إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



صراع البقاء لعمير بيرتس أم لحزب "العمل" برمّته؟


الثلاثاء 5/9/2006
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"

*بيرتس يشن معركتين واحدة لكسب الرأي العام، والثانية لمواجهة المتمردين عليه *بيرتس مستفيد من كثرة المنافسين وكنهم يفتقرون لقواعد تنظيمية وشعبية *المنافسة حامية في حزب "العمل" رغم أن الحزب نفسه يخوض معركة بقاء قاسية، على الحلبة السياسية*


أدت تداعيات الحرب العدوانية على لبنان إلى تأجيج أزمة القيادة في حزب "العمل"، فزملاء رئيس الحزب، عمير بيرتس، الذين بقوا خارج طاولة الحكومة وشكلوا كتلة تمرد عليه، لم يتركوه لحظة، وكانت حرابهم أطول من تلك التي وجهت له على خلفية فشل إسرائيل في الحرب، وكونه أحد المسؤولين الثلاثة، المطالبين بالاستقالة من مناصبهم على خلفية الفشل في الحرب، فإلى جانبه هناك رئيس الحكومة إيهود أولمرت ورئيس أركان الجيش، دان حلوتس.
فالمشهد العام في حزب "العمل" ينذر بانفجار هادئ في داخل الحزب، سيسفر في المرحلة الأولى عن حالة انقطاع بين مجموعتين، إن لم تكن ثلاث مجموعات، الأولى بقيادة عمير بيرتس، وتضم غالبية الوزراء السبعة المستفيدة من البقاء في الحكومة، والمجموعة الثانية الندّية لبيرتس في جميع تحركاته، هي مجموعة الجنرالات الثلاثة، عامي أيالون، وداني يتوم، ومتان فلنائي، والى جانبهم البروفيسور أفيشاي برافرمان، ونواب آخرون، أما المجموعة الثالثة التي قد تضم نائبين أو ثلاثة على الأكثر، فهم نواب يؤيدون زعامة بيرتس، ولكنهم يعترضون على صمت الحزب وتواطئه مع إجراءات اقتصادية تضر بالشرائح الفقيرة والضعيفة، التي رفع راياتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حزب "العمل".
وقد بدى عمير بيرتس في الأيام الأخيرة كمن يشن معركتين متوازيتين في الصراع على مستقبله السياسي، ألاولى معركته على كسب الرأي العام وإبعاد تهمة الفشل عنه، والثانية معركته للبقاء في زعامة الحزب، خاصة وأن نوابا في داخل حزبه أعلنوا بدء استعداداتهم لمنافسته على زعامة الحزب في الانتخابات الداخلية التي من المفترض أن تجري في مطلع الصيف القادم، وكل هذا في الوقت الذي بدى فيه واضحا أن حزب "العمل" يصارع للبقاء على الساحة السياسية، وهو يتقدم نحو المصير المجهول.

