تناقضات الخطاب الإسرائيلي تجاه سورية
الاربعاء 23/8/2006 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
ضجّت إسرائيل في الأيام الأخيرة، وخاصة هذا الأسبوع، بسلسلة من التصريحات، التي أطلقها وزراء ومسؤولون إسرائيليون، والداعية إلى العودة للمسار التفاوضي مع سورية، "حتى بثمن إعادة هضبة الجولان" السورية المحتلة، وتصريحات تقابلها رافضة لهذه الدعوة، وهذا في الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل منشغلة بنتائج حربها على لبنان، و"بدء استيعاب قادة الجيش هول الهزيمة في لبنان"، حسب التقارير الإسرائيلية نفسها. للوهلة الأولى فإننا في ما يتعلق بسورية، أمام مشهد إسرائيلي متكرر في كل مرّة كانت تعلق فيه إسرائيل بأزمة تفاوضية أو عسكرية، أمام الجانب الفلسطيني، وهذه المرّة أمام لبنان، حتى بات الشعور بأن "الثرثرة" الإسرائيلية حول المفاوضات مع سورية هي أحد أساليب إشغال الرأي العام الإسرائيلي لحجب الأنظار عن إحدى الأزمات الداخلية. إلا أن في النقاش الدائر في إسرائيل حاليا هناك بعض المستجدات التي لم تكن في الماضي، وهذا لا يعني أننا قد نستيقظ صباح أحد الأيام القريبة لنلقى الجانبين الإسرائيلي والسوري على طاولة المفاوضات، ولكن هناك ضرورة لقراءة هذه المستجدات لمعرفة التوجهات الإسرائيلية، وأيضا لمعالجة سؤال مدى جدية إسرائيل في مفاوضات كهذه، ستلزمها بالانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة منذ أكثر من 38 عاما. بداية فإن النقاش الحالي في إسرائيل بدأ قبل أسبوع، بعد خطاب الرئيس السوري، بشار الأسد أمام مؤتمر اتحاد الصحفيين، فعلى الرغم من "نارية" الخطاب، والتلويح بالخيار العسكري لاسترداد الجولان، كما قال الرئيس الأسد، فإن إسرائيل اختارت قراءة ما ورد بين السطور، والمتستر في صياغات الخطاب التي تم اختيارها بعناية، بالذات حين كان الحديث عن الجولان وإسرائيل. فإسرائيل قرأت دعوة رئاسية سورية لإجراء مفاوضات معها، وتجاهلت تقريبا كليا، الخيار العسكري الذي لوّح به الأسد. والأمر الثاني هو أن الحرب على لبنان، ومجرياتها ونتائجها على الساحة الإسرائيلية الداخلية، طرحت أسئلة جدية في أروقة المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، حول "جدوى استخدام القوة"، أو البحث في كيفية تفكيك "محور الشر" حسب التعبير "الأمرو- إسرائيلي"، الذي بات يقترب من إسرائيل من خلال حزب الله، الذي تعتبره إسرائيل "موالٍ لإيران، وينشط بأمرها".
وهذا الأمر يطرحه بالأساس قادة عسكريون سابقون متواجدون على الساحة السياسية بقوة، وأولهم في هذه الأيام، وزير الأمن الداخلي (الشرطة)، آفي ديختر، وهو من كان حتى قبل عام رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية العامة "الشاباك"، الذي قال بوضوح انه لا يعارض انسحابا من هضبة الجولان "حتى الحدود الدولية"، مقابل سلام كامل مع سورية. واعتمادا على فرضية أن وزير الحرب عمير بيرتس، كان ولا يزال في الأسابيع الأخيرة ينطق برغبات قادة الجيش، فبالإمكان ربط تصريحه المشابه بضرورة التفاوض مع سورية، أيضا بأجواء محيطة به من قادة العسكر، دون الجزم بهذا الأمر. فإسرائيل كانت تنظر إلى هضبة الجولان السورية، التي ينتشر فيها قرابة 23 ألف مستوطن، بغالبيتهم الساحقة في مستوطنات قريبة من الحدود الدولية، كمنطقة جغرافية استراتيجية من الناحية العسكرية بالنسبة لإسرائيل، إلا أن تقارير أمنية إسرائيلية ظهرت في السنوات الأخيرة أصبحت تتحدث عن تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، على ضوء تطور السلاح والوسائل القتالية في عصرنا هذا. وهناك أمر آخر مرتبط بالوضع الداخلي في سورية، فنقرأ في كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية، اقتباسات لمصادر حكومية، تقول إن إسرائيل تفضل القيادة الحالية في سورية على قيادة أخرى مجهولة حتى الآن، وقد تكون من الحركات الأصولية، "ولهذا فإن اتفاق سلام مع سورية قد يعزز القيادة الحالية وتثبيتها". ومثل هذا الموقف قرأناه قبل نحو عام في إطار حوار إسرائيلي أمريكي، حين قالت إسرائيل لواشنطن بوضوح أنها تتخوف من انقلاب في سورية، يكرر تجربة العراق على الحدود الشمالية لإسرائيل، التي تعتبرها جميع التقارير العسكرية الإسرائيلية، "الأكثر أمنا واستقرارا على مدى 32 عاما". ومقابل هذا فإن رئيس الحكومة إيهود أولمرت الذي يعلن معارضته للشروع بمفاوضات مع سورية، "في المرحلة الراهنة"، فإنه يقول جهارة انه لا يريد خرق المقاطعة على القيادة السورية التي فرضتها الإدارة الأمريكية. إلا أن الصحافة الإسرائيلية اقتبست في اليومين الماضيين كثير من "المصادر الحكومية الرفيعة"، التي تتحدث عن تغير في توجهات الإدارة الأمريكية بالنسبة لسورية، خاصة في وزارة الخارجية الأمريكية. ولكن السؤال الأهم الذي يجب أن يطرح الآن في خضم هذا النقاش الإسرائيلي الدائر، هل إسرائيل معنية بالفعل باستحقاقات السلام مع سورية، بمعنى الانسحاب من هضبة الجولان، والجواب نجده في هضبة الجولان ذاتها. فإسرائيل ومنذ وصول أريئيل شارون إلى رئاسة الحكومة في شتاء العام 2001 عادت لترصد ميزانيات ضخمة في البنى التحتية في الهضبة، إضافة إلى مشاريع إسكانية إستيطانية وبرامج تشجيع للاستيطان في الهضبة، تشمل محفزات مالية ضخمة للمستوطنين، فشارون لم يكن على استعداد لسماع حتى الأحرف الأولى لمصطلح "مفاوضات مع سورية"، معلنا انه ليس لديه ما يعيده لسورية. ونحن نتحدث عن ميزانيات بمليارات الدولارات علاوة على ما تم إقامته خلال أكثر من 32 عاما قبل وصول شارون لرئاسة الحكومة. ولكن هذا قد يكون جوابا مرحليا لهذه الفترة، وقد يتغير في حال توفر عدة شروط وقناعات لدى قادة إسرائيل ومن خلفهم "الموجّه الأكبر" لهم، مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وكما يقول أحد المحللين الإسرائيليين، "إذا توفرت قناعة لدى إسرائيل بأن مفاوضات مع سورية ستضمن انسلاخها عن إيران، ووقف دعمها لحزب الله بالأساس، وإبعاد الحركات الفلسطينية الناشطة في سورية، فإن مفاوضات كهذه ستكون أمرا واقعيا في إسرائيل". ولكن ليس هذا وحده، فهناك شروط أخرى يجب أن تتوفر، حسب الرؤى الإسرائيلية، لدفع عجلة المفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي، مثل تطورات على الساحة اللبنانية، ومستقبل التعامل الدولي مع إيران، وغيرها من الأمور. في المجمل العام فإن مثل هذا النقاش سيخبو في إسرائيل بعد أيام، ولكن في نفس الوقت لا يمكن الاستهتار به لأنه يكشف عن تعدد الرؤى في المؤسسة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، في كل ما يتعلق بمستقبل المنطقة، وكيفية معايشة إسرائيل لها.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|