إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أزمة إسرائيل ونظام الحكم

السبت 18/11/2006
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

أغرقت الحلبة السياسية الإسرائيلية نفسها، في الأسابيع الأخيرة، في جدل حول طريقة نظام الحكم في إسرائيل، وهو جدل قائم منذ مطلع سنوات التسعين، بالأساس، ولكنه اشتد في الأسابيع الأخيرة على وجه الخصوص.
ويعتقد ساسة إسرائيل ان مشكلة عدم استقرار الحكم خلال 58 عاما على قيام دولتهم مرتبطة بشكل النظام وبطريقة الانتخابات، التي أدت بنظرهم إلى تفكك الخارطة السياسية، وكثرة الأحزاب الصغيرة التي تمثل قطاعات وتنوعات مختلفة في المجتمع داخل إسرائيل.
ويبتعد السياسيون في إسرائيل، وبوعي كامل، عن جذور مشكلة عدم استقرار الحكم، المرتبطة بعاملين أساسيين، أهمهما الأزمة السياسية والعسكرية التي فرضتها إسرائيل على نفسها وعلى المنطقة منذ قيامها وحتى اليوم، والثاني طبيعة وتنوعات المجتمع في إسرائيل، لما يتضمنه من تناقضات وصراعات على أساس قومي وإثني وطائفي وثقافي.
وكما هو معروف فإن النظام في إسرائيل هو برلماني، فيه رئيس الدولة منصب تمثيلي وليس تنفيذي، وكل السلطة التنفيذية تتركز بيد الحكومة، وبينما ينص القانون في إسرائيل على إجراء انتخابات برلمانية مرّة كل أربع سنوات، وكل برلمان جديد يشكل حكومته، فإنه خلال 58 عاما جرت في إسرائيل 17 انتخابات برلمانية، خمسة منها فقط جرت في موعدها القانوني، كما تم تشكيل 31 حكومة، بما فيها الحالية.
وقبل أكثر من عام أعلن رئيس الدولة موشيه كتساب عن إقامة لجنة من المختصين والخبراء لفحص إمكانيات التغيير في طريقة الانتخابات، وهذه اللجنة قد تصدر تقريرها في الأسابيع القادمة، ولكن منذ الآن أصبح واضحا أن اللجنة لم تتعمق في جذر مشكلة النظام، رغم اعتراف رئيسها البروفيسور مناحيم مجيدور، بحقيقة ان أزمة النظام مرتبطة بالأزمة السياسية، وأن أي تغيير في طريقة الانتخابات وشكل النظام لن يحل المشكلة، طالما ان المشكلة السياسية لا تزال قائمة.
بداية من الجدير ذكره انه على الرغم من كثرة الأحزاب، إلا أنه حتى العام 1992 كان في إسرائيل حزبان مركزيان كبيران، "العمل" و"الليكود" يتنافسان باستمرار على الحكم، ومجموع مقاعدهما كان يشكل الغالبية الساحقة من مقاعد البرلمان الـ 120، وفي بعض الأحيان كانت تصل إلى 66% وحتى 75% من المقاعد.
إلا أن إسرائيل في مطلع سنوات التسعين، وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الشعبية واضطرار إسرائيل تحت ضغط دولي التوجه إلى مسار المفاوضات مع الأطراف العربية، بدأت تصطدم بواقع حالها أكثر، وهذا الاصطدام كان ملموسا أكثر في الشارع الإسرائيلي، والكثير من الأوهام، أو "البقرات المقدسة"، التي بنت إسرائيل نفسها عليها انهارت، وأصبح إدراك لحقيقة ان إسرائيل دولة تمارس الاحتلال، وأنه لا يجوز لها الاستمرار في هذا الواقع.
ولكن هذا الأمر زاد من حدة الصراعات السياسية الداخلية، وكثرة البرامج السياسية، واتساع حالة التقاطب، وفي نفس الوقت انتقلت إسرائيل في العام 1996 إلى نظام الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، الذي مارسته ثلاث مرات وألغته في العام 2002.
وهذه الطريقة فسحت المجال أمام تعزيز قوة الأحزاب الصغيرة على حساب الحزبين الكبيرين، اللذين سارعا لمقايضة أصواتهما مع الأحزاب الصغيرة مقابل الحصول على دعمها لمرشحي رئاسة الحكومة، وهذا الأمر ساعد الأحزاب الصغيرة التي تمثل قطاعات متنوعة في المجتمع داخل إسرائيل على اللجوء إلى الأحزاب الصغيرة التي تمثل مصالحها بشكل مباشر.
وإذا اعتبرنا ان هذا الأمر كان حاصلا أصلا لدى فلسطينيي 48، فإنه تعزز لدى الطوائف اليهودية المختلفة، من متدينين أصوليين، ومتدينين صهاينة، ومن المهاجرين جدد الذي قلبوا الكثير من موازين القوى في الخارطة السياسية.
وهذا الوضع الناشئ، زاد من حدة تفكك وبعثرة الخارطة السياسية ليؤجج الصراعات الداخلية داخل البرلمان، ويزيد من حدة عدم استقرار الحكم، وهذه الصراعات تتمحور بالأساس حول القضية السياسية المركزية، ثم بالدرجة الثانية تدور حول التناقضات والصراعات الداخلية التي يشهدها المجتمع في إسرائيل.
والصراعات الداخلية متنوعة، بداية شبه إجماع يهودي صهيوني في مواجهة فلسطينيي 48، ثم تأتي الصراعات داخل المجتمع اليهودي، مثل قضية الإكراه الديني، بين المتدينين والعلمانيين، والسباق للسيطرة على مفاتيح الحكم، مثل المهاجرين الجدد، والصراع الطائفي الأساسي بين اليهود الغربيين والشرقيين، القائم منذ قيام إسرائيل، لما يواجهه الشرقيون من تمييز ضدهم ملموس حتى الآن، لتزيده هجرة الإثيوبيين، وحتى الروس، فالعنصرية الأساسية هي ضد العرب، ولكن داخل المجتمع اليهودي هناك عنصرية متنامية باستمرار بين الطوائف المختلفة.
من الملفت للنظر ان "خبراء" وساسة إسرائيل يحاولون استيراد أشكال نظام الحكم المتبعة في أكثر الدول الأوروبية استقرارا، وحتى دول شمال أوروبا التي بات يضرب بها المثل، وبتجاهل كامل لحقيقة ان إسرائيل هي دولة عسكر، وقد "عسكرت مجتمعها" حتى قبل ان تعلن قيامها.
فمثلا اللجنة الرئاسية السابق ذكرها تضع توصيات لتكون الانتخابات البرلمانية في إسرائيل مناصفة بين النسبية القطرية وبين الإقليمية، فهي اليوم قائمة على أساس النسبية القطرية، بمعنى ان الأحزاب تعرض لوائح قطرية وتتمثل في الكنيست بقدر الأصوات التي حصلت عليها قطريا.
وتقول اللجنة بوضوح ان هذه الطريقة، إضافة إلى سلسلة من التقييدات تهدف بالأساس إلى تعزيز قوة الأحزاب أو الحزبين الكبيرين، وهذا أمر صرح به رئيس الحكومة إيهود أولمرت، حين أعلن التوصل إلى صيغة اتفاق حول مشروع قانون لإجراء تعديلات في نظام الحكم، وقال، "هذه بداية النهاية للأحزاب الصغيرة".
إذا كان في إسرائيل من يتوهم ان هذا سيضرب تمثيل فلسطينيي 48 لوحدهم، فإنه متوهم، لأنه يضرب أيضا قطاعات يهودية ترفض الانخراط في أحزاب أخرى، مثل جمهور المتدينين الأصوليين، وهم يعيشون في مجتمع منغلق على نفسه، وتبلغ نسبتهم قرابة 19% من بين السكان، وحوالي 14% من بين الناخبين (فوق 18 عاما)، وغيرهم من القطاعات، وتراجع تمثيل هذه القطاعات سيزيد من الصراعات الداخلية في المجتمع إلى حدود نجهلها.
إن إغراق الساحة السياسية في الحديث عن نظام الحكم، وبهذا الشكل، هو شكل من أشكال إبعاد النقاش الداخلي في إسرائيل عن القضية الأساس في إسرائيل: مستقبلها السياسي وحل الصراعات الإقليمية التي هي سببها، خاصة في هذه المرحلة التي أصبحت فيها حكومة إسرائيل من دون أي برنامج سياسي يهدف إلى إنهاء الصراع، فالبرنامج السياسي الإسرائيلي الحالي هو الحفاظ على الوضع القائم، وتعميق الاحتلال وفرض حقائق على الأرض تبعد فرص السلام، وهذا ما يعترف به الكثيرون في إسرائيل.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر