حكومة أولمرت ليبرمانالجمعة 13/10/2006 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
مرّة أخرى وخلال ستة أشهر يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، ضم الحزب العنصري المتطرف، "يسرائيل بيتينو" بزعامة الفاشي أفيغدور ليبرمان، الذي لا يوفر فرصة ليفرغ حقده الدموي على العرب، من المطالبة بطرد شعب بأكمله من وطنه، إلى دعوات شن حروب على الدول العربية، وحتى إعدام قادة سياسيين. وليبرمان ليس الوحيد داخل البرلمان الإسرائيلي الذي يتبنى ويروج ويدعو لمثل هذه الأفكار، وهناك مثله من يجاهر بها، وهناك أيضا من يتستر على تبنيه لمثل هذه المعتقدات، إلا أن ليبرمان معروف بشراسته، منذ أن كان طالبا في الجامعات الإسرائيلية، وكان يتزعم مع من أصبح لاحقا وزيرا لعدل إسرائيل، تساحي هنغبي، ما أسماه الطلبة العرب "عصابات الجنازير"، التي كانت تنفذ اعتداءات دموية على الطلبة العرب، لا لشيء، سوى لكونهم عربا، وسط تواطؤ الأجهزة الأمنية. على الرغم من أن أولمرت أعلن هذا الأسبوع أنه عازم على توسيع الائتلاف "قريبا جدا"، إلا أن هناك من يعتقد في الساحة السياسية ان أولمرت يخوض للمرّة الثانية مناورة سياسية، لأهداف متعددة، ومن بينها تغيير اتجاه الحوار الدائر في إسرائيل منذ شهرين، حول فشل الحكومة وجيشها في تحقيق أهدافها في الحرب على لبنان، والدعوات لإقامة لجنة تحقيق رسمية في مجريات الحرب ونتائجها، وهي التي يتخوف منها أولمرت، وايضا لكي يقنع أوساط اليمين واليمين المتطرف أنه، أي أولمرت، لم يترك أبدا معسكر اليمين. والأمر الآخر الذي قد يكون هدفا للمناورة، هو الضغط على الكتلة الدينية الأصولية الثانية، لليهود الاشكناز "يهدوت هتوراة" لتنضم إلى الائتلاف الحكومي القائم، الذي ليس لديه الأغلبية القوية لتخطي المرحلة المقبلة في الكنيست الإسرائيلي، فائتلاف أولمرت يضم حاليا 67 نائبا، من أصل 120 نائبا، من بينهم خمسة نواب، على الأقل، من حزب "العمل" الشريك في الحكومة يعتبرون حلقات ضعيفة في دعمهم للحكومة، خاصة إذا ما بقي مشروع ميزانية إسرائيل للعام القادم على حاله، بما يتضمنه من إجراءات تقشفية تضرب بالأساس الشرائح الفقيرة والضعيفة. ولكن حتى وإن كانت هذه مناورة سياسية، ولم تنته بضم ليبرمان إلى حكومة أولمرت، إلا أن الأخير يعطي للمرّة الثانية شرعية للخطاب العنصري المتطرف، ويُشرْعِن أيضا الدعوات لطرد العرب من وطنهم، حسب المصطلح الدولي: "الترانسفير"، إضافة إلى الدعوات الدموية ضد فلسطينيي 48، من إعدام قادتهم، إلى المطالبة بوزارة الأمن الداخلي (الشرطة) "ليعالج العرب كما يجب" حسب تصريحاته السابقة. ولكن ليس هذا فحسب بل إن أولمرت بمفاوضته ليبرمان فإنه يبدي استعدادا لقبول سياسة ذات بعد استراتيجي خطير، أولها تجميد أي حراك سياسي مستقبلي في المنطقة، خاصة على المسار الفلسطيني، فأجندة ليبرمان تطلب المزيد من الاحتلال والاستيطان، و"في أحسن أحوالها"، فإنها "تقبل" بكانتونات فلسطينية ضيقة خانقة منفصلة عن بعضها في الضفة الغربية، وبحكم ذاتي ضيق جدا، يقتصر على إدارة شؤون الحياة اليومية. كذلك فإن ليبرمان يسعى إلى سن قانون لتغيير نظام الحكم في إسرائيل، من برلماني إلى رئاسي جمهوري، ولكنه يطالب أيضا بجعل الانتخابات للبرلمان إقليمية وليس قطرية نسبية كما هي اليوم، والهدف منها واضح، وهو تقسيم البلاد بشكل يقلل من وزن فلسطينيي 48 السياسي، وقد أولمرت أعلن جهارة انه يريد التعاون مع ليبرمان في هذا المجال. قبل ستة اشهر، وحين فاوض أولمرت ليبرمان لضمه إلى حكومته، كان واضحا أننا أمام مناورة سياسية، خاصة وان أولمرت يعرف الطبيعة الشرسة لليبرمان، ويعرف أيضا ان أريئيل شارون، بكامل "هيبته" على مستوى الشارع الإسرائيلي، لم يستطع الصمود أمام تصرفات ليبرمان حين كان وزيرا في حكومته. أما اليوم فإن خطاب أولمرت اختلف كليا، لأنه يعلن تماثلا سياسيا مع ليبرمان، لا بل ويخرج للملأ ليعلن أنه معني جدا بضم ليبرمان إلى حكومته، بمعنى ان لا خلاف سياسي معه، وفي المقابل فإن ليبرمان لم يعلن عن أي تراجع في مواقفه السياسية المتشددة. ان ضم ليبرمان إلى الحكومة سيضع حزب "العمل" بزعامة وزير عمير بيرتس، الذي تصر بعض الجهات على مواصلة اعتباره في الجهة اليسارية للخارطة الحزبية في إسرائيل، أمام مسألة استمراره في الحكومة أم لا. لقد أعلن بيرتس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أنه يرفض أية شراكة مع حزب "يسرائيل بيتينو"، واليوم هناك من يقول في "العمل" إن بيرتس قد يتراجع ويقبل بمثل هذه الشراكة، وهذا سيعني آخر مسمار في نعش حزب "العمل"، الحزب المؤسس لاسرائيل.
إن إسرائيل الرسمية وأيضا من خلال الحركة الصهيونية تشغل العالم بما يسمى بـ "اللاسامية"، وتفرض على دول أوروبية، وأيضا بدعم أمريكي لسن قوانين تتعلق بـ "اللاسامية"، إلى درجة ان أي انتقاد لسياسة إسرائيل وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية أصبح يعتبر "لاسامية". إن إسرائيل والحركة الصهيونية تسمح لنفسها بالتدخل بالشؤون الداخلية لجميع الدول، وتبحث عن أحزاب، مهما صغر حجمها، تتبنى أفكارا عنصرية متطرفة، مثل النمسا وغيرها، وتدعو إلى عدم ضمها إلى الحكومات في تلك الدول، ولكن في المقابل فإن إسرائيل تسمح لنفسها بوجود أحزاب أكثر خطورة من تلك التي في أوروبا للتواجد بقوة على الساحة السياسية، لا بل إنها مدعوة باستمرار للمشاركة في الحكم، وتفسح المجال أمامها لتتوسع وتسن القوانين العنصرية، التي يعج بها كتاب القوانين الإسرائيلي، ومنها من بادرت إليها حكومات إسرائيل المتعاقبة. إن السؤال الذي يطرح نفسه أمام التطورات في الساحة السياسية الإسرائيلية، ماذا سيكون رد فعل الأسرة الدولية، بداية من الموقف من حزب "يسرائيل بيتينو" العنصري، وثانيا لقرار أولمرت الضمني بالدخول إلى فترة جمود سياسي في السنوات المقبلة. يسأل المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" ناحوم بارنيع، عما حصل لأولمرت ليطرأ عليه هذا التحول، ويقول بارنيع: "إن أولمرت بعد الحرب (على لبنان) يتحول من يتسحاق رابين إلى يتسحاق شمير، من قائد أراد إملاء جدول أعمال سياسي، ويذهب بعيدا نحو العودة إلى حدود 1967، إلى قائد سياسي يريد الحفاظ على الوضع القائم".
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|