إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أولمرت يحص احصائياته

السبت 5/8/2006
هشام نفاع- الاتحاد الحيفاوية

بعد خطاب إيهود أولمرت أمام الكنيست يوم الثلاثاء (18 تموز) سخر منه البعض بالقول: "إن خطابًا يريد له صاحبه أن يكون تاريخيًا، يصحّ فيه اقتباس بن غوريون وتشرتشل". أما أولمرت فكان اقتبس رئيسًا سابقًا لبلدية نيويورك، شخص فظّ اسمه روديو جولياني، كان أخبره أن نيويورك تتعلّم الصمود من أورشليم. وبئس القائل والناقل عنه معًا.
مضى أسبوعان بالتمام، وجاء أولمرت كي ينحت في الصّخر مجددًا خطابًا تاريخيًا ثانيًا. هذه المرّة استعمل بالضبط ما عابه على غيابه منتقدوه. فاقتبس بن غوريون واقتبس تشرتشل. واستنادًا الى أنّ التاريخ يعيد نفسه مرّة على شكل مأساة وأخرى على شكل مهزلة، فقد جاء خطاب أولمرت الثاني مهزلة هزيلة سقيمة.
فقد حاول استعمال كافة قدرات التمثيل الخرقاء لديه، باللسان والأيدي والجسد، ليردّد الشعارات التي ردّدها من قبل، مثل: لن نتوقّف ما لم نحقق أهدافنا. وهذه هي حرب على الوجود، والى آخر تلك الأكاذيب الهشّة الخاوية. لم يقل أنّه تراجع عن الأهداف المتورّمة التي رطن بها مطلع الحرب. لم يفصح عن سبب التراجع، وهو "الفشل العسكري والسياسي وحتى الاستراتيجي المدوّي"، كما بات يقول الآن جهارةً مسؤولون سابقون ومعلقون إسرائيليون غير قلائل.. كلصوص الليل بالضبط، ومن دون أن يعترف أو أن يصارح "شعبنا الرائع"، تراجع أولمرت عن حلمه المجنون بتغيير نظام المنطقة بواسطة آلة الحرب، وجرائم الحرب. هكذا حاول التستّر عما جرى فعلا بخصوص وقف الهجمات الجوية لمدة 48 ساعة.
فبعد اللقاء الأخير مع السيدة الحديدية البليدة الجديدة كوندوليسا رايس، والذي تزامن مع اقتراف مجزرة قانا 2 ورد في تسريبات لصحفيين أنّ رايس أمرته بوقف مؤقت للهجمات الجوية. ليس لأنّ مندوبة البيت الأبيض "حزنت" ولا لأنّ جدران ضميرها المستتر وجوبًا انخدشت بدماء أطفال قانا، بل لأنه "حين تقع حوادث شبيهة لنا في العراق، نوقف كل شيء ونجري تحقيقًا"، كما قالت له بنبرة توبيخية. بالعربي الفصيح: على عينك يا تاجر. هنا، وخوفًا على هيئته العسكرية قيد الإنشاء بدم الأطفال، امتنع أولمرت عن إعلان وقف الهجمات، وفضّل إلقاء المهمّة الصعبة على وزير "الأمن" الشرشوح عمير بيرتس. لكن هذا امتنع أيضًا لنفس السبب، فهو يريد أن يظلّ بطلا مغوارًا على أطفال لبنان أيضًا. الى أن جاءت رايس وأعلنت ذلك بنفسها في مؤتمر صحفي. وانصاعت للأمر دولة اسرائيل المستقلة جدًا.
هنا بالضبط انكشف المكشوف جدًا: مؤسسة تزعم الخروج للحرب "دفاعًا عن البيت" لكنها تتلقى الأوامر بذلّ من البيت الأبيض، سادتها الحقيقيين. سرّ مفضوح عن قامات واطئة، وفوق هذا جعجاعة أيضًا.
آخر فصول الاخفاقات في التاريخ القصير، الذي بات مبنيًا للمجهول، لرئيس الحكومة أولمرت كان مقولته العجيبة بأن ما يعتبره "الانتصار" في الحرب المتواصلة على لبنان سيشكّل رافعة لخطّته بالانسحاب من غير تفاوض أو اتفاق من بعض أجزاء الضفة الغربيّة.
أولمرت يعرف جيدًا أن مغامرته الحربية الفاشلة المجلجلة طمرت في عمق الوحل أعرض الخطوط السياسية لحكومته، والمسماة "هتكنسوت". فهو يعلم من ينتظره وما ينتظره. لو أنه كان قادرًا على تحقيق رُبع بل سُدس انتصار لكان بوسعه التبجّح. أما في هذا الوضع المخزي له، فهو قادر على تخيُّل ما سيمطره عليه اليمين بعد قليل. والاتهامات جاهزة، ولربّما أن خطابات الديماغوغ بنيامين نتنياهو صارت مطبوعة ومحفوظة في الحواسيب. سيُقال لأولمرت: لقد فشلتَ في الحرب بسبب تردّدك، وهذا يشجّع الإرهاب. وكل انسحاب من الضفة سيأتي بالصواريخ على كفار سابا أيضًا.
بمعنى ما، رأينا في تموز 2006 شخصًا انتحاريًا إسمه ايهود أولمرت جلب بعد شهور قليلة على توليه دفة قيادة اسرائيل فشلا مدويًا بكافة المفاهيم، رغم كل جرائم الحرب التي اقتُرفت بمسؤوليته الأولى. (ورغم المسرحيّة المجوقلة في بعلبك، التي لن تنسي أحدًا عارهم في مثلث مارون الراس، بنت جبيل، عيترون). مرّة أخرى: في تجاوز لكل الأحكام الأخلاقية، من الصعب استيعاب هذا الكم من الغباء السياسي بأبسط مفاهيم السياسة.
وأوّل الغيث قطر: يوم الأربعاء، بعد تصريح أولمرت بأن "انتصاره" يدعم خطته أحادية الجانب المزمعة في الضفة، كشّرت أقطاب اليمين عن أولى أنيابها. أحدهم، رئيس مجلس المستعمرات بنتسي ليبرمان قال: إن أولمرت يغرز سكينًا في ظهور جنودنا.
كم مرّة أسمعت مقولة سكاكينيّة كهذه من معسكر اليمين ضد رئيس حكومة يواصل حربًا منتصرة على البيت؟! والخير لقُدّام! اللهم كل الشّماتة!

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر