إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ضرورة نشر قوات دولية بين إسرائيل وفلسطين- الفكرة وخلفياتها ومقتضياتها

الأربعاء 13/9/2006
محمد بركة

(على ضوء النقاش الدائر في الاتحاد الأوروبي، حول مسألة إرسال قوات دولية إلى قطاع غزة والضفة الغربية، فقد طلبت صحيفة الحزب الشيوعي الايطالي مقالا حول وجهة نظر وموقف الجبهة الديمقراطية من هذه القضية، من النائب محمد بركة، رئيس المجلس القطري للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)

جاء قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بشأن وقف حرب إسرائيل الثانية في لبنان ليطرح مجددا موضوع الدور الدولي غير المتحيّز في فض نزاعات وصراعات إقليمية، وخاصة، البند في 1701
الذي ينص على إرسال قوات دولية لمساعدة الجيش اللبناني في بسط سيادته على الأرض اللبنانية، حسب ما جاء في أقوال الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، وذلك خلافا لفهم إسرائيل لدور القوات الدولية، الذي يحاول إلقاء مهمة حفظ أمن الحدود الإسرائيلية على القوات الدولية، وكأن هناك تهديدا لهذه الحدود.
باعتقادي أنه من السابق لأوانه الحديث عن تحول جذري في السياسة الدولية وتوازنات الموقف الدولي بين أوروبا وأمريكا واستيقاظ الدور الأوروبي، بعد حرب لبنان الثانية، كما عبّر عن ذلك اكثر من وزير في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي المنعقد في فنلندا بغرض المساهمة في اعادة اعمار لبنان.
فعلى الرغم من ايجابية اشتراط فرنسا وايطاليا أن يكون القرار الدولي في مجلس الأمن، 1701، مقبولا على الحكومة اللبنانية، إلا أننا رأينا بعد أسابيع قليلة كيف إتخذ مجلس الأمن قرارا بشأن درافور (1706)، وإرسال قوات دولية لتحل محل القوات الأفريقية في المنطقة، بما يخالف موقف الحكومة السودانية، الأمر الذي سيعيق الهدف المعلن من التدخل الدولي، وسيعيق إنهاء المعاناة الإنسانية الرهيبة في هذا الإقليم السوداني.
وفي العودة إلى القرار 1701، بشأن لبنان، فإن هذا القرار الذي جاء ليفعّل الموقف الدولي بشكل غير مألوف في الحقبة الأخيرة من حياة المنظمة الدولية، خرج إلى حيز الوجود بعد إصرار السيد بوش، والسيدة رايس على الحيول دون التوصل إلى وقف إطلاق نار مبكر، الأمر الذي ظهر في مواقف أمريكية معلنة،وذلك بهدف إتاحة المجال أمام إسرائيل لأنهاء "مهمتها" في لبنان وممارسة "حقها في الدفاع عن نفسها"، بواسطة إلحاق دمار شامل بالدولة اللبنانية.
لقد خرجت إسرائيل إلى هذه الحرب لتحقيق ثلاثة أهداف: 1- القضاء على حزب الله، 2- ترميم قدرتها على الردع في مواجهة لبنان وفلسطين 3- خلق واقع جديد في لبنان، بمعنى حسم الأمور في داخل لبنان في صالح الأوساط الموالية للولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن أيا من هذه الأهداف لم يتحقق من خلال الحرب، فما الذي دفع بالولايات المتحدة، راعية العدوان الإسرائيلي على الموافقة على دور دولي فعلي؟
برأيي هناك أربعة عوامل أساسية ساهمت في ذلك:
1- الفشل العسكري الإسرائيلي في مواجهة أداء المقاومة اللبنانية الباسل، وبالتالي فشل المراهنة على قوة إسرائيل العسكرية في هذه الحرب لتحقيق أهدافها المعلنة،
2- الدمار الرهيب الذي الحقته آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان، وتجاوز كل المعايير المألوفة للحرب، وخاصة في موضوعي ضرب المدنيين والبنية التحتية المدنية لتحقيق أهداف سياسية، (وهذا هو الإرهاب بعينه)، وموضوع استعمال أسلحة محرمة دوليا مثل القنابل العنقودية.
لقد أثارهذا الدمارغضبا دوليا واسعا، رسميا وشعبيا، من ناحية، واضاف علامات استفهام جديدة حول إمكانية القوى الموالية لأمريكا في لبنان ان تلعب دورا داخليا حاسما بعد الحرب من ناحية أخرى.
3- سعي الولايات المتحدة إلى إنقاذ حكومة أولمرت- بيرتس من ورطتها، واتساع دوائر عدم الثقة في داخل المجتمع الإسرائيلي، علما أن حرب لبنان الثانية تميزت بأن العمق الإسرائيلي كان جزءا من الحرب، خلافا لكل حروب إسرائيل السابقة، التي جرت على أرض عربية بالأساس.
4- بعد نجاح الولايات المتحدة في إملاء موقفها بشكل مهين وغير منطقي في اجتماع (G8) الدول الصناعية الكبرى في سانت بيترسبورغ، الذي جرى في الأيام الأولى للحرب، حيث خرج الاجتماع ببيان أكثر تطرفا من الموقف الإسرائيلي نفسه، لاحظنا يقظة في الموقف الأوروبي، وخاصة فرنسا وايطاليا، بعد التسليم الكامل للموقف الأمريكي في (G8) وهذه اليقظة تعود إلى حاجة توازنات دولية جديدة في مواجهة الاستئثار الأمريكي بالموقف الدولي، ويعود أيضا إلى مصالح أوروبا، وخاصة فرنسا، في الشرق الأوسط وفي لبنان بالتحديد.
لماذا نقول هذا الكلام؟
لأنه في سياق البحث عن إمكانية إرسال قوات دولية إلى المناطق الفلسطينية لا بد من رصد التداعيات التي كانت وراء إرسال القوات الدولية إلى لبنان.
وهنا يسأل السؤال: ما هو منسوب الفشل الإسرائيلي- المطلوب- في فرض شروط على الشعب الفلسطيني، وما هو المنسوب –المطلوب- من الجرائم الإسرائيلي الذي يستدعي يقظة في الحالة الدولية لوقف الكارثة الإنسانية والوطنية التي تحّل بالشعب الفلسطيني؟
واضح أن إسرائيل لا تستطيع ان تفرض شروطها السياسية على الشعب الفلسطيني بقبول دولة لا تملك سيادتها على كامل المناطق المحتلة، عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ولا بشأن التنازل على حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وواضح أيضا ان منسوب الجرائم الإسرائيلية قد فاق كل احتمال.
إن إسرائيل الرسمية تسعى بشكل دؤوب إلى إقفال كل إمكانية لحل الصراع مع الفلسطينيين عن طريق التفاوض، ولذلك لم تنفذ إسرائيل الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين بشأن الخطوات المرحلية، كما لم تنفذ استحقاق التفاوض على قضايا الحل الدائم مع الفلسطينيين (الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات).
كما أن إسرائيل لم تحترم أيا من القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين،وقامت إسرائيل أيضا بمحاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات ورفضت التفاوض معه، كما رفضت التفاوض مع الرئيس محمود عباس، رغم تحيزه المعلن والواضح للحل السياسي ولعملية السلام، وقوضت إسرائيل أية إمكانية لإعطاء رصيد ما لعرفات وعباس أمام شعبهما، لا بل فقد جرى تحطيم كل مؤسسات السلطة الفلسطينية وفرض حصار اقتصادي من حين الى آخر واحتجاز الاموال المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبذلك عبدت اسرائيل الطريق لوصول حماس إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية، ولكن حتى عندما تبنت حماس وثيقة الأسرى، التي تتحدث عن حل دولتين، إسرائيل وفلسطين، في حدود 1967، ردّت إسرائيل على هذا التطور الهام بالتجاهل السياسي وبالتصعيد العسكري.
كذلك تجاهلت إسرائيل مبادرة السلام العربية في قمة بيروت، التي عرضت سلاما شاملا بين إسرائيل وكل الدول العربية مجتمعة، مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وردت على هذه المبادرة يوم صدورها بشن حملة عدوانية على الشعب الفلسطيني تحت عنوان حملة "السور الواقي".
إذا ماذا تريد إسرائيل فعلا؟
لسنا الآن في صدد تحليل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ودور إسرائيل المركزي في تحقيق هذه المصالح، من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين، ولسنا الآن في صدد تأكيد مركزية القضية الفلسطينية في الصراعات الدائرة في المنطقة.
ولكن إذا تركزنا في السياق المباشر: الإسرائيلي الفلسطيني، فإن إسرائيل تسعى للتهرب من الحل السياسي، وفق قرارات الشرعية الدولية ونعني بها القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وعن الجمعية العامة، وبالتالي هي تسعى إلى التصعيد العدواني لتسويق موقف الحكومة الإسرائيلية بشأن الخطوات أحادية الجانب، التي تقوم بها على الأرض الفلسطينية، كاضطرار أمني في مواجهة" الإرهاب الفلسطيني" ونظرا لعدم "وجود شريك فلسطيني" كما يدعون.
إن المؤسسة الإسرائيلية والحكومة في إسرائيل تسعيان ليس إلى صياغة حل وسط تاريخي بين إسرائيل وفلسطين، وإنما إلى صياغة حل وسط تاريخي بين قطبي الحركة الصهيونية، اللذين تمثلا في حزبي العمل والليكود.
إن إقامة حزب كديما في حينه بقيادة أريئيل شارون المؤسس التاريخي لحزب الليكود، وشمعون بيرس القائد التاريخي في حزب العمل، يعبر عن السعي لإيجاد حل وسط صهيوني داخلي من ناحية، ويكون متحيزا بالكامل للمصالح الأمريكية في المنطقة من ناحية أخرى.
إن خطة الفصل التي قام بها شارون وخطة التجميع التي أعلنها خليفته أولمرت ليستا تعبيرا عن نزوة، وإنما هي تعبير عن عملية التزويج بين البرنامج التاريخي لحزب "العمل" والبرنامج التاريخي لليكود.
لقد دعا حزب "العمل" دائما إلى المحافظة على الأغلبية اليهودية في إسرائيل وكان مستعدا لتنازلات إقليمية في المناطق المكتظة بالفلسطينيين، بينما حزب الليكود واليمين الإسرائيلي كان دائما مع "أرض إسرائيل الكاملة"، وتبنت بعض أقطاب هذا اليمين أفكار الترانسفير ضد الفلسطينيين.
إن التزويج بين البرنامجين، متمثلا ببرنامج الحكومة الحالية، يعتمد على التدخل في الجغرافية وفي الديمغرافيا، من اجل ان تضمن إسرائيل ضمّ أكثر ما يمكن من الأرض الفلسطينية إلى حدودها، من خلال تكثيف الاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبرى (عدد المستوطنين زاد في الأشهر الستة الأوائل من هذا العام بنسبة 2,7%) ومن خلال بناء الجدار العنصري الذي يحاصر التجمعات السكانية الفلسطينية الكبرى.
وتحويل هذا الواقع الجغرافي (الجدار) وهذا الواقع الديمغرافي (تكثيف الكتل الاستيطانية الكبرى) إلى واقع سياسي، يجري فرضه على عناصر الصراع من قبل الطرف الإسرائيلي.
إن العنصر الأساسي في خطة التجميع التي أعلنها أولمرت، ليس الانسحاب من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، الذي أعلن عن تأجيله بعد الحرب في لبنان إنما هو إنهاء الجدار حتى نهاية العام القادم 2007، وتجميع المستوطنات في الكتل الاستيطانية الكبرى، وهذا ما يجري تنفيذه على الأرض مع الحرب في لبنان ومن دونها.
نعم هناك ضرورة لارسال قوات دولية نزيهة وغير متحيزة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومهمة هذه القوات يجب ان تكون محكومة لفهم ما يحدث وما يحاك على الأرض الفلسطينية، بمعنى أن انتشار هذه القوات يجب ان لا يكون استحقاقا لمفهوم الأمن الإسرائيلي، إنما استحقاقا ضروريا تمهيدا للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، والى وقف معاناة الشعب الفلسطيني الرهيبة والى التوصل الى سلام يضمن الامن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة، لذلك يجب مراعاة الأمور التالية:
1- الانتشار يجب ان يكون وفق الخط الأخضر، أي وفق الحدود الدولية المعترف بها بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية، وليس وفق مسار الجدار العنصري او حسب حدود الاستيطان.
2- حماية الشعب الفلسطيني من العدوان المستمر واليومي، وحماية مؤسساته الرسمية والاقتصادية، وإتاحة المجال أمام ترميمها وتنظيم علاقات المناطق الفلسطينية مع الخارج وان لا يكون دخول الطحين إلى قطاع غزة، أمرا مرهونا بمزاج آخر ضابط إسرائيلي.
3- إنهاء مخزون الذرائع الإسرائيلي للتهرب من التفاوض على أسس الشرعية الدولية، بمعنى التوصل إلى وضع يلجم العدوان الإسرائيلي ويوقف الفوضى في الشارع الفلسطيني التي تتمثل أيضا في إطلاق صواريخ بدائية على إسرائيل.
وهذا سينعكس بالضرورة ايجابا على تحرك قوى سلامية في داخل اسرائيل وعلى القوى المؤيدة لعملية سلام حقيقية بين الفلسطينيين لان ذلك يساهم في ترسيخ معادلة الصراع الحقيقية والمطلوبة وهي ان الصراع ليس صراع وجود انما صراع تحرر من الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب دولة اسرائيل.
إن وجود القوات الدولية يجب ان لا يمثل حالة أمنية وحسب وإنما مدخلا للتوصل إلى حل نهائي وعادل يمكن ان تكون في اطار رؤية شرق اوسطية شاملة (مبادرة السلام العربية) وليس الغرق في خطوات تعاود إنتاج الأزمة وتعميقها.
4- تركيبة القوات الدولية يجب ان تعبر عن موقف مسؤول للمجتمع الدولي، وأن لا يبقى التدخل الدولي رهنا للعلاقات الاستراتيجية بعيدة المدى بين إسرائيل والولايات المتحدة، وليس رهنا للمصالح الأمريكية في المنطقة.
هذا الأمر يتطلب دورا فاعلا للأمم المتحدة وللدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبالأخص روسيا وفرنسا والصين ويتطلب دورا مرجعيا للاتحاد الأوروبي، وهذا يعني إعطاء مضمون حقيقي لدور الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية) وإعطاء اعتبار حقيقي لمبادرة السلام العربية.
لا شك ان اسرائيل الرسمية لن تكون متحمسة لانتشار قوات دولية في حدودها مع المناطق الفلسطينية لا بل ستبدي اعتراضا على رؤيتنا الآنفة لنشر هذه القوات ولكن الدور الاوروبي الفاعل وضرورة صياغة موقف وتحرك عربي في اتجاه هذه الرؤية وتبني موقف وممارسة فلسطينية مشتركة يسقطان الذرائع عن عدوانية اسرائيل, كل ذلك بامكانه ان يتحول الى عنصر قوة جدي سيفرض نفسه على اعتبارات الادارة الامريكية وخاصة في عهد مابعد بوش وسيكون بالامكان تحويله الى واقع يبشر بمخرج جدي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر