السياسة الخارجية، ما يعكس حالة من الاستقطاب والقلق الشديد من المآلات الحالية، بحيث يرى عدد من الخبراء الأميركيين المخضرمين أنّ سياسة بوش قد أضرت كثيرا بهيبة الولايات المتحدة وقوتها وسمعتها عالمياً، سواء بسبب الاخفاق الكبير في كل من العراق وأفغانستان أم الانتهاكات المرعبة لحقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش الأميركي ووكالة المخابرات المركزية أم الأحادية المتبعة في إدارة السياسة الخارجية في كثير من الحالات والأزمات، مما أفقد الأمم المتحدة دورها المفروض. الملمح العام للفشل تظهر آثاره على الرأي العام الأميركي. ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة(النيويورك تايمز) يفضل أكثرية الأميركيين أن تبتعد بلادهم عن مشكلات الشرق الأوسط، ويكشف الاستطلاع عن وجود ميل انعزالي قوي لدى الأميركيين ناجم عن أربع سنوات من الحروب التي خاضتها الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، وتساند نسبة 56% فكرة وضع جدول زمني محدد لسحب القوات الأميركية من العراق، فيما ترى الأكثرية الانسحاب من العراق، حتى لو أدى ذلك إلى انتصار"المتمردين"، على حد تعبير الصحيفة. ولعل القراءة المباشرة لحصاد سياسة إدارة بوش تجاه المنطقة، تظهر بوضوح أنها لا تملك تصورات استراتيجية صحيحة وأنها قامت بتغيير رؤيتها وخططها عدة مرات، وانتقلت من النقيض إلى النقيض. فعندما وصل المحافظون الجدد إلى البيت الأبيض كانوا ينتقدون الإدارة السابقة بأنها ورطت أميركا في تفاصيل النزاعات الشرق أوسطية، مما أضر بهيبتها، بخاصة بعد فشل قمة كامب ديفيد 2، واتهموا كلنتون بالتراخي مع نظام صدام وضعف تطبيق سياسة "الاحتواء المزدوج". ولم تكن ادارة بوش متحفزة للانخراط في مشكلات الشرق الأوسط، تاركة لإسرائيل القيام بما يكفل مصالحها ويحقق أمنها. أحداث أيلول 2001 بدورها أدت إلى تحول استراتيجي، فأعلن الرئيس بوش"الحرب على الإرهاب"، التي قامت على حروب عسكرية ونشاطات أمنية في أغلب دول العالم، بينما أقرت وثيقة الأمن القومي الأميركي مبدأ "الضربة الاستباقية"، التي أثير حولها جدل قانوني عالمي واسع. وفي الوقت الذي تمكنت الإدارة الأميركية من حشد المجتمع الدولي ومجلس الأمن وراء حربها على أفغانستان، فشلت في توفير المناخ نفسه في الحرب على العراق، ولم يتردد رامسفيلد من الاستهزاء بالدول الأوروبية الرئيسة المعارضة للحرب. في موازاة الخط الأمني والعسكري تبنت الإدارة الأميركية، باندفاع شديد، الدفع باتجاه دمقرطة ولبرلة العالم العربي والإسلامي، على اعتبار أنّ الإصلاح هو"السلاح الأنجع لمواجهة الإرهاب". كانت الرؤية الاستراتيجية الأميركية لـ"عراق ما بعد الاحتلال" تقوم على تصورات استشراقية مغرقة في المثالية، ترى أنّ حرب العراق بمثابة المفتاح الذهبي لشرق أوسط جديد ينعم بالديمقراطية والأمن، ووفق "نظرية الدومينو" سرعان ما ستتهاوى الدول المختلفة، بما فيها "الاتوقراطية" الصديقة، أمام قوة "النموذج الديمقراطي" العراقي، وسنكون أمام شرق أوسط كبير ديمقراطي- ليبرالي، وبشّر، آنذاك، الكاتب الكويتي محمد الجاسم في افتتاحية(نيوزويك العربية) بإغلاق دكاكين الخيال العربي والانتقال إلى عصر الإصلاح الداخلي والليبرالية والواقعية العربية. هذا التصور سرعان ما تلاشى، تحت وطأة الفشل الذريع في العراق، الذي تحول إلى كابوس حقيقي لإدارة بوش. وانتهت الدعوى الأميركية للإصلاح، في ظل انتصار واضح للإسلام السياسي انتخابياً، مترافقا مع عودة "المحافظين" لحكم إيران وإصرارهم على تحقيق حلم إيران النووي. هذه المتغيرات شكلت ضربة كبيرة لسياسة أميركا في المنطقة، ودفعت بالإدارة إلى العودة لمدرسة"الواقعية السياسية"(ركيزتاها: المصالح والقوة) والتخلي عن الدعوة إلى الديمقراطية والليبرالية، وإعادة تجديد الصفقة مع النظم الحليفة في المنطقة. هذا التحول الجديد قاده كل من بوش ووزيرة الخارجية رايس ما دفع عدداً من المحافظين الجدد إلى اتهامهما بـ"الردة الأيديولوجية". في العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان، يبدو الموقف الأميركي أكثر ارتباكاً، ولا أحد يعبأ بتدشين رايس لأسس"شرق اوسط جديد" على جماجم أطفال قانا وفلسطين، فالتجربة العراقية قد أفصحت مسبقاً عن نوايا العم سام وسياساته تجاه المنطقة. وفوق هذا وذاك فشلت أميركا بالاحتفاظ بالدعم الدولي والعربي في بداية الحرب على لبنان، وعملت أحاديتها، التي عارضها عدد من المنظرين الاستراتيجيين الأميركيين، على تعزيز فرص تشكل محور دولي مواز من الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا في مواجهة الهيمنة الأميركية. الثابت الوحيد من كل الخطط والتصورات الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط أمران؛ الأول الفوضى "خلاّقة" الدمار والحروب ومئات الآلاف من القتلى والانشطار والخلافات، والثاني أنّ المحافظين الجدد قادوا السياسة الخارجية الأميركية في مسيرة فاشلة وصراعات استنزفت قوة أميركا العسكرية، وسمعتها الأخلاقية وصورتها العالمية التي كانت تشكل، ذات يوم، عماد قوتها"الناعمة"! لا تقوم السياسة الأميركية اليوم بخلق شرق أوسط جديد، بل بتحطيم مشاريع التطوير والتنمية فيه، أو على حد تعبير فريدمان إعادة الشرق الأوسط إلى "ما قبل الحداثة". في هذا السياق ليس غريباً أن نقرأ للكاتب "باتر وردم" نعياً للإنسان العربي"المعتدل"، وهو آخر ضحايا السياسة الأميركية في هذه المنطقة!
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|