إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ارحمونا من "عرب إسرائيل"

الاثنين 11/9/2006
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

لم يكن لدى فلسطينيي 48 أية مشكلة في تعريف هويتهم القومية على صعيدهم الداخلي، بقدر "مشكلة" تعريف العالم لهم طوال عشرات السنوات، خاصة في السنوات الأخيرة، مع تزايد تواصلهم مع الشعوب والدول العربية، فحقا أن التسميات كثرت، في محاولة لحل معضلة كونهم فلسطينيين يعيشون في وطنهم، الذي أصبح اسم جزء منه "إسرائيل"، وبنفس الوقت فهم لا ينفون وجود الدولة ومؤسساتها.
ولكن من هذه التسميات هناك تسمية "عرب إسرائيل" الذي يتعامل معه الكثيرون من غير الإسرائيليين، من دون أي قصد مسيء، ولكن هذا التعامل الميكانيكي لهذا الجزء الحي من الشعب الفلسطيني يشوّه صورة وحقيقة هوية لا أقل من 1,2 مليون فلسطيني.
من باب التذكير نقول إننا نتحدث عن 160 ألف فلسطيني نجحوا في البقاء في وطنهم في العام 1948، بعد النكبة، التي أدت إلى طرد لا اقل من 700 ألف فلسطيني من وطنهم، وكانت المهمة الأولى والوحيدة لهؤلاء الفلسطينيين البقاء في وطنهم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض وأملاك.
وفي تلك المرحلة لم يكن من السهل على عشرات الآلاف الذين لا يزالون يضمدون جراح النكبة في أجسادهم وحياتهم اليومية مواجهة دولة بأكملها، وكانت المهمات كثيرة وصعبة للغاية، فأولا معركة البقاء في الوطن، ومن ثم إنقاذ ما أمكن إنقاذه من الأرض، وهي معركة استمرت لعشرات السنين، وإن تراجعت اليوم قليلا، فلأنه لم يعد هناك الكثير من الأرض للدفاع عنه بعد كل المصادرات، فالشعب الذي كان يملك لا اقل من 80% من الأراضي، أصبح اليوم يملك 2,5%.
ثم جاءت، وبتزامن أيضا، معركة الحفاظ على الهوية، اللغة والتراث، وهوية الوطن والذاكرة وأسماء جغرافية الوطن، وكل هذا في مواجهة مخططات صهيونية خطيرة لكل واحدة من هذه القضايا الثلاث، فإسرائيل لم توقف سياسة الطرد في العام 1948، بل استمرت محاولاتها طيلة سنوات الخمسين، ومصادر الأراضي كانت تشتد من عام إلى آخر، وكانت ذروتها في سنوات السبعين، التي أسفرت عن معركة "يوم الأرض" في العام 1976، واستمرت المصادرات بعد ذلك.
وهذا تاريخ طويل، لا بد وأنه تم تسجيل جزء منه، ولكن ما من شك انه يحتاج إلى توثيق أكثر، ومعالجة اليوم تتطرق إلى المصطلح الخطير "عرب إسرائيل". ومن باب كشف المخططات الإسرائيلية، ففي الشهر الأخير صدر كتاب باللغة العبرية في إسرائيل يحمل اسم "عرب جيدون"، كتبه الدكتور "هيلل كوهين"، ويطرح بشكل نقدي مسألة العمالة في إسرائيل من العام 1948 وحتى العام 1967، وهذا هو الكتاب الثاني من نوعه، إذ سبقه لنفس المؤلف، الموثق، كتاب "جيش الظلال"، الذي يتحدث عن العمالة للعصابات الصهيونية من العام 1917 وحتى العام 1948.
ويكشف الكتاب عن أساليب المؤسسة الإسرائيلية في محاولاتها لقهر فلسطينيي 48، وجعلهم يعيشون في رعب دائم، وإجبارهم عن نسي هويتهم القومية وانتمائهم التاريخي لشعبهم الفلسطيني، ويعرض الكتاب الكثير من الحالات، وبعض الأسماء، التي كانت مهمتها ضرب العمل النضالي الذي كان يقوده في تلك الفترة الحزب الشيوعي، الذي هو امتداد للحزب الشيوعي الفلسطيني، وحركات قومية صغيرة، مثل حركة "الأرض" التي عملت في تلك الفترة إلى جانب الشيوعيين.
ولكن في مقدمة الكتاب هناك فقرة هامة تتعلق بمصطلح "عرب إسرائيل"، وجاء فيها: "بعد قيام الدولة، كانت جهات قومية عربية عملت على صيانة الهوية العربية الفلسطينية، إلى جانب الحفاظ على مناهضة الدولة، مهما كان شكل هذه المناهضة. أما المؤسسة الإسرائيلية من جانبها، فقد رأت في الحفاظ على الهوية خطر، ولهذا حاولت اقتلاع هذه الهوية، وخلق هوية جديدة خاصة بدلا منها، هوية "العربي الإسرائيلي".
ويتابع: "إن هوية كهذه، حسب افتراض المستعربين الإسرائيليين في المؤسسة الحاكمة، ستسمح بتقبلهم للدولة، ولربما القبول بصمت بمكانة أقلية، والحقيقة ان هوية العربي الإسرائيلي لم تكن "اختراع" الدولة.. فهذه الهوية تبلورت على ضوء الظروف التي نشأت في أعقاب حرب 1948، وعلى رأسها تواجد أقلية عربية في دولة يهودية، وقد حُظر على هذه الأقلية أية علاقات وتواصل مع العالم العربي".
ويضيف: "ولكن مما يظهر فإن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل شجعت تطوير هذه الهوية في محاولة لبلورتها بشكل منفصل، بقدر الإمكان، عن الهوية العربية القومية بشكل عام، والهوية الفلسطينية بشكل خاص، ومن أجل هذا فقد عملت الدولة كثيرا من أجل إسكات الرواية الفلسطينية، أو العربية، بكل ما يتعلق بحرب 1948".
وفي تلخيص مرحلي بالإمكان القول، وبشكل مؤكد، أن مشروع "العربي الإسرائيلي" مني بفشل ذريع، فهذه الأقلية في وطنها، ليس أنها فقط حافظت على هويتها القومية، لا بل ساهمت بشكل أساسي وبارز في تطوير الأدب الفلسطيني وإبداعه، فمن بينها خرج عدد لا يستهان به من الكتاب والشعراء والسياسيين، الذين برزوا ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطيني في الداخل وإنما بشكل عام، وأيضا على مستوى الشعوب العربية، وساهموا بمدماك رائع في الثقافة الفلسطينية والعربية.
ولكن على الرغم من هذا فإن مصطلح "عرب إسرائيل" انتشر في كثير من الأماكن وبشكل خاص في الإعلام العالمي، وفي وكالات الأنباء، وللأسف فإن الكثيرين من العرب يتعاطون مع هذا المصطلح حتى في سياق المناهضة للسياسة الإسرائيلية.
ومن المضحك المبكي ان تسمع مقدم نشرة إخبارية يتحدث بحدة عن السياسة الإسرائيلية، ثم يوجه سؤاله لسياسي فلسطيني قائلا: "أنتم عرب إسرائيل ما هو دوركم".
قد يجوز استعمال مصطلح "عرب أمريكا" و"عرب بريطانيا" و"عرب فنزويلا"، فهؤلاء العرب هاجروا إلى تلك الدول، ولكننا نحن الفلسطينيين في وطننا، ولم نهاجر إلى إسرائيل، بل إسرائيل هي التي هاجرت إلينا، لم نأتها من أي مكان في العالم، سوى من الامتداد التاريخي لشعبنا.
ونعترف ان تسمياتنا معقدة، فذلك يقول "فلسطينيي 48" وآخر "عرب 48" أو "عرب الداخل"، أو "الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل"، أو "الأقلية الفلسطينية في إسرائيل" رغم مأساوية تسمية أهل الوطن بـ "الأقلية"، ولكن بالإمكان التعايش مع هذه المصطلحات، أما "عرب إسرائيل"، فحقا ارحمونا منه، فقد يكون لإسرائيل عرب، يتحدث عنهم ذلك الكتاب، ولكنهم قلّة، وقلّة جدا جدا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر