الضعف الإسرائيلي في الحلبة السياسيةالسبت 4/11/2006 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
تكثف في إسرائيل، في الأيام الأخيرة، الحديث عن احتمال مواجهة إسرائيل لمبادرات سياسية دولية حول الشرق الأوسط، لا تقتصر على الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وإنما أيضا السوري، والقضية العراقية، وهناك من ذهب بعيدا ليتحدث منذ الآن عن ضم إيران للعملية السياسية. وحسب ما نشر على لسان "مصادر" في سدة الحكم في إسرائيل، إن كان في محيط رئيس الحكومة إيهود أولمرت، أم لدى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، تحاول صياغة مبادرة سياسية جديدة للشرق الأوسط، تهدف إلى انسحاب تدريجي من العراق، ودفع العملية التفاوضية على المسار الإسرائيلي الفلسطيني، وفحص مجدد للمسار السوري الإسرائيلي. أما بشأن الاتحاد الأوروبي، فإن الحديث لا يزال يدور حول المبادرة لعقد مؤتمر دولي ثاني، على شاكلة مؤتمر مدريد، الذي عقد في مثل هذه الفترة قبل 15 عاما. وهناك احتمالان لهذه التقارير المكثفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإما أنها محاولة لإيهام الرأي العام الإسرائيلي بأن الجانب السياسي لا يزال قائما، أو أن هناك أساسا لهذه التقارير، ولكن ما يمكن تصديقه، وحتى تبنيه منذ الآن، هو ما جاء في أحد التقارير في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، الذي قال، "إن إسرائيل تتخوف من أن تفرض عليها الأسرة الدولية مبادرة سياسية حول الشرق الأوسط"، لذلك فإن وزيرة الخارجية الإسرائيلي ليفني، تسعى لإعداد مبادرة إسرائيلية، يحملها إيهود أولمرت معه إلى واشنطن في الأيام القادمة. وهذا لأن التخوف الإسرائيلي من العملية السياسية هو أمر ليس بجديد، وإذا ما صنفنا كل النهج الإسرائيلي في السنوات الست الأخيرة، على وجه الخصوص، من حروب وعدوان، وإفشال مبادرات سياسية، فإنها كلها تصب في النهاية في هدف واحد، وهو إبعاد إسرائيل أكثر ما يمكن عن المسار السياسي، وإقناع العالم بأنه في الطرف العربي، إن كان الفلسطيني أو السوري، "لا يوجد شريك للسلام". فإسرائيل ليس لديها ما تقدمه لطاولة المفاوضات السياسية، على الأقل في هذه المرحلة، فعلى الرغم من أن المؤسستين السياسية والأمنية العسكرية في إسرائيل على قناعة بأنه لن يكون مفر من حل سياسي في نهاية المطاف، إلا أن إسرائيل تحاول بأكثر قدر تأجيل هذا "المصير"، من أجل فرض حقائق على الأرض من استيطان وسلب أراضي عربية، إن كانت الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، أو السورية في هضبة الجولان. وفي نفس الوقت فإن القلق في إسرائيل هو من التطورات السياسية التي قد تنشأ في الولايات المتحدة، بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية في الأيام المقبلة، وحسب إسرائيل، فإنه إذا صدقت استطلاعات الرأي وفقد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأغلبية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، فإن هذا سيضاف على ضائقته السياسية القائمة أصلا، على خلفية الوضع المتأزم في العراق. وحقا ان بوش، على الصعيد الشخصي، هذه هي الولاية الثانية له وليس لديه ما يفقده في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن هذه نظرة ليست دقيقة، فأيضا على صعيده الشخصي سيسعى لإنهاء ولايته ولو بانجاز سياسي خارجي واحد، ينعكس على وضعية الولايات المتحدة في الأسرة الدولية، والأمر الآخر فإن هذا الرئيس هو مبعوث لمجموعة تمثل مصالح اقتصادية، تسعى لبقائها في سدة الحكم الأمريكي، أيضا بعد بوش، من خلال رئيس جديد. وهناك من يعتقد في إسرائيل ان هناك احتمالا قويا أن يقرر بوش في الفترة القصيرة المقبلة تغيير أولويات التحرك الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال حدوث انقلاب، ولو محدود، في بعض الرؤى السياسية الأمريكية، ومن مؤشرات هذا، ظهور وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، وهو شخصية لا يمكن وصفها بأنها "مفضلة" أو "محبوبة" في أورقة الحكم الإسرائيلي. فقد لعب بيكر في مطلع سنوات التسعين دورا كبيرا لجر إسرائيل إلى مؤتمر مدريد، وحتى إلى حجز ضمانات مالية عن إسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، والتعامل بتوتر مع حكومة يتسحاق شمير، وهذه من العوامل المركزية التي انعكست على الرأي العام الإسرائيلي، وأدت إلى سقوط هذه الحكومة وظهور حكومة يتسحاق رابين في العام 1992. إن الظروف القائمة اليوم، التي يطغى عليها التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، تبعد "احتمال" ان نستفيق في الغد لنر ان إسرائيل محاصرة سياسيا في الأسرة الدولية، وحتى المبادرات السياسية التي يجري عنها، وإن كانت واقعية، ستنتظر هي الأخرى "الظروف المواتية" لطرحها، وعلى رأس هذه الظروف الهدوء الأمني، ومن جانب إسرائيل فإنها ستسعى لكل وسيلة لا تضمن الهدوء الذي تتخوف منه. ولهذا فإن جر إسرائيل إلى الحلبة السياسية والمفاوضات يجب ان يكون مصلحة فلسطينية وعربية، من منطلق جر العدو إلى الحلبة التي يشعر نفسه ضعيفا فيها. إلا أن إسرائيل تستغل عاملين أساسيين من أجل الحفاظ على الوضع القائم وتمرير أهدافها، أولهما الاختلال في موازين القوى الدولية، خاصة في ظل ولاية بوش، الداعم بشكل أعمى لإسرائيل، وثانيا حالة عدم الاستقرار في الساحة الفلسطينية، وهي حالة لإسرائيل قسط فيها. وإذا اعتبرنا، اعتمادا على ما ينشر في الولايات المتحدة، أن تغيرا، بشكل ما، قد يطرأ على الأجندة السياسية الأمريكية، فإن السؤال الذي سيطرح في المقابل هو جاهزية الجانب الفلسطيني لمعركة جر إسرائيل إلى الحلبة السياسية. وأول سؤال يجب ان يطرح على الصعيد الداخلي الفلسطيني، هو ما إذا هناك نية لخوض معركة كهذه، والاعتراف بالدور الدولي في أي مناورة سياسية في المنطقة، فمطالبة الأسرة الدولية بالتدخل والضغط على إسرائيل من اجل وقف عدوانها، كما جاء على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنيّة، هو اعتراف ضمني بالدور الدولي، وهذا الدور يجب استثماره للمصلحة الفلسطينية. ولطالما قيل ان الهدوء الأمني هو مصدر قلق لإسرائيل، التي تسعى دائما لإشعال المنطقة عسكريا، حيث تشعر نفسها أقوى، ولهذا فإن هناك ضرورة لعدم تقديم أية ذريعة لإسرائيل تستثمره على الساحة الدولية من اجل "تبرير" جرائمها ومجازرها، من وجهة نظر دولية، وهي وجهة نظر مشوهة في الظروف الدولية الحالية. من الواضح لو أن إسرائيل معنية بمفاوضات سياسية، لكانت فاوضت الرئيس محمود عباس، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، المفاوض الأساسي لإسرائيل، وليس كرئيس للسلطة الفلسطينية، إلا أن إسرائيل تفضل معانقة الرئيس عباس، كعناق الدببة، وهي في هذا الشأن تعرف ان "معانقة" وهمية كهذه، حتى وإن كانت من دون أي رصيد كما هو الحال، فإنه يساهم في زعزعة مكانته في الشارع الفلسطيني، وهو ما تسعى إليه إسرائيل لتقول للعالم: "ها هي الشخصية الأولى لا تحظى بثقة الشارع الفلسطيني". ولكن للأسف هناك من يشتري مثل هذا العناق، ليصدقه ويروج له، محرضا، ليخدم الهدف الأساسي منه، بقصد أو من دون قصد. إن الوضع الناشئ يخدم المصلحة الإسرائيلية العدوانية، وإسرائيل معنية ببقائه، واستمراره ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني، وسحب البساط من تحت إسرائيل يتطلب جهدا سياسيا فلسطينيا، وتقديم أجوبة لعدة قضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي في الساحة الفلسطينية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|