إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



انعكاسات الحرب على الحلبة الحزبية في إسرائيل

مستقبل أولمرت وحكومته مرهون بنتائج الحرب بعيدة المدى


الثلاثاء 22/8/2006
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"

*صمود وقف إطلاق النار والتطورات على الساحة الداخلية اللبنانية ستعلب دورا في مستقبل أولمرت وحكومته *على أولمرت خطي أزمة إعداد ميزانية العام القادم في حكومته على ضوء التقليصات في الميزانية*عمير بيرتس قد يكون الخاسر الأكبر للحرب، معركته ليس فقط أمام المتمردين عليه في حزبه، وإنما في بلورة شخصيته السياسية الجديدة*


سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية غداة الإعلان عن وقف إطلاق النار، في الحرب على لبنان، إلى التحدث عن مصير الأحزاب المشاركة في حكومة إيهود أولمرت، وعلى رأسها حزب "كديما" الحاكم، وحزب "العمل" بزعامة وزير الأمن عمير بيرتس، فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى تراجع حاد في نسبة تأييد حزبي "كديما" و"العمل" بحوالي ثلث قوتهما البرلمانية الحالية.
إلا أن تفاوتا ما ظهر في هذه الاستطلاعات، التي علّمت التجربة أن نتائجها تتماشى مع الخط الذي اختارته لنفسها وسيلة الإعلام هذه أو تلك، فمثل هذه الظاهرة لم تقتصر فقط على الوضعية الحزبية، وإنما رأيناها أيضا في قضايا هامة جدا، مثل الدعم الشعبي للحرب الإسرائيلية على لبنان، من 92% في صحيفة "معاريف" إلى 82% في "يديعوت أحرنوت" إلى 71% في صحيفة "هآرتس".
من الواضح ان الحكم على نتائج هذه الحرب من الصعب تحديده منذ الآن، فالنتائج الأهم بالنسبة لإسرائيل، وأيضا للبنان، هي النتائج بعيدة المدى، بمعنى مدى صمود اتفاق وقف إطلاق النار، وهدوء الجبهة الشمالية في إسرائيل، وحتى الشكل الذي ستستقر عليه الأوضاع الداخلية في لبنان، وقد نذهب بعيدا قليلا للحديث عن مستقبل التعامل الدولي والإقليمي مع كل من سورية وإيران.
إن الإجابة على الأسئلة أو القضايا السابقة هي التي ستحدد مستقبل إيهود أولمرت وحزبه "كديما" على وجه الخصوص، بمعنى ان تحقيق هدوء على الجبهة الشمالية في العامين المقبلين، وتغيرات جدية في الساحة الداخلية اللبنانية، وتراجع الظهور العسكري لحزب الله، سيعتبرها أولمرت إنجازا يتوجه به للجمهور في الانتخابات القادمة، ولكن هذا وحده لا يكفي، وسنأتي عليه لاحقا.
ولكن في جميع الأحوال، ومنذ الآن، بالإمكان ان نلمس بحذر تراجع مكانة وزير الأمن عمير بيرتس، على الصعيد السياسي الشخصي، "كقائد عمالي قاد حربا ليست ضرورية"، وهذا قد ينعكس على مكانته في زعامة حزب "العمل" وحتى على مجمل مستقبله السياسي، وقد يكون بيرتس الخاسر الأكبر من هذه الحرب.

أولمرت و"كديما"

ما أن تهدأ نيران الحرب، وأي حرب، يبدأ البحث عن "غنائمها" على مختلف الأصعد، وهذا الأمر يسري أيضا على ما ينشر عن التحركات الأولية على الساحة الحزبية في إسرائيل، فمثلا، تدعي مصادر في حزب "الليكود" المعارض، بزعامة بنيامين نتنياهو، في تصريحات لصحيفة "معاريف"، ان كوادر أساسية غادرت الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح حزب "كديما"، بدأت تفحص إمكانية عودتها لليكود في أعقاب نتائج الحرب، وقال عدد من قادة الليكود البارزين، إنهم بدأوا يتلقون اتصالات من نشيطين ميدانيين سابقين في الليكود، يستفسرون عن إمكانية عودتهم للحزب.
وقد يكون "الخبر" في صحيفة "معاريف" ردا على خبر آخر نشر في صحيفة "يديعوت أحرنوت" في نفس اليوم وتحدث عن أن 25 ألف منتسب لحزب الليكود، من اصل 128 ألف منتسب، غادروا صفوف الحزب في الأشهر الأربعة الأخيرة.
فالحديث عن مغادرة "آلاف الأعضاء" لحزب "كديما" في غضون خمسة أيام من بدء وقف إطلاق النار، هو نوع من المبالغة، وأيضا من نوعية الأنباء التي يتميز بها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، فقد اتبع نفس الأسلوب خلال الحملة الانتخابية، وإتضح ان لا أساس لها، لأنه لا يمكن الحديث عن انهيار إطار سياسي كنتيجة لحرب لم تحدد نتائجها بعد.
ومرة أخرى من السابق لأوانه جدا، "نعي" حكومة إيهود أولمرت، ولا حتى حزب "كديما" فتوقيت الحرب يعتبر ورقة رابحة بالنسبة لأولمرت نفسه، فهذه الحرب بدأت مع انقضاء الشهر الثاني لبدء عمل حكومة أولمرت، التي تشكلت فور انتهاء الانتخابات البرلمانية الجديدة، ولهذا فإن الرسالة الأساسية التي سينطلق بها أولمرت إلى الجمهور الواسع، هي أن عليه الانتظار لرؤية النتائج بعيدة المدى لهذه الحرب.
كذلك فإن الحديث عن إنهيار الائتلاف الحكومي في هذه الفترة هو أمر غير واقعي، فالأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي شاركت في صياغة قرار الحرب من دون أي تحفظ، ولم نلمس أية معارضة في أي اتجاه لهذه الأحزاب خلال الحرب.
إلا أن أزمة قد تنشب في غضون الأشهر الأربعة المتبقية لهذا العام، في إطار أعداد ميزانية إسرائيل العامة للعام 2007، فهذه الميزانية ستشهد تقليصات تتراوح ما بين نصف مليار إلى مليار دولار، كمرحلة أولى، من أصل 63 مليار دولار، حجم الميزانية الحالية، لتغطية مصاريف الحرب، وبما أن الحديث يجري عن حرب فهذا سيعني استثناء ميزانية وزارة الأمن، التي كان يجري سابقا عن تقليص ميزانيتها للعام المقبل بقيمة 330 مليون دولار، والآن يجري الحديث عن زيادتها بحوالي نصف مليار دولار، وهذه "التعديلات" على الميزانية ستطال بالضرورة الخدمات الأساسية للمواطنين من رفاه وصحة وتعليم وبنى تحتية على أشكالها.
وهذه البنود في الميزانية تقف على رأس الأجندة الاجتماعية للأحزاب الثلاث الشريكة لحزب "كديما" الحاكم، و"العمل" بزعامة بيرتس، و"شاس" بزعامة إيلي يشاي، وحزب "المتقاعدين".
من الصعب التحديد منذ الآن شكل تطور هذه الأزمة وشكل انتهائها، ولكن أولمرت بحاجة إلى بلورة رأي عام ضاغط على هذه الأحزاب الثلاثة، تحت شعار: "كلنا سنتحمل العبء"، وهذه مهمة ستلقى على صنّاع الرأي العام في إسرائيل، وعلى رأسهم كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
الأمر الآخر الذي سيخفف الضغط على أولمرت في هذه المرحلة هو أنه للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، فإن الحزب الحاكم في إسرائيل ليس موجودا تنظيميا، فبعد مرور تسعة أشهر على الإعلان عن تأسيس حزب "كديما"، وبعد حوالي خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية، فإن قادة "كديما" لم ينجحوا في بناء هيكلية تنظيمية لحزبهم، ولهذا فإن أولمرت، وخلافا لرؤساء حكومات سابقين، لن يكون مطالبا بتقديم تقرير سياسي للعمود الفقري المفترض لحكومته، أي الهيئات التنظيمية للحزب، كذلك فإن مسألة منافسته على زعامة الحزب ليست مسألة آنية.
وتقول المحللة الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، مازال معلم"، في تقرير لها، "خلافا لعمير بيرتس، فإن لأولمرت حزب بحاجة إلى تأسيس وبناء، إلا أن أولمرت لم يتفرغ حتى الآن لهذه المهمة، أيضا بسبب الحرب، فهذه المرة تلقى أولمرت حزبا على طبق من فضة، إلا أن عليه ان ينافس على زعامته، وفي هذه المرحلة سيكون عليه معالجة حزب، قسم جدي من قادته متورطين بملفات تحقيق ولوائح اتهام، حاييم رامون (وزير القضاء المستقيل متهم بالتحرش الجنسي)، تساحي هنغبي (رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية متهم برشاوى حزبية حينما كان في الليكود) ورئيس كتلة "كديما" البرلمانية، أفيغدور يتسحاقي (المتورط بمساعدة شخص على التهرب من ضريبة الدخل)، إضافة إلى ان أولمرت نفسه قد يواجه تحقيقا في قضية شروط شراء بيته في القدس (الحديث عن تسهيلات بقيمة نصف مليون دولار)".
إن المهمة الأساسية لأولمرت في الأشهر القليلة المقبلة ستكون الحفاظ على هدوء الجبهة الشمالية، الأمر الذي سيساعده على تخطي أزمة أعداد وإقرار ميزانية الدولة للعام القادم، وهي أزمة لم تكن في حسابات أولمرت لدى تشكيل حكومته، خاصة وانه قدم الكثير من الوعود للأحزاب المشاركة في حكومته، بأن تلبى مطالبهم الاجتماعية في الميزانية المقبلة.


"العمل" الحلبة الأكثر إثارة

انعكاسات الحرب على لبنان ستكون مثيرة أكثر على التطورات الداخلية في حزب "العمل"، لأن أسئلة كثيرة ستوجه لزعيم الحزب عمير بيرتس، وزير الأمن، الذي إتخذ خطاً موالياً لقيادة الجيش، التي كانت تطالب دائما بضربات أقوى، أي أن بيرتس اتبع تقليد جميع أسلافه في هذا المنصب، دون أن يبرز تميزه المفترض.
فالأسئلة التي ستوجه لبيرتس ليس فقط من داخل حزبه، وإنما من القاعدة الجماهيرية التي بناها من حوله، على أساس القضايا الاجتماعية، خاصة عندما يبدأ الجمهور الواسع بدفع ثمن الحرب ماليا، وعادة ما سيكون العبء أكبر على الشرائح الفقيرة والضعيفة، التي أي تعديل بسيط على مدخولها سيشكل لها ضربة جدية.
إن الأزمة الأولى التي سيواجهها بيرتس ستكون في حزبه، لدى مجموعة "المتمردين" التي أهملها في تشكيل الحكومة، ولم يسند إليها أيا من الحقائب الوزارية أو المناصب البرلمانية، وعلى رأسهم الجنرالات الثلاثة عامي أيالون ومتان فلنائي داني يتوم، لينضم إليهم البروفيسور أفيشاي بارفرمان، ومن خارج الكتلة البرلمانية، الزعيم الأسبق للحزب إيهود براك، الذين "يتربصون" له في كل مناسبة لتصفية الحساب معه.
فالحزب مقبل على انتخابات لرئيس الحكومة في العام المقبل، وهذا ما يجعل المنافسة تشتد في الأشهر المقبلة، وتقول تقارير صحفية إن براك بدأ يعد العدة للعودة إلى قيادة الحزب، وأنه بدأ يجري اتصالات حثيثة مع قادة بارزين في الحزب، في محاولة لإعادة بلورة معسكره الحزبي تمهيدا للمنافسة.
وتقول المحللة مازال معلم في مقال لها، "إن عمير بيرتس وإيهود أولمرت خرجا من الحرب ضعيفين من الناحيتين الحزبية والشعبية، وكلاهما يدركان أنهما بحاجة إلى مسار علاجي طويل ومنهك، أمام الجمهور وفي حزبيهما".
وتضيف معلم، "سيكون على بيرتس الصراع على قيادة حزبه أمام مجموعة المتمردين، التي يقودها أفيشاي بارفرمان، وداني يتوم ومتان فلنائي وعامي أيالون، هذه المجموعة التي تفتقر إلى قواعد تأييد كبيرة بين منتسبي الحزب، سيكون بقدرتها أن تمرمر حياة بيرتس في الكتلة البرلمانية، كذلك سيكون على عمير بيرتس ان يواجه أعضاء الكنيست من كتلته المهتمين بالقضايا الاجتماعية، مع بدء التحضيرات لميزانية العام 2007..".
ولكن المعركة الأكبر التي ستكون أمام عمير بيرتس هي "معركة" إعادة بلورة شخصيته السياسية الجديدة، وهذا ليس بالأمر السهل لمن ظهر على الساحة السياسية بمستوياتها المختلفة منذ 30 عاما كناشط في القضايا الاجتماعية، وبالأساس في السنوات العشرين الأخيرة، التي كان في أكثر من نصفها رئيساً لاتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، وأن يطلب الآن تغييرا في أجندة عمله السياسي.
والسؤال الأبرز سيكون، إذا باستطاعة عمير بيرتس إقناع قواعده الشعبية بهذا التحول، فهو الذي نطق بلسان قيادة الجيش لم يكن بإمكانه الظهور "كجنرال حرب منتصر"، خاصة على ضوء كثر الحديث عن الشعور بهزيمة إسرائيل في هذه الحرب.
هناك من رأى قبل أقل من ثلاثة أشهر ان بيرتس أراد من حقيبة الأمن، إضافة الجانب ألأمني لأجندته السياسية، كأجندة مكملة، تهميدا لمنافسته القادمة على رئاسة الحكومة، ولكن الشعور في ما يتعلق ببيرتس، انه خرج من الحرب على لبنان، "بخفي حنين"، وقد يكون الخاسر الأكبر من هذه الحرب.
وعلى ضوء ما تقدم، ليس صدفة ظهور أنباء في "هآرتس" تتحدث عن أن بيرتس سيعمل جاهدا في الأشهر المقبلة على تأجيل الانتخابات لقيادة حزب "العمل"، رغم انه حتى الآن لا يظهر منافس جدي بإمكانه ان يشكل خطرا على زعامة بيرتس في الحزب، وهذا لا يعني أن وضعه جيد، وإنما بيرتس لا يزال يعتمد على كوادر معسكره في هيئات الحزب.

أزمة اليسار الصهيوني

لقد ظهر اليسار الصهيوني في هذه الحرب، خاصة الممثل بحزب ميرتس والجناح اليساري في حزب "العمل" في حالة تخبط منذ اللحظة الأولى للحرب، وقد ظهر هذا جليا في اختلاف التصريحات في داخل كتلة ميرتس نفسها، فمثلا خرجت رئيس الكتلة البرلمانية زهافا غلؤون منذ اللحظة الأولى ضد الحرب، فيما أبدى النائب ران كوهين، الذي كان محسوبا على "يمين" ميرتس، متحفظا إلى درجة كبيرة من الحرب، وفي المقابل فإن رئيس ميرتس يوسي بيلين أبدى تأييده للحرب في الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب.
وفقط في الأسبوع الأخير للحرب تغير الخطاب الرسمي في ميرتس، نوعا ما، وأعلنت الحركة انضمامها إلى الحركة المناهضة للحرب، التي انطلقت منذ الساعات الأولى للحرب، ممثلة في الشارع اليهودي بحركات يهودية سلامية، مثل "كتلة السلام" وحركات نسوية مختلفة، وجناح محدود من حركة "السلام الآن"، ونشيطي الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي في الشارع اليهودي.
كذلك فإن حركة "السلام الآن" السابق ذكرها، اتبعت نفس الخط الذي اتبعه رئيس ميرتس، يوسي بيلين، واختارت في الأسبوع الأخير للحرب الانضمام للحركة المعارضة لها.
لقد خاضت الأطر اليسارية الصهيونية خلال أيام الحرب جدلا حادا حول موقفها من الحرب، ولكن هذا الجدل قد يحتد في الفترة المقبلة مع بدء ظهور تقارير عن فشل وخسائر الحرب والثمن المقبل لها، وهذا الجدل قد يثير من جديد ويعمق الجدل القائم في داخل ميرتس، حول أهلية يوسي بيلين لقيادة ميرتس ومعسكر اليسار الصهيوني، ويساعد منافسيه على الإطاحة به.

اليمين في حالة انتظار

حتى الآن لم يسجل معسكر اليمين واليمين المتطرف أية نقاط رابحة له من هذه الحرب، وسيكون عليه انتظار النتائج بعيدة المدى للحرب، وأكثر من ذلك، عليه انتظار استنتاجات وتوصيات لجنة التحقيق الرسمية التي على ما سيبدو ستضطر الحكومة لإقامتها للتحقيق في جميع ظروف الحرب ونتائجها على المستويين السياسي والعسكري.
إلا أن اليمين يحتفظ بنفسه بورقة "الانضباط" خلال الحرب، وأنه وقف إلى جانب الحكومة طوال فترة الحرب، وساندها من الخارج، للظهور "بالموقف المسؤول".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر