إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



لماذا فشلت حماس؟


الأحد 10/9/2006
محمد ابو رمان- "الغد" الاردنية

مثّلت حكومة حماس اختباراً حيوياً على تجربة "الإسلام السياسي" في الحكم في هذه الفترة التاريخية المفصلية، بخاصة أن هذه الحكومة أتت بطريق ديمقراطية واضحة وفريدة في المنطقة. إلاّ أن هذه التجربة على قصر عمرها، وتبدّي انهيارها الوشيك، لم تكن مشجعة أو مبشرة بقدرة حركات الإسلام السياسي وكفاءتها في تولي السلطة. ولعل مظاهرات وإضراب الآف الموظفين الفلسطينيين، الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ ما يزيد على ستة أشهر، مؤشر كبير وواضح على ضحالة خبرة الحكومة وغياب حنكتها السياسية.
بلا شك، تقف أسباب موضوعية قاهرة وراء فشل تجربة حماس، أو إفشالها، بعبارة أدق، في مقدمة ذلك الحصار العربي، وخشية النظام العربي من نجاح التجربة، إذ تشكل "فوبيا" البديل الإسلامي هاجساً حقيقياً للحكومات العربية، وثانيا الحصار الدولي وقطع المساعدات المالية عن الشعب الفلسطيني وتجويعه، وثالثاً السياسة الإسرائيلية التي لم تكتف بمحاصرة الحكومة الجديدة، بل اعتقلت أعضاء منها ومن المجلس التشريعي واستمرت في حرب الإبادة للشعب الفلسطيني لخلق البلبلة والمشاكل بين القوى السياسية الفلسطينية وضرب العملية السياسية الداخلية لتعزيز مقولة "غياب الشريك الفلسطيني" وتبرير الأحادية الإسرائيلية، ورابعا هنالك دور واضح لحركة فتح والرؤوس الفاسدة في قيادتها، التي سلّمت الحكومة الجديدة خزينة خاوية، وفسادا بمئات الملايين من الدولارات، وعملت فتح على إضعاف الحكومة ونزع صلاحياتها ومحاصرتها بتقوية سلطة الرئيس عباس وتعزيزها على حساب رئيس الحكومة، ما أدى في المحصلة إلى ازدواجية السلطة، وشلل الحالة السياسية الفلسطينية بأسرها، ودخولها في نفق الصراعات الحزبية والمصالح الفئوية.
في المقابل ثمة أخطاء كبيرة وقعت فيها حركة حماس وساهمت إلى ما وصلت إليه من اخفاق وانسداد الأفق السياسي. في مقدمة هذه الأخطاء أنها لم تدرس طبيعة الظروف السياسية المحيطة جيداً، ولم تضع احتمالات واقعية عقلانية، بل لم تكن تتوقع، في الأصل، أن تحظى بالأغلبية وأن تشكل الحكومة. بنت قيادة حماس مشاركتها السياسية على تصور غريب، غير منطقي، يغفل تماماً شروط الحالة الفلسطينية، وهو إمكانية الجمع بين المقاومة المسلحة والمشاركة في العملية السياسية، قياساً على تجربة حزب الله المختلفة في شروطها كافة. فلم تُعد حماس تصوراً استراتيجياً لعملية المشاركة السياسية وأبعادها وإمكانية التحول، واعتمدت على رؤية فضفاضة، غير واقعية. ولا أعرف أين كانت مراكز الدراسات، القريبة من الحركة، والتي تنفق عليها الأموال الهائلة (!) عند هذا المنعطف الخطير.
على الرغم من صدمة حماس بالنصر الكبير، إلاّ أنها لم تتراجع، فقامت بتشكيل الحكومة فقط من أعضائها، ما كان يترتب عليه استحقاقات واضحة وصريحة. كان بإمكان حماس الخروج من المأزق بخيارات أخرى، منذ البداية، كحكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط، لكنها انزلقت إلى لعبة سياسية كبيرة ومعقدة، ووقفت في منتصف الطريق؛ فلا هي امتلكت الجرأة على استكمال التحول الاستراتيجي، ولا وقفت عند الموقف الأيدولوجي السابق، وبقيت تبعث برسائل سياسية غامضة.
لم تسع حماس إلى إحراج النظام الرسمي العربي فتوافق على مبادرة بيروت 2002، التي بالتأكيد لا تقبلها إسرائيل، ما كان يمكُّنها من الهروب من المربع الأول وإلقاء الكرة في ملعب الخصم، ولم تقم الحكومة بالاستقالة والعودة إلى المقاومة المسلحة. كل ذلك والوقت ليس في صالح حماس؛ فالأزمة المالية والأمنية والسياسية كانت تتفاقم، وبدا الأمر وكأن الحركة تراهن على الوقت، مع أنه ليس معها!
صحيح أن حماس حافظت على وحدتها خارجياً، وعملت على إخفاء أزماتها وخلافاتها الداخلية، لكن المؤشرات على تلك الخلافات، يمكن التقاطها بسهولة، وازدواجية القرار بين الداخل والخارج ليست أحجية، ففي الوقت الذي ترتبط فيه الحكومة بإشكاليات وأزمات الداخل الخانقة يرتبط المكتب السياسي في دمشق بالمحور الإيراني- السوري، وبيده الحقيبة المالية التي تحظى بدور فاعل وكبير في التأثير على أعضاء وأفراد الحركة في الداخل والخارج.
تجربة حماس أصبحت عبرة لحركات الإسلام السياسي، كي لا تغتر بحجم جماهيريتها، وانتصاراتها في صندوق الانتخابات، فمعركة الانتخابات والمعارضة ليست كمعركة الحكم ومسؤولياته. فالجماهير التي تحشدها حركات الإسلام السياسي اليوم ضد السلطة وتصوت لها قد تتظاهر غداً ضد هذه الحركات وتصوت ضدها، ألا نرى ذلك مع حماس اليوم!
سيحتج البعض أن تجربة حماس خاصة، وأنها تحت الحصار والضغط. ربما، لكن من يضمن للحركات الإسلامية الأخرى ألا تكون تحت الحصار والضغط، على الأقل الضغط الاقتصادي الخانق. ما هو مؤكد أن كثيراً من الحركات الإسلامية هي حركات احتجاجية لا تمتلك البرنامج الواقعي، ولا التخطيط السياسي الصحيح، وسر شعبيتها أمران اثنان؛ الأول فساد النظم الحالية وفشلها، والثاني المزاج الديني العام الذي بات يحكم الشارع العربي، وتحسن هذه الحركات توظيفه في معاركها السياسية مع النظم الحالية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر