اللوبي العربي المفقودالخميس 10/8/2006 منار الرشواني- "الغد" الاردنية
قد يبدو ملفتا، ونصرا بدرجة ما للعرب جميعا، خروج حوالي 100 ألف متظاهر، قدموا من حوالي خمسين مدينة بريطانية، لمطالبة رئيس الوزراء توني بلير بالتدخل لوقف إطلاق النار في لبنان بشكل فوري، وكذلك توقيع أكثر من 40 ألف شخص عريضة سلمت إلى مكتب بلير انتقدوا فيها موقفه الذي "يوضح إما تجاهلا مخزيا لمعاناة الشعب اللبناني أو خضوعا كاملا للسياسة الخارجية في الإدارة الأميركية". ومضمون الإنجاز ذاته يبدو جليا في مهاجمة 110 من أعضاء البرلمان عن حزب العمال الحاكم، الذي ينتمي إليه بلير، طريقة تعامله مع الحرب. وفي النرويج أيضا، ثمة جدل حاد على صفحات الجرائد بشأن حقيقة أخلاقيات إسرائيل بالنظر إلى دموية عدوانها على لبنان؛ ليكون السؤال: هل بدأ عهد انكشاف الوجه الحقيقي العدواني البشع لإسرائيل وممارساتها، لا سيما في فلسطين ولبنان؟ الإجابة المحزنة المفرحة في آن هي لا! فقبل أكثر من عام، وتحديدا في نيسان 2005، قرر اتحاد الجامعات البريطانية مقاطعة جامعتي حيفا وبار إيلان، بسبب "دعمهما" للاحتلال الإسرائيلي وممارساته في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما في النرويج، وحتى مطلع العام الحالي على الأقل، فكانت هناك حملة تحت اسم "قاطعوا إسرائيل"، تشارك فيها منظمات نرويجية عدة، بينها حزب اليسار الاشتراكي المشارك في الائتلاف الحاكم، والسبب أيضا هو "السياسة الاسرائيلية الفظيعة والمناقضة لحقوق الانسان بحق الفلسطينيين". أما في الولايات المتحدة ذاتها، التي تعد الحصن الحصين لإسرائيل في مواجهة العالم، والمحامي الأول عنها، فلا يزال الجدل دائرا بشأن دراسة "اللوبي الإسرائيلي"، التي وضعها جون ميرشماير وستيفن والت، واللذين ينتميان إلى اثنتين من أفضل الجامعات الأميركية وأعرقها، جامعة شيكاغو وجامعة هارفرد، على التوالي. وإذا كان محور الدراسة هو بحث مدى هيمنة اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، فإن السياسة اللاأخلاقية لإسرائيل تجاه الفلسطينيين تبدو إحدى الدعائم الرئيسة التي ارتكز إليها الباحثان في النتائج التي انتهيا إليها، وجلبت عليهما سخطا وصل، وكما هو متوقع، حد اتهامهما بمعاداة السامية. لكن إذا كانت إسرائيل ليست في أحسن أحوالها في نظر الغرب، ولو منذ فترة بسيطة فقط، فإن المحزن أن هذا التدهور لم يقابله تحسن في النظرة إلى العرب، وبالتالي عدم تغير السياسات الغربية الداعمة لإسرائيل بأي درجة ملحوظة؛ يشهد على ذلك العدوان الإسرائيلي غير المتصور في همجيته ووحشيته على لبنان وغزة بغطاء غربي شبه كامل. وفي الولايات المتحدة تحديدا، وإذا كانت دراسة ميرشماير ووالت تعكس وعيا أو بداية وعي بحقيقة السياسات الإسرائيلية في دوائر الأكاديميين المؤثرين في أميركا، فإن التعاطف الشعبي الأميركي مع إسرائيل لم يتغير حتى بعد بدء العدوان على لبنان بحسب استطلاع للرأي أجراه "مركز بيو للأبحاث"، ونشر في 26 تموز الماضي؛ إذ بلغت نسبة المتعاطفين مع إسرائيل 44%، مقارنة بـ9% فقط يتعاطفون مع الفلسطينيين. المعضلة الحقيقية التي تفسر هذا التناقض هي غياب اللوبي العربي القادر على استثمار التعاطف الغربي الشعبي، كما في حالة بريطانيا، أو التفهم الأكاديمي الذي يعتبر مركز التفكير في الحالة الأميركية، للتأثير في السياسات الغربية الرسمية بما يدعم الحق العربي. بل إن هكذا لوبي لا يرد حتى في التوقعات المستقبلية بشأن جماعات الضغط الأميركية الصاعدة كما يراها زبيغنيو بريجنسكي، أستاذ السياسة الخارجية الأميركية في جامعة جونز هوبكنز حاليا، ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، مع العلم أن ذوي الأصول العربية في الولايات المتحدة يحققون، إن على صعيد التعلم أو على صعيد الثروة، نجاحات أكبر بكثير من المعدل هناك، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي للعام 2000، والصادرة في آذار 2005!
في تفسير غياب اللوبي العربي المؤثر ثمة أسباب وعوامل كثيرة، من بينها وكما هو معروف الانقسام العربي في الخارج استمرارا لما هو حاصل في الداخل، لكن ربما أن أحد أكثر العوامل أهمية في تفسير هذا الغياب، إن لم يكن العامل الرئيس والمسبب حتى للانقسام العربي في الخارج، إنما ينبع من طبيعة أكثرية أنظمة الحكم في العالم العربي. ففي مواجهة حقيقة السمة الديكتاتورية لأكثر هذه الأنظمة، والتي تجعل الدولة نظاما قبل أن تكون شعبا وأرضا، تواجه أي جماعة ضغط عربية أو إسلامية كارثة الاختيار بين دعم الديكتاتورية أو الصمت وبالتالي دعم التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، وإن بشكل غير مباشر. الحقيقة السابقة تفضي إلى نتيجة واحدة في منطقة تزداد انكشافا أمام الخارج، هي أن الديمقراطية قد تكون في مصلحة الأنظمة بقدر ما هي في مصلحة الشعوب.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|