إيران المقبلةالاربعاء 2/8/2006 ابراهيم غرايبة- "الغد" الاردنية
تمثل إيران مركزا أساسيا وقلقا في وجهة الصراع والتنافس والتعاون الدولي الدائر في الشرق الأوسط وفي آسيا، فهذه الدولة الكبيرة والغنية والممتدة في آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين والخليج العربي والشرق الأوسط تواجه معادلة صعبة ومعقدة تفرضها الجغرافيا. فكيف توفق بين دورها وطموحاتها الإقليمية ومصالحها في آسيا الوسطى وبحر قزوين والخليج والشرق الأوسط والذي يجعلها أكثر من دولة إقليمية لتقترب من دولة عظمى، وهو دور يقتضي في ميزان القوى الدولية تحالفات وتفاهمات متناقضة يستحيل التوفيق بينها، روسيا(سواء كانت القيصرية أو الشيوعية أو ما بعد ذلك) التي كانت على مدى التاريخ الحديث ترى في إيران شريكها الاستراتيجي للتأثير في آسيا والتوازن مع الغرب(بريطانيا ثم الولايات المتحدة) والغرب الذي يسعى لصد إيران ووقف النفوذ الروسي ومنعه من الاقتراب من المياه الدافئة، وهو الصراع الذي يفسر أيضا المحاولات التركية العثمانية على مدى مئات السنين منع الزحف الإيراني إلى الغرب. وتهيأت لإيران فرص جديدة ومهمة في التسعينيات بعد العاصفة الاستراتيجية والجغرافية التي حلت بالعالم لتعيد بناء قوتها وبرامجها السياسية والاقتصادية والإقليمية باتجاه بحر قزوين والدول المجاورة في الشرق والشراكة مع روسيا والصين، وكانت تحقق في ذلك نجاحات واستقرارا سياسيا رسخته بتحسين العلاقات مع دول الخليج والدول العربية ووقف مشروعاتها لتصدير الثورة أو بتعبير أدق وقف التطلع غربا إلا على سبيل الجيرة والتعاون. بل إن الولايات المتحدة(في عهد كلينتون) دخلت في مرحلة من التعاون والحوار مع إيران، وقدم منظرون ومفكرون أميركيون مثل ريتشارد ميرفي لمشروعات إقليمية في العالم يكون لإيران فيها دور مؤثر ومقبول لتبدأ الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية من العالم وإعادة بناء دورها ومواردها وفق مرحلة عالمية جديدة، واقترح الشرق الأوسط إقليما تشارك فيه تركيا. ولكنه مشروع أجهضته طموحات المحافظين الجدد الذين بدأوا فور وصولهم إلى الحكم مشروعا استراتيجيا جديدا للسيطرة على العالم ومواجهة روسيا والصين وحصارهما، ووظفت أحداث الحادي عشر من أيلول لاجتياح العالم. ودخلت الولايات المتحدة إلى مناطق من العالم كانت محرمة عليها من قبل، واعتبرتها كل من روسيا والصين ضربا تحت الحزام، ورأت أوروبا أيضا أنها تدخل في مرحلة من التهميش والإقصاء المتعمد من قبل حليفها التاريخي. ولكنها مغامرة انكشفت بعد أربع سنوات عن ورطة أميركية لا يمكنها الخروج منها إلا بالعودة إلى مشروع الديمقراطيين(وبعض الجمهوريين أيضا) والقائم على مشاركة عالمية وتنظيم مجموعات وقوى إقليمية يكون للولايات المتحدة حصة كبيرة فيها، وتتيح المجال للشراكة العالمية والإقليمية أيضا. فقد ظهرت المغامرة العسكرية الأميركية وكأنها أعطت العراق وأفغانستان وبحر قزوين إلى إيران لتكون هي القوة المؤثرة فعليا في هذه الرقعة الممتدة من حدود الصين والهند إلى البحر المتوسط وبحر العرب، وتنقلها من قوة إقليمية إلى قوة عالمية عظمى، وهو ما شجع إيران على المغامرة لتوسعة مدى صواريخ حزب الله وتهديد إسرائيل، والتوسع النووي، وساهمت مضاعفة أسعار النفط والتي تسببت بها الولايات المتحدة في تقديم غطاء اقتصادي جيد لإيران لتطور نفسها اقتصاديا وإقليميا وعسكريا. المخرج المنطقي والبديهي من الأزمة هو الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان والانسحاب الإيراني من العراق ولبنان وسورية وفلسطين، وعودة تركيا وأوروبا شركاء فاعلين في الشرق الأوسط، وقيام منطقتين إقليميتين متجاورتين، الأولى هي آسيا الوسطى وبحر قزوين تكون قيادتها الإقليمية لإيران بمشاركة روسية، والشرق الأوسط بقيادة مصر أو تركيا وبمشاركة أوروبية. وبالطبع فإن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة وبساطة هذا الانسحاب وهذه المشاركة، ولكن خسائرها في العراق وأفغانستان، والأزمة التي تهددها في القارة الأميركية بانقلاب جيرانها عليها، والصعود الصيني والروسي والهندي يجعل العالم يسير في هذا الاتجاه.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|