صراع بيرتس المزدوج

كان واضحا منذ الأيام الأولى للحرب على لبنان، أن هذه معركة إثبات النفس بالنسبة لعمير بيرتس وإيهود أولمرت، اللذين وصلا إلى سدة الحكم بمحض الصدفة، فعمير بيرتس فاز بزعامة حزب "العمل" ولم يكن يتوقع انتصاره إطلاقا، ودخل إلى الحكومة وفق سيناريو كان متوقعا، ولكنه فوجئ بتسلمه حقيبة أكبر من مقاساته، حقيبة الأمن (الدفاع)، رغم أن ليس لديه أية خلفية عسكرية قيادية.
وكذلك أولمرت فقد تسلم حزبا وقيادة حكومة في غفلة سقوط أريئيل شارون على فراش المرض، وهو لم يهيئ نفسه لمثل هذا المنصب، لربما لأنه لم يتخيل مثل هذه الظروف.
وبالنسبة لبيرتس وهو موضوعنا اليوم فإنه خرج من الحرب على لبنان مهزوما على صعيده الشخصي، أكثر من هزيمة الجيش الذي يتولى مسؤوليته السياسية، والكثير من الاتهامات توجه له، وفي صلبها أنه قبل بحقيبة لا تلائمه إطلاقا، وأنه سرعان ما تحول إلى بوق لقيادة الجيش، دون أن تكون لديه القدرة على توجيه أسئلة مهنية نديّة لمخططات الجيش، وهذا ما لم يكن في الماضي، خاصة حينما كان وزير الأمن جنرالا.
ولهذا فإن أول معركة مصيرية يشنها اليوم عمير بيرتس هي على الرأي العام الإسرائيلي، والخط الذي يتبناه في الأيام الأخيرة يعتمد على توجيه اللوم على من سبقه في الوزارة، قاصدا بذلك شاؤول موفاز، فقد قال بيرتس في احتفال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، "لقد ترك لي ذوو التجربة وضعا صعبا في الجيش".
وعلى هذا الأساس فإن بيرتس بات يطالب بإقامة لجنة تحقيق رسمية، وليس لجنة فحص، كالتي يريدها رئيس الحكومة إيهود أولمرت، وقد نقل "المقربون" من بيرتس قوله، أنه هو الشخصية الوحيدة في قيادة الدولة التي لن تتضرر من لجنة كهذه، على أساس أنه سيعتمد مقولة أن الحرب اندلعت فور تسلمه منصبه، وكل أسباب الفشل تعود إلى جاهزية الحزب في مختلف الأصعدة، وهذه الجاهزية التي خلّفها له موفاز و"ذوو التجربة".
وعلى ما يبدو فإن لادعاء بيرتس سيكون أساس في تقارير لجان التحقيق في مجريات الحرب، اياً كان مستوى هذه اللجان، التي يدور الخلاف حول شكلها وطابعها، فقد كشف النقاب في الأسبوع الماضي، عن تقرير تم تسليمه لرئيس الأركان دان حلوتس ووزير الأمن شاؤول موفاز، في شهر آذار/ مارس الماضي، وأشار حسب ما جاء في مقال للمحلل العسكري زئيف شيف، إلى أن جاهزية الجيش تراجعت في جميع الجبهات، بما في ذلك الجبهة الشمالية.
ولكن السؤال الذي يطرح هو مدى قبول الرأي العام لتبريرات بيرتس، ففي حينه سيطرح عليه السؤال لماذا قبل بحقيبة لا تلائم مؤهلاته، وهو الذي بنى كل طريقه السياسي على القضايا الاجتماعية.
أما المعركة الثانية التي سيواجهها عمير بيرتس فهي تدور حول على مستقبل زعامته لقيادة الحزب، فهو يواجه عدة شخصيات، ولكن ليس من الواضح إذا ما ستشكل هذه الشخصيات معسكرا واحدا ضده، ولكن ما هو واضح أن عددا من الشخصيات التي أتى بها بيرتس إلى الحزب ومن ثم الحلبة السياسية، نفرت منه، وعلى رأس هذه الشخصيات النائب برافرمان السابق ذكره، والصحفية شيلي يحيموفيتش، التي لا تزال تكن الولاء لبيرتس ولكنه تعترض على التزامه بسياسة أولمرت الاقتصادية، وقد يتطور هذا الموقف مستقبلا لتنتقل يحيموفيتش إلى المعسكر المعارض كليا.
حتى الآن فإن بيرتس لا يشعر بتهديد جديد للإطاحة به في الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، التي ستجري في صيف العام القادم، وطالما لم يحدث أي جديد على صعيد الاصطفافات في داخل الحزب، فإن بيرتس يبقى صاحب التنظيم الأقوى في الحزب، ولديه النواة التنظيمية الأقوى، التي أتى بها من حزبه السابق عام إحاد، الذي أقامه مع انسحابه من حزب "العمل" في العام 1994.
إلا أن الخلافات الحزبية الداخلية، وقوة الشخصيات الأساسية التي تعارضه في وسائل الإعلام، ستؤثر على مكانته في الشارع الإسرائيلي، وفي الحلبة السياسية بشكل خاص، ولهذا فإن بيرتس سيسعى أيضا لتهدئة المجموعة المعارضة له، ليتسنى له مواصلة المعركة على الرأي العام تجاهه، ورأينا أن قبول بيرتس بإقامة لجنة تحقيق رسمية هي محاولة لإسكات مجموعة الجنرالات وبرافرمان ضده.

نجوم لا قاعدة لها

وكما ذكر هنا فإن ما يخفف من حدة معركة بيرتس في داخل حزبه، هو أن الشخصيات المركزية التي تحاربه هي نجوم وشخصيات ذات مؤهلات مشهود لها، ولكن ليس لديها قواعد شعبية، ولا حتى قواعد تنظيمية في داخل حزب "العمل"، وهذا أمر قد يتغير مستقبلا، عندما نقرأ أن عامي أيالون وأفيشاي برافرمان قررا التعاون في منافستهما لعمير بيرتس.
ونحن نتحدث عن شخصية عامي أيالون، فهو جنرال بارز، وكان رئيسا لجهاز المخابرات العامة الشاباك، ولكن نقطة ضعفه، من وجهة نظر موازين القوى في الشارع الإسرائيلي، أنه أبرم وثيقة حول صيغة الحل النهائي مع البروفيسور سرّي نسيبة.
أما البروفيسور أفيشاي برافرمان، فهو شخصية أكاديمية وكان مسؤولا في البنك الدولي، ثم رئيسا لجامعة بئر السبع، ولديه الكثير من المؤهلات، ولكن العنصر الأهم الذي يحتاجه ليكون باستطاعته إثبات وجوده على الحلبة السياسية، مفقود حتى الآن، وهو قاعدة تنظيمية وشعبية واسعة تمهد له الطريق للوصول إلى قيادة الحزب.
كذلك فإن رئيس الحكومة الأسبق إيهود براك يعلن عزمه العودة إلى الحلبة السياسية، وبراك لا يحظى بأي دعم إعلامي، وحتى المعسكر الذي بناه في داخل حزب "العمل" انهار عمليا، ولهذا فإن فرصه لتشكيل تهديد جدي لعمير بيرتس شبه معدومة.
وهناك أسماء أخرى تلوح في الأفق، وتعلم التجربة معها أن لا أمل لها في التقدم نحو زعامة الحزب، مثل متان فلنائي، والوزير بنيامين بن أليعيزر، كما لا يبدو أن "الشابين" أوفير بينيس ويتسحاق هيرتسوغ ينويان ترشيح نفسيهما على زعامة الحزب حتى الآن رغم شعبيتهما.
وكثرة المنافسين خاصة من داخل المعسكر الواحد المعارض لبيرتس، يشكل ورقة رابحة لبيرتس، كونه سيستفيد من هذا، ويحافظ على منصبه في قيادة الحزب، ونكرر القول، طالما لم يحدث أي تطور جدي على المشهد العام في الحزب.

ولكن على أي حزب يتنافسون؟

إن وضعية حزب "العمل" سجلت انهيارا في الانتخابات البرلمانية الماضية، خاصة على ضوء تأقلم قيادة الحزب وكوادره مع الحضيض الذي وصل إليه الحزب، الذي أسس إسرائيل وحكمها في السنوات التسع والعشرين الأولى، فقد اعتبر الحزب أن الحفاظ على قوة الحزب البرلمانية بحصوله على 19 مقعدا، هو إنجاز للحزب، رغم أن هذه النتيجة تحققت بعد انضمام حزب عمير بيرتس السابق لحزب "العمل"، بمعنى أن الحزب تراجع من الناحية العددية في الانتخابات البرلمانية.
وهذا نتيجة لعدة عوامل تضرب بالحزب منذ عدة سنوات، وعلى رأسها أزمة القيادة التي اندلعت في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين، في خريف العام 1995، وفشل غريمه شمعون بيرس في قيادة الحزب وإبقائه في السلطة، ومنذ العام 1996 استبدل الحزب رئيسه سبع مرات، والرئيس الذي أمامنا اليوم عمير بيرتس، مشكوك في ولايته منذ اللحظة الأولى لتوليه إياها، بسبب الظروف التي انتخب فيها.
خلال هذه الفترة، أي منذ العام 1996 غاب البرنامج السياسي الواضح عن حزب "العمل" وحتى في العام 1999، عندما عاد إلى الحكم برئاسة إيهود براك كان هذا بسبب رصيد مسار أوسلو وحالة الانفراج التي ظهرت حتى العام 1996، وفشل البديل اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو، حتى العام 1999، ولكن سرعان ما ثبت أن البرنامج السياسي للعمل ليس بهذه القدرة من الصلابة التي بإمكانها تحدي قوى اليمين للبقاء في الحكم.
ومنذ أن انضم حزب "العمل" إلى حكومة أريئيل شارون الأولى التي تشكلت في شباط/ فبراير العام 2001، حمل حزب "العمل" لقب "حزب ظل"، فاقدا لأي قوة تأثير له على الساحة السياسية، وكلفه هذا "اللقب"، الانطباع، ثمنا باهظا في الانتخابات البرلمانية التي جدرت في العام 2003، حين هبط إلى حضيض غير مسبوق.
ولكن حزب "العمل" لم يتعلم الدرس، فقد كرر نفس التجربة في مطلع العام 2005، بانضمامه إلى حكومة شارون الثانية، ليثبت أكثر انطباع "حزب الظل"، وليتلقى لاحقا، وكما ذكر، ضربة قاصمة جديدة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام الجاري.
كذلك فإن محاولة الحزب العودة إلى الحلبة السياسية كمنافس أساسي على الحكم، من خلال الملف الاقتصادي الاجتماعي، فشلت الآن، أي منذ اللحظة التي تخلى فيها الحزب عن جميع الحقائب الوزارية ذات الطابع الاجتماعي، واتجاهه نحو حقيبة الأمن، والبنى التحتية والسياحة، إضافة إلى التعليم، بدلا من المالية وحتى أنه لم يطلب حقيبة الرفاه الاجتماعي، التي لا تزال شاغرة في انتظار كتلة "يهدوت هتوراة".
وعمليا فإن كل ما بقي في حزب "العمل" هو صراع على القيادة، وليس على البرنامج، ويراهن الكثير من المحللين والمراقبين، أن المواقف المعارضة التي يتبناها معارضو بيرتس نابعة من مواقف انتقامية، ليست مقنعة للشارع الإسرائيلية، أي لو أن أحدا منه حظي بحقيبة وزارية لكان موقفه اليوم مختلف، وهذا هو الانطباع السائد، الذي يضر أيضا بالحزب.
إلى جانب كل هذا، فإن حزب "العمل" يتأثر بشكل أساسي، وقد يكون أو المتأثرين، من انهيار الأيديولوجيات، وخاصة "البقرات المقدسة" التي بنت إسرائيل نفسها عليها، مثل "ارض إسرائيل الكاملة" و"عدم وجود شعب آخر بين النهر والبحر" و"القوة التي لا تقهر".
ولكن هناك عامل آخر وهو انحلال المفهوم التقليدي لبنية الأحزاب، وأصبحنا أمام حالة أمركة الأحزاب، بمعنى جعلها أحزابا موسمية على الطراز الأمريكي، تعطي حق التنافس لذوي القدرات المالية، قبل غيرهم.
فحزب "العمل" عرف عنه أنه حزب مؤسسات، ولديه تنظيم قوي، وكان حتى منتصف سنوات التسعين من القرن الماضي، الحزب الأكبر تنظيميا، ومن دون منازع، إلا أن هذه البنية التنظيمية المتينة انهارت، وانهار معها الانضباط الحزبي، وهو أحد الأعمدة الأساسية التي بنى عليها حزب "العمل" قوته.
لقد أشارت بعض استطلاعات الرأي، التي سارعت إليها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى انهيار قوة حزب "العمل" الشعبية، وعلى الرغم من أن مصداقية هذه الاستطلاعات مشكوك فيها، كونها جزءا من حرب كبرى وسائل الإعلام في إسرائيل على فرض توجه عام، إلا أن النتيجة المعلنة هي مؤشر ما لوضعية الحزب.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